مدينة غزّة، قطاع غزّة – أثار انسحاب الولايات المتّحدة الأميركيّة من الاتّفاق النوويّ مع إيران في 8 أيّار/مايو الجاري، وفرض عقوبات جديدة عليها في 10 أيّار/مايو الجاري، العديد من التساؤلات حول مدى تأثير تلك العقوبات على الدعم الماليّ والعسكريّ الذي تقدّمه إيران إلى الفصائل الفلسطينيّة، وتحديداً إلى حركتي حماس والجهاد الإسلاميّ.
وأعادت إيران الدعم المالي والعسكري إلى حركتي حماس والجهاد الإسلاميّ في أيّار/مايو 2017، بعد توقّف شهده ذلك الدعم في نهاية عام 201، في أعقاب مواقف الحركتين من الصراع في سوريا واليمن ووقوفهما على الحياد.
وذكرت وكالة رويترز في 2 كانون الثاني/يناير 2018، عن قائد هيئة الأركان الإسرائيليّ غادي أيزنكوت قوله: "في الأشهر الأخيرة تنامى كذلك الاستثمار على الساحة الفلسطينية بدافع رغبة في بسط النفوذ، بزيادة في التمويل (السنوي) بقطاع غزة لحركتي حماس والجهاد الإسلامي إلى مئة مليون دولار". فيما ذكرت صحيفة الشرق الأوسط السعوديّة في 25 أيّار/مايو 2016، أنّ إيران تقدّم 70 مليون دولار إلى حركة الجهاد الإسلاميّ سنويّاً.
مستشار وزير الخارجية الإيراني حسين شيخ الإسلام أكد لـ"المونيتور" أن قرار الجمهورية الإيرانية الإسلامية دعم المقاومة الفلسطينية قرار استراتيجي ولا يمكن التراجع عليه، قائلاً: "هدفنا في إيران تقوية محور المقاومة في الأراضي الفلسطينية وسوريا ولبنان في وجه محور الاستكبار الذي تقف به أمريكا وإسرائيل".
وأشار إلى أن علاقة بلاده مع فصائل المقاومة الفلسطينية تتطور مع مرور الوقت، وتحديداً مع حركتي حماس والجهاد الإسلامي اللتان تسعيان إلى تحرير بلادهما من الاحتلال الإسرائيلي.
وقال ممثّل حركة حماس في طهران خالد القدّومي لـ"المونيتور": "إنّ إيران تمثّل حليفاً استراتيجيّاً دأب على مدار سنوات على دعم القضيّة الفلسطينيّة والوقوف إلى جانب الشعب الفلسطينيّ ومقاومته على قدر المستطاع"، مشدّداً على أنّهم في حركة حماس والمقاومة الفلسطينيّة يواجهون إلى جانب إيران وكلّ مكوّنات الأمّة العربيّة والإسلاميّة، عدوّاً مشتركاً يتمثّل في الاحتلال الإسرائيليّ.
وبيّن القدّومي أنّ إيران واصلت دعمها لحركة حماس وللشعب الفلسطينيّ وقواه المقاومة سياسيّاً وعسكريّاً ودبلوماسيّاً وماليّاً، منوّهاً بأنّ الدول المانحة للشعب الفلسطينيّ تعرف واجبها تجاه فلسطين والقدس، وبأنّهم في حركة حماس يراعون الظروف الصعبة التي قد تمرّ بها الدول التي تقف إلى جانب الشعب الفلسطينيّ.
وأشار ممثّل حماس أنّ السياسة الأميركيّة في الإدارة الحاليّة بقيادة الرئيس دونالد ترامب تنحى منحاً تصعيديّاً مع منطقة الشرق الأوسط.
وفي السياق ذاته، ذكر الناطق باسم حركة الجهاد الإسلاميّ داوود شهاب في حديث إلى "المونيتور" أنّ أحد أسباب العقوبات التي فرضت سابقاً وحديثاً من الإدارة الأميركيّة على إيران، هو الدعم الذي تقدّمه الأخيرة إلى القضيّة الفلسطينيّة ورفضها إقامة علاقات مع إسرائيل.
