من المتوقّع أن تدرس الدول الأعضاء في منظّمة الدول المصدّرة للنفط (أوبك) مسألة زيادة إنتاج النفط في اجتماعها في فيينا في 22 حزيران/يونيو، وهو أمر يُزعم أنّ الولايات المتّحدة طلبته بشكل غير رسميّ من بعض الدول الأعضاء في الأوبك.
فقد ذكرت وسائل الإعلام الدوليّة أنّ الولايات المتّحدة طلبت من المملكة العربيّة السعوديّة وعدد من الدول الأخرى الأعضاء في الأوبك تغطية العجز الذي قد تشهده السوق الدوليّة بسبب قرار الرئيس الأميركيّ دونالد رامب القاضي بإعادة فرض عقوبات على إيران.
وفي 2 حزيران/يونيو، ناقش ممثّلون عن المملكة العربيّة السعوديّة، والكويت، والإمارات العربيّة المتّحدة وعمان هذه المسألة واتّفقوا على ضرورة بذل كلّ ما في وسعهم من أجل ضمان استقرار سوق النفط. يعتبر المحلّلون السياسيّون ذلك موافقة محتملة على الطلب الأميركيّ، لكنّ الوضع قد يكون مختلفاً قليلاً عمّا يبدو عليه.
أوّلاً، من المهمّ عدم التأثّر بنظريّات المؤامرة. لا شكّ في أنّ القيادة السعوديّة الحاليّة مناهضة لإيران بشكل كبير، ويعتبر كلّ من الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود ووليّ العهد الأمير محمد بن سلمان إيران دولة إقليميّة عدوّة، ونادراً ما يفوّتان فرصة لينغّصا على طهران عيشها. مع ذلك، هما لم يتسبّبا يوماً بمشاكل لدرجة تعريض اقتصاد إيران للخطر.
ثانياً، منذ مطلع تسعينيّات القرن الماضي، حاولت الدول الـ14 الأعضاء في الأوبك عدم الإفراط في تسييس إنتاج النفط. بالإضافة إلى ذلك، منذ توقيع ما يُعرف باتّفاقية فيينا أو أوبك+ (صفقة بين الأوبك وبعض منتجي النفط الآخرين لتخفيض إنتاج النفط) في العام 2016، تحاول الرياض تحويل الكارتل إلى وسيلة فعليّة لتنظيم سوق النفط. وإلى حدّ ما، يحاول السعوديّون التنسيق بين الدول الأعضاء في الأوبك على الرغم من صعوبة ذلك. فنظراً إلى الفروق في القدرة الإنتاجيّة لتلك الدول وأوضاعها السياسيّة الداخليّة، يصعب تشجيعها على توحيد صفوفها. لكن بحلول هذه السنة، تمكّنت المملكة العربيّة السعوديّة من تحقيق ذلك تحت راية المصالح الاقتصاديّة المشتركة. سيعتبر الكارتل على الأرجح أنّه من غير المنطقيّ زيادة إنتاج النفط من أجل إرضاء الولايات المتّحدة وممارسة ضغوط سياسيّة على طهران، نظراً إلى أنّ هذه الخطوة قد تقضي على النظام في داخل المنظّمة، ما قد يصعّب على الرياض السيطرة.
ثالثاً، لا يجوز تماماً استبعاد احتمال وجود حوافز سياسيّة وراء نيّة السعوديّين في زيادة إنتاج النفط، لكنّ الاعتبارات الاقتصاديّة لها دور أكبر بكثير في هذا السياق. فالرياض بحاجة إلى الحفاظ على استقرار سوق النفط من أجل مصالح المملكة الاقتصاديّة. لقد تبنّت المملكة العربيّة السعوديّة خطّة طموحة للتنمية الاقتصاديّة من المتوقّع أن تعتمد على الأموال والعائدات النفطيّة الناجمة عن العرض العامّ الأوّلي لشركة "أرامكو السعوديّة". وفي ظلّ هذه الظروف، تُعتبر أسعار النفط المستدامة على المدى البعيد مهمّة بالنسبة إلى الرياض. فارتفاع أسعار النفط بشكل هائل لا يقلّ خطورة عن انخفاضها المفاجئ. وبالتالي، قد توافق الرياض على التعويض عن غياب إيران في السوق من أجل الحؤول دون صدمات في الأسعار، لا من أجل أسباب سياسيّة.
بالإضافة إلى ذلك، تُعتبر مشاكل إيران الإنتاجيّة الناجمة عن العقوبات مجرّد جزء من التحدّيات التي تواجهها المخطّطات السعوديّة، وليست التحدّي الأكبر. في أسوأ الحالات، وكما قال بعض محلّلي السوق في مقابلات مع المونيتور، قد ينخفض إنتاج طهران بحلول العام 2019 بمعدّل مليون برميل في اليوم؛ لكنّ السيناريو الأقلّ تشاؤماً والأكثر توازناً يتمثّل بتراجع الإنتاج الإيرانيّ ما بين 200 و500 ألف برميل في اليوم. وحتّى هذا الرقم ليس مؤكّداً. هذا ويطرح الوضع المتدهور في فنزويلا خطراً أكبر بكثير على مصالح الدول الأعضاء في الأوبك. وقد قال خبراء السوق للمونيتور إنّه بات مؤكّداً أنّ الإنتاج سينخفض بمعدّل 500 ألف برميل في اليوم في فنزويلا بحلول مطلع العام 2019. ولا ننسى أيضاً المخاطر المرتبطة بإنتاج النفط في نيجيريا، وليبيا والعراق.
