عندما بدأت الاحتجاجات في إيران في 28 كانون الأول/ديسمبر الماضي، وقع حلفاء طهران في المنطقة في حيرة من أمرهم، ولم يكن واضحاً لهم إذا كانت هذه الاحتجاجات تستدعي القلق أم لا. فـ"حزب الله" اللبناني، و"وحدات الحشد الشعبي" في العراق، وحركة "حماس"، و"الجهاد الإسلامي" الفلسطيني، والنظام السوري ذو القدرة على التحدّي، والتي يرتبط وجودها اليوم إلى حد كبير بالقرار الذي اتخذته المؤسسة الثورية الإيرانية بالقتال إلى جانبها – جميع هؤلاء الأفرقاء لديهم أسباب كثيرة للنظر إلى التطورات في طهران وكأنها تحدث في بيروت وبغداد وغزة ودمشق. في اعتقادهم، إذا أمطرت في إيران، من الضروري أن يفتحوا المظلات أينما وُجِدوا.
بالنسبة إلى هذه البلدان، الجمهورية الإسلامية هي أكثر من مجرد مصدر للدعم المالي والسياسي. ففي نظرهم، إيران هي حاملة لواء المشروع المعروف بـ"محور المقاومة"، والذي يخوض مواجهة مفتوحة مع العديد من الخصوم على مستويات مختلفة. على امتداد العقود الأربعة الماضية، كان هذا المحور قيد البناء، وجرى تقديمه تدريجاً إلى الجماهير كبديلٍ عن جميع الأجندات والمسارات الأخرى في المنطقة. وبما أن إيران هي العمود الفقري للمحور، كلما أحدق بها خطرٌ ما، يصبح جميع حلفائها في دائرة الخطر. إنه أحد الأسباب الرئيسة التي تستدعي النظر إلى الاضطرابات الإيرانية من منظار إقليمي.
فضلاً عن ذلك، فإن بعض الشعارات التي رُفِعت في الاحتجاجات والتي لفتت انتباه وسائل الإعلام الدولية والإقليمية ندّدت بالسياسة الإقليمية لإيران، لا سيما دعمها للرئيس السوري بشار الأسد، و"حزب الله"، والفصائل الفلسطينية التي تقاتل ضد إسرائيل. هذا الاستهجان هو ما تسمعه عادةً على ألسنة سائقي التاكسي في طهران كلما طُرِحت المسألة. غير أن استطلاع آراء أجرته جامعة مريلاند يُظهر أنه ليس الرأي الغالب لدى الإيرانيين. فالاستطلاع الذي أجري بين كانون الأول/ديسمبر 2016 وحزيران/يونيو 2017، يكشف أن أكثر من 55 في المئة من الإيرانيين يُبدون موافقتهم على الأجندة الخارجية لبلادهم؛ والتي تشتمل على دعم "حزب الله"، ومساعدة الأسد، وعدم الاعتراف بإسرائيل. ولعلّه سببٌ وجيه كي يتنفّس حلفاء طهران الصعداء في خضم العاصفة.
في الواقع، كان أمين عام "حزب الله"، حسن نصرالله، من أوائل الذين أطلّوا عبر شاشات التلفزة لمخاطبة أنصارهم حول الوضع في إيران. وقد قلّل، في مقابلة معه في الثاني من كانون الثاني/يناير، من شأن الاحتجاجات قائلاً: "في ما يتعلق بإيران، ليس هناك شيء يدعو للقلق، ويتم التعامل بجدّية مع المسألة. ... حجم الاحتجاجات ليس كبيراً". أضاف أمين عام "حزب الله" البالغ من العمر 57 عاماً: "ما يجري في إيران يتم استيعابه بشكل جيد، وهو لا يقاس بما حدث في العام 2009... المشكلة في إيران الآن ليست سياسية كما حدث في العام 2009"، في إشارة إلى تظاهرات 2009 احتجاجاً على نتائج الانتخابات. تابع نصرالله: "دخلت أميركا وإسرائيل والسعودية على خط الأزمة في إيران".
