أعلن حلف شمال الأطلسيّ (الناتو)، بـ6 كانون الثاني/يناير من عام 2020، تعليق أنشطته التدريبيّة في العراق "بشكل موقّت"، بعد تصاعد التوتّر مع العراق وإيران بعد مقتل قائد فيلق القدس الإيرانيّ قاسم سليماني ونائب رئيس الحشد الشعبيّ العراقيّ أبو مهدي المهندس في غارة أميركيّة قرب مطار بغداد، في 3 كانون الثاني/يناير من عام 2020، معتبراً "سلامة أفراد الناتو في العراق بالغة الأهميّة".
واستبق الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ احتمالات الإيقاف النهائيّ للفعاليّات في العراق، بـ6 كانون الثاني/يناير من عام 202، بإعلان استعداده لاستئناف مهمّة التدريب في العراق، مشيراً إلى أنّ "أعضاء الحلف دعوا إلى ضبط النفس".
ولا تزال قوّات أميركيّة، فضلاً عن قوّات الناتو، منتشرة في شتّى أنحاء العراق منذ عام 2003، لتدريب قوّاته الأمنيّة.
تتبلور أهميّة التطوّرات بشأن نشاطات الناتو في العراق وتأثّرها بتداعيات اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس في بحث ينس ستولتنبرغ مع وزير الدفاع الأميركيّ مارك إسبر، بـ4 كانون الثاني/يناير من عام 2020 الأوضاع في العراق. وبعد ذلك بيوم، علّق الجيش الألمانيّ، في 5 كانون الثاني/يناير من عام 2020، عمليّات استبدال العسكريّين المشاركين في مهمّة التحالف الدوليّ ضدّ "داعش" بالعراق.
اكتسبت التطوّرات المتّجهة باتّجاه انحسار الوجود الأميركيّ والناتو في العراق، اتّجاهاً معاكساً تماماً بإعلان مارك إسبر، في 6 كانون الثاني/يناير من عام 2020، عدم وجود خطط للانسحاب من العراق.
وفي الاتّجاه ذاته، أعلنت وزارة الدفاع المجريّة بـ5 كانون الثاني/يناير من عام 2020، أنّها لن تسحب قوّاتها من العراق، معتبرة أنّ قرار تعليق حلف الناتو مهمّاته التدريبيّة لا يؤثّر على عمل القوّات المجريّة في العراق.
وداخليا، أثار إعلان الناتو مخاوف بين العراقيين بشأن إمكانية انسحاب الولايات المتحدة وحلفائها من العراق، مما سيزيد من وجود الإيرانيين ونفوذهم في البلاد. وازدادت المخاوف بشكل كبير خاصة بعد تصويت البرلمان العراقي في 5 يناير على إنهاء الوجود العسكري الأجنبي في العراق.
ولكن رد وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبو، على مثل هذه المخاوف بأن الولايات المتحدة ليست مستعدة للرضوخ لتصويت البرلمان العراقية بسحب قواتها. بدلاً من ذلك، فإن الولايات المتحدة مستعدة فقط لمناقشة إعادة تشكيل القوات مع العراقيين، ومساهمة أكبر من قوات الناتو.
لكنّ خطوة الناتو التي أثارت الاهتمام الإعلاميّ، لا يرصد فيها الخبير العسكريّ من مركز أبحاث التنمية فاضل أبو رغيف خلال حديث لـ"المونيتور" "أهميّة كبيرة، لأنّ دور حلف الناتو في العراق أصبح متواضعاً حتّى في مجالات التدريب. وقد تخلّى العراق عن 80 في المائة منه منذ 7 سنوات خلت بعد اكتسابه الخبرة"، مشيراً إلى أنّ "هناك مهاماً مشتركة في تبادل المعلومات بين الناتو والجهات العراقيّة، لكنّ الحلف هو المستفيد الأكثر من المعلومات التي تقدّمها الأجهزة الاستخباريّة العراقيّة عن الإرهابيّين".
وحتّى في مجال التسليح، رأى فاضل أبو رغيف أنّ "العراق يمكنه الاستغناء عن دعم الناتو بتنويع المصادر، كما حصل بعد اضطراره إلى اقتناء طائرات مي 25 ومي 28 الروسيّة بعد رفض الولايات المتّحدة تجهيزه بطائرات الأباتشي. كما اضطرّ إلى إيجاد بديل لمنظومة الفايبر الأميركيّة المنصبّة على طائرات أف 16، بعد رفض الناتو تجهيزه بها".
