بغداد - نفّذت البحريّة الإيرانيّة في 16 كانون الأوّل/ديسمبر مناورات عسكريّة بحريّة في مياه شطّ العرب بمشاركة رمزيّة من البحريّة العراقيّة. وأشارت قيادة القوّات البحريّة الإيرانيّة إلى أنّ الغاية من هذه المناورات هي تسيير دوريّات مشتركة، وتفتيش الزوارق المشتبه بها، ومكافحة أعمال التهريب والتسلّل والقرصنة البحريّة في مياه شطّ العرب. وشاركت البحريّة العراقية بـ6 زوارق من نوع "ديفندر". وتعتبر هذه المناورات الأولى من نوعها بين بغداد وطهران بعد عودة العلاقات الثنائيّة بينهما بعد عام 2003.
يصف رئيس اللجنة الأمنيّة في مجلس محافظة البصرة جبّار الساعدي، المناورات بأنّها مجرّد تمرينات تعبويّة قامت بها قوّات خفر السواحل العراقيّة والإيرانيّة، بهدف تعزيز قدرات الجانب العراقيّ، وتقوية خبراته في مجال القوّة البحريّة.
ويوضح في حديث إلى "المونتيور" أنّ هذه الفعاليّات تمّ خلالها افتتاح سيطرة جديدة مشتركة لخفر السواحل العراقيّ والإيرانيّ للسيطرة على العابثين والمهرّبين، لافتاً إلى أنّ هذه المناورات ستستمرّ، وهناك اتّفاق وتواصل مشترك مع الجانب الإيرانيّ، واجتماعات متواصلة لتعزيز العمل الأمنيّ المشترك في مجال البحريّة.
ويمثّل شطّ العرب عصب الاقتصاد العراقيّ، إذ يعتبر القناة الملاحيّة للسفن المتوجّهة إلى موانئ البصرة من الخليج العربيّ، وهو مصدر رئيسيّ لري بساتين النخيل، ويبلغ طوله حوالى 190 كلم، ويصل عرضه في بعض مناطقه إلى كيلومترين. وتمتلك إيران ثلاثة موانئ في الشطّ، هي ميناء خرمشهر الذي شهد توسّعاً كبيراً، وميناءا عبادان وخسرو آباد، كما بادرت إلى إنشاء ثلاثة موانئ أخرى في السنوات الأخيرة، وشيّدت منصّات بحريّة جديدة.
يقول المحلّل السياسيّ والأستاذ في جامعة الموصل علاء الصفار إنّ مياه شطّ العرب آمنة تماماً، ولا توجد فيها أعمال قرصنة، لكنّ المناورات تحمل في طيّاتها رسالة إلى دول الخليج. وأضاف لـ"المونتيور" أنّ طهران تريد أن تؤكّد لدول الخليج عبر هذه المناورات، أنّ وجودها في العراق هو وجود دائم ومستقرّ بحكم العلاقة الاستراتيجيّة بين بغداد وطهران.
وأشار الصفار إلى أنّ النفوذ الإيرانيّ في محافظة البصرة في تزايد مستمرّ، وأنّ هذه مناورات البحريّة الإيرانيّة تمّت بإشراف مباشر من الحرس الثوريّ الإيرانيّ، وبتغطية إعلاميّة اقتصرت على الجانب الإيرانيّ فقط، ممّا يجعل الأمر واضحاً، وهو حريّة إيران الكاملة في التصرّف في الأراضي العراقيّة. وتابع أنّ المسؤولين العراقيّين يحاولون غضّ الطرف عن الأهداف السياسيّة للمناورات، باعتبار أنّ الأمر يقتصر على الجوانب الأمنيّة فقط.
من جانبه، قال رئيس لجنة المنافذ في محافظة البصرة مرتضى الشحماني في حديث إلى "المونتيور" إنّ المناورات هي تمرين تعبويّ تمّ قرب السيطرة العراقيّة الجديدة التي تمّ افتتاحها بين مجلس المحافظة في البصرة وبين قيادة منطقة الحدود في المنطقة الرابعة، مؤكّداً أنّ التمرين كان جيّداً، وكشف التقدّم الحاصل في البحريّة الإيرانيّة والقدرات الإيرانيّة، من حيث الزوارق والأدوات والمهارات.
وبرّر الشحماني المناورات لتوارد المعلومات مع الدول المجاورة للعراق، والاستفادة من النظام الاستخباراتيّ الذي عدّه ضروريّاً لحماية السواحل العراقيّة من القرصنة البحريّة، والمخدّرات، والصيّادين الذين يأتون من خلال إيران. وأضاف أنّ مجلس محافظة البصرة طالب قيادة قوّات الحدود والبحريّة، استمرار المناورات وتكرارها لدعم البحريّة العراقيّة وتطويرها.
ويواجه شطّ العرب تآكلاً مستمرّاً في جانبه العراقيّ، ممّا يتسبّب في خسارة مئة دونم سنويّاً من الأراضي، بسبب الإهمال وكثرة الغوارق والطمى وترسّبات نهر الكارون. وقد أدّى ذلك إلى إضافة أراضٍ رسوبيّة جديدة إلى الجانب الإيرانيّ، على حساب الجانب العراقيّ، ممّا يسبّب قلقاً من سيطرة إيران على مناطق نفطيّة على الحدود، تعود ملكيّتها حاليّاً إلى العراق.
وتستفيد إيران من اتّفاقيّة الجزائر الموقّعة في عام 1975 بين العراق وإيران. وتضمّنت هذه الاتّفاقيّة التي وقّعها نائب رئيس الجمهوريّة آنذاك صدّام حسين وشاه إيران محمّد رضا بهلوي، أن تمرّ الحدود بين العراق وإيران بأعمق نقطة في شطّ العرب، متمثّلة بخطّ التالوك (وهي النقطة التي يكون الشطّ فيها في أشدّ حالات انحداره).
لكنّ الحكومة المحليّة في البصرة، لم تحرّك ساكناً لمعالجة ذلك الإهمال، ولم تضع حدّاً لخسارة الأراضي العراقيّة، إذ تسعى حكومة البصرة المحليّة في الوقت الراهن إلى إنشاء منطقة حرّة بسعة 400 دونم مع إقليم خوزستنان الإيرانيّ، وهذه المنطقة يقع قسم منها في الأراضي العراقيّة، ويقع القسم الآخر ضمن الجانب الإيرانيّ. لكنّ إنشاء هذه المنطقة يتطلّب تشريع قانون من مجلس النوّاب، حسب ما ذكر محافظ البصرة ماجد النصراوي في 4 كانون الأوّل/ديسمبر.
ولم يخف قائد حرس الحدود الإيرانيّ العميد قاسم رضائي، الأهداف السياسيّة وراء المناورات البحريّة في مياه شطّ العرب، حيث اعتبر رضائي في 11 كانون الأوّل/ديسمبر هذه المناورات أنّها تؤكّد أنّ البلدين لن يسمحا لأيّ طرف ثالث بالتدخّل في الشؤون الأمنيّة للمنطقة. وهو يعني بهذا التصريح أنّ المناورات رسالة سياسيّة واضحة إلى دول الخليج العربيّ، كما تؤكّد تصريحاته بوضوح، النفوذ الإيرانيّ في مياه شطّ العرب.
والحال أنّه مع عدم سيطرة الحكومة العراقيّة على تثبيت الحدود بسبب انجراف التربة، فإنّ ايران سيكون لها الحقّ في الدخول إلى الحدود العراقيّة، والتغلغل فيها، مع موقف الحكومة الخجول عكس ما تبديه مع أيّ دولة أخرى مجاورة.