كان الهدف من كلام نصرالله طمأنة قاعدته إلى أن الجمهورية الإسلامية ليست في خطر. لقد شدّد على أنه في حال كانت هناك مشكلة، فهي مرتبطة بمظالم الناس، وعلى أن أعداء إيران ومحور المقاومة يعمدون إلى تضخيمها، على رأسهم الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل. يتقاطع هذا الخطاب مع نظرة نوري المالكي، نائب الرئيس العراقي الحالي ورئيس الوزراء سابقاً، إلى الاحتجاجات. فقد اعتبرها "شأناً داخلياً"، مضيفاً أن أعداء إيران "يحاولون زرع بزور الشغب والإرباك". وقد عبّر حلفاء آخرون لطهران عن الآراء نفسها.
لكن خلف الأبواب الموصدة، الاضطرابات هي دائماً مدعاةٌ للقلق. في نظر "حزب الله"، ليست إيران حليفة، بل إنها أشبه بالأم العقائدية، والجوهر الذي يستمد منه الحزب قوّته – مثلما كان الاتحاد السوفياتي بالنسبة إلى الأحزاب الشيوعية حول العالم. في مناسبات عدّة، كرّر نصرالله في خطاباته أن "حزب الله" يحصل على دعم كامل من إيران. والمرة الأخيرة كانت خلال كلمة ألقاها في 24 تموز/يوليو 2016، عندما قال رداً على التحذيرات بأنه قد تُفرَض عقوبات على المصارف اللبنانية بسبب أموال "حزب الله": "إننا لا نخفي حقيقة أن موازنة حزب الله، ومصاريفه، وكل شيء يأكله أو يشربه، وسلاحه وصواريخه، تأتي من الجمهورية الإسلامية الإيرانية"، مضيفاً: "طالما هناك أموال في إيران، فهذا يعني أن لدينا أموالاً أيضاً".
الحزب اللبناني هو الأكثر هشاشة بين حلفاء إيران. فمزيج النموذج اللبناني لـ"حزب الله" وعلاقاته مع إيران لا نظير له في عالم التنظيمات السياسية والعسكرية. على الرغم من أن الحزب يُظهر اندماجاً تدريجياً في المنظومة السياسية اللبنانية منذ العام 2005، إلا أنه يحصل بالكامل على التمويل والتجهيزات من إيران. وفي حين أنه يحصل على الدعم كاملاً من المؤسسة الثورية، هو ليس جزءاً من المنظومة البيروقراطية الإيرانية؛ ولذلك فإن أي تغيير قد يحدث في إيران، أي تغيير ولو كان طفيفاً في السياسة الخارجية الإيرانية، يمكن أن تكون له تداعيات وخيمة على مستقبل الحزب.
أما في ما يتعلق بالحشد الشعبي، فالوضع مختلف تماماً. تنطلق المخاوف التي تثيرها الاحتجاجات الإيرانية من دوافع أيديولوجية، وتقتصر على مجموعات معيّنة ضمن الحشد تتشارك العقيدة الإيرانية عن الوصاية على الفقه الإسلامي. ليس التهديد الذي تشكّله هذه الكيانات وجودياً، لا سيما وأن الحشد الشعبي هو جزء من الجيش العراقي، وموازنته مرتبطة بموازنة الحكومة العراقية والتبرّعات من المؤسسة الدينية الشيعية في النجف. لذلك، ومهما كانت التغييرات التي قد تطرأ في إيران، لدى الحشد الشعبي العراقي، على الرغم من أنه حديث العهد، فرصٌ أكبر بكثير للتأقلم معها، بالمقارنة مع حزب الله الذي قد يُضطر إلى إجراء تغييرات بنيوية عميقة كي يتمكّن من الصمود والاستمرار.