ورغم وجهة النظر عن إمكانيّة الاستغناء عن مهامّ التدريب التي يوفّرها الناتو، إلاّ أنّ الناطق باسم القائد العامّ للقوّات المسلّحة عبد الكريم خلف، قال لـ"المونيتور": "إنّ عمل قوّات التحالف الدوليّ سوف يقتصر على المشورة والتسليح والتدريب فقط، فيما القوّات المسلّحة سوف تنسحب من العراق".
وتحدّث الخبير الأمنيّ والباحث في مركز النهرين للدراسات الاستراتيجيّة هشام الهاشمي لـ"المونيتور" عن "أهميّة مشتركة كبيرة لكلّ من العراق والولايات المتّحدة في بقاء قوّات الناتو بالعراق"، معتبراً أنّ "واشنطن تعوّل على هذا الوجود لقطع الطريق البريّ من طهران إلى بيروت، فضلاً عن أن بقاء القوّات الأميركيّة وحلفائها في الناتو والغرب يلجم الجماعات الإرهابيّة في العراق والدول المجاورة أيضاً".
سياسيّاً، رأى هشام الهاشمي أهميّة وجود الناتو في "فرض سلطة المحور الأميركيّ على أدوات السلطة في العراق"، معتبراً أنّ "المصالح العراقيّة ترتبط ببقاء نفوذ الناتو لكي يستمرّ في تأمين المعونات الاقتصاديّة وتسليح الجيش".
وتوغّل المحلّل العسكريّ والعضو السابق في الائتلاف العراقيّ الموحّد أحمد الشريفي خلال حديث لـ"المونيتور" في تفاصيل الاتفاقيّات الموقّعة، مشيراً إلى "أنّ الاتفاقيّة الأمنيّة مع الولايات المتّحدة لا علاقة لها بقرارات الناتو"، وقال: "حتّى في الحالات التي يقرّر فيها العراق رسميّاً خروج كلّ القوّات من العراق، بما فيها الناتو، فإنّ القرار العراقيّ سوف لن يكون ملزماً لأنّ وجود الناتو تمّ بموجب قرار دوليّ بعد التقييم العالميّ في كون العراق لا يزال يهدّد السلم والأمن بسبب استمرار نشاط داعش".
وتشير مسارات الأحداث إلى أنّ الجهات الشيعيّة المعروفة بمواقفها المؤيّدة لإيران تدفع إلى انسحاب القوّات الأجنبيّة من العراق، بما فيها الناتو، وبرّر النائب في البرلمان حسين العقابي خلال حديث لـ"المونيتور" ذلك بأنّ "القوّات الأمنيّة أصبحت تمتلك القوّة والأدوات التي تمكّنها من ردّ التهديدات الخارجيّة وتعزيز الأمن الداخليّ، وهذا يعني عدم الحاجة إلى أيّ قوّات أجنبيّة داخل البلاد"، لينسجم تصريحه مع إعلان رئيس تحالف "الفتح" هادي العامري، في 6 كانون الثاني/يناير من عام 2020، في ذكرى تأسيس الجيش العراقيّ، أنّ "القوّات المسلّحة قادرة على حفظ أمن البلد بعد انسحاب القوّات الأجنبيّة".
تداعيات اغتيال المهندس وسليماني سوف تترك أثرها على علاقات العراق بالغرب والولايات المتّحدة خصوصاً، إذ أعلنت بريطانيا، في 6 كانون الثاني/يناير من عام 2020، تقليص عدد موظّفيها في سفارتيها بإيران والعراق، وأصدر زعماء فرنسا وألمانيا والمملكة المتّحدة بياناً دان "الاعتداءات التي استهدفت قوّات التحالف في العراق"، الأمر الذي يضع العراق من جديد أمام اتهامات استخدام العنف، في موقف هو الأضعف سياسيّاً وأمنيّاً منذ عام 2003 إذا ما انسحبت قوّات الناتو، لا سيّما أنّ أميركا بدأت تلوّح بعقوبات على العراق تفوق تلك المفروضة على إيران، الأمر الذي يؤدّي إلى ارتماء العراق في أحضان إيران بدعم القوى السياسيّة العراقيّة التي تناصرها.