يبرز أيضاً خطر تضخّم سوق النفط بسبب أسعار النفط المرتفعة، ما قد يؤدّي إلى تراجع الطلب. وفي ظلّ هذه الظروف، لن تقتصر مخاوف المملكة العربيّة السعوديّة على إيران.
أخيراً، لا تستطيع الرياض والدول الأخرى الأعضاء في الأوبك أن تقرّر زيادة الإنتاج من دون موافقة الدول غير الأعضاء في الأوبك التي وقّعت على اتّفاقية فيينا. من الممكن أن تؤيّد هذه الدول مبادرة من هذا النوع من جهة الأوبك، لكنّ تأييدها لن يكون له صلة فعليّة بالنوايا الأميركيّة بالضغط على إيران. وبالتالي، قد يتعيّن على موسكو – أحد مهندسي صفقة "أوبك+" - المساهمة في إقناع اللاعبين الآخرين بالبدء بزيادة إنتاج النفط تدريجيّاً انطلاقاً من شهر تموز/يوليو. يشعر الكرملين بضغوط كبيرة من الشركات الروسيّة. فقد دعت إدارة شركة "لوكويل" إلى مراجعة الصفقة النفطيّة، وأكّد مدراء شركة "روس نفط" في وقت سابق إنّهم سيحتاجون إلى شهرين فقط للعودة إلى مستوى الإنتاج ما قبل صفقة "أوبك+". وتتخوّف شركات النفط الروسيّة من أن تؤثّر أسعار النفط المرتفعة على الطلب العالميّ بشكل سلبيّ، وتؤدّي إلى زيادة العبء الضريبيّ للشركات الروسيّة وتوفّر ظروفاً إيجابيّة لمنتجي النفط الصخريّ في الولايات المتّحدة وللدول غير المشاركة في صفقة "أوبك+".
ويُعتبر موقف روسيا من صفقة "أوبك+" أكثر ما يعبّر عن الوضع الحاليّ، وهو أنّ ضرورة زيادة حصص مجموعة فيينا من إنتاج النفط تحدّدها أسباب اقتصاديّة وداخليّة. وفي حال زادت "أوبك+" الإنتاج، سيُلحق ذلك الضرر حتماً بالمصالح الإيرانيّة. لكنّ إيران لن تكون البلد الوحيد الذي سيعاني، وينبغي اعتبار خسائرها أضراراً غير مباشرة وليست الهدف الرئيسيّ لمجموعة فيينا التي تشارك فيها إيران أيضاً. بالإضافة إلى ذلك، إنّ نجاح هذه المبادرة السعوديّة غير مضمون، وهناك طريق طويلة قبل احتمال تطبيقها.
تواجه الرياض وموسكو تحدّياً رئيسياً مزدوجاً. فمن جهة، فيما وجدت موسكو والرياض سبباً مشتركاً لزيادة إنتاج النفط، لم تتوصّلا بعد إلى توافق بشأن نطاق الأسعار. فالرياض لا تريد أن ترتفع أسعار النفط بشكل كبير، لكنّها في الوقت عينه لا تريدها أن تنخفض دون 70$ للبرميل الواحد، علماً أنّ هذا هو هدف الكرملين. فضلاً عن ذلك، لم يتّفق هذان البلدان بعد على مدى ضبط حجم الإنتاج.
ومن جهة أخرى، يتعيّن على موسكو والرياض تخطّي مقاومة الدول الأخرى المشاركة في "أوبك+". ومن هذا المنطلق، لم يكن اجتماع 2 حزيران/يونيو جزءاً من مخطّط مناهض لإيران، كما زعمت بعض وسائل الإعلام، بل كان محاولة من الرياض لتبرير تحرّكاتها. وكان من المتوقّع أن تعارض إيران وفنزويلا الصفقة، لكنّ أحداً لم يتوقّع أن تشكّك فجأة الكويت، التي اضطلعت بدور رئيسيّ في المفاوضات حول صفقة "أوبك+"، في ضرورة مراجعة الصفقة. واتّهمت الكويت وغيرها من الدول العربيّة الأعضاء في الكارتل الرياض بخيانة مصالح منتجي النفط في الشرق الأوسط من أجل خدمة مصالح واشنطن وموسكو. فضلاً عن ذلك، نظراً إلى علاقات عمان والكويت الدبلوماسيّة مع طهران، لن توافق هاتان الدولتان على زيادة الإنتاج إذا كان المبرّر الوحيد لذلك هو الحاجة إلى الضغط على إيران.