وقال شهاب: "ما سمعناه من المسؤولين الإيرانيّين، أنّهم ملتزمون بدعم القضيّة الفلسطينيّة ونضال الشعب الفلسطينيّ، وأنّ ذلك الدعم لن يرتبط بفرض عقوبات على الجمهوريّة الإيرانيّة أو رفعها عنها".
وأضاف الناطق باسم الجهاد الإسلاميّ: "إسرائيل تعمل جاهدة على أخذ المواقف الإيرانيّة تجاه القضيّة الفلسطينيّة كمادّة للتحريض ضدّ إيران، ولا تريد أو تقبل (إسرائيل) أن يتعاطف أحد مع الشعب الفلسطينيّ الذي هو ضحيّة الإرهاب الإسرائيليّ".
أكّد النائب في مجلس النوّاب الإيرانيّ ومستشار الرئيس الإيرانيّ السابق أحمدي نجاد، مجتبى رحماندوست لـ"المونيتور" أنّ الدعم الذي تقدّمه الجمهوريّة الإيرانيّة إلى الفصائل الفلسطينيّة لن يتأثّر بالعقوبات الأميركيّة الجديدة ضدّها، لافتاً إلى أنّ القيادة الإيرانيّة ستزيد من دعمها للفصائل الفلسطينيّة ولكلّ الحركات التي تواجه إسرائيل في المنطقة العربيّة، كردّ على السياستين الأميركيّة والإسرائيليّة.
وقال رحماندوست: "الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة تعرّضت في السنوات التي سبقت توقيع الاتّفاق النوويّ مع الدول الغربية في عام 2015، إلى مقاطعة وحصار من الكثير من دول العالم، إلّا أنّ ذلك لم يؤثّر على دعمها السياسيّ والماليّ والعسكريّ للمقاومة والشعب الفلسطينيّ، إضافة إلى حركات المقاومة الأخرى في المنطقة كحزب الله".
واستنكر النائب الإيرانيّ تهجّم ترامب على إيران في مؤتمره الصحافيّ الذي أعلن فيه انسحاب الولايات المتّحدة الأميركيّة من الاتّفاق النوويّ، والذي اتّهم فيه إيران بدعم حزب الله وحماس، قائلاً: "نحن ندعم حركات مقاومة تسعى إلى استعادة أرضها من الاحتلال الإسرائيليّ، أمّا أميركا فتقدّم دعمها إلى إسرائيل التي تحتلّ فلسطين وتهدّد الدول العربيّة والإسلاميّة".
وكان المبعوث الأميركيّ لعمليّة السلام في الشرق الأوسط جيسون غرينبلات ذكر في تغريدة له على "توتير" في 4 شباط/فبراير 2018، أنّ إيران تقدّم 100 مليون دولار سنويّاً إلى حركة حماس لشراء الأسلحة وبناء الأنفاق لمهاجمة إسرائيل.
ورأى المحلّل السياسيّ والكاتب في صحيفة الأيّام الفلسطينيّة أكرم عطا الله في حديث إلى "المونيتور" أنّ الدعم الإيرانيّ للفصائل الفلسطينيّة سيتأثّر بالعقوبات الجديدة التي فرضتها أميركا على إيران، مشيراً إلى أنّ حجم ذلك التأثير يتوقّف على ما إذا لحقت الدول الغربيّة الأخرى والأوروبّيّة بالولايات المتّحدة الأميركيّة وفرضت عقوبات على إيران أم لا.
وبيّن أنّ عودة تشديد العقوبات على إيران ستضرّ بالاقتصاد الإيرانيّ في شكل كبير، وسينعكس ذلك على الدعم الذي تقدّمه إلى حلفائها وإلى حركات المقاومة في المنطقة، الأمر الذي قد يؤدّي إلى تباطؤ نموّ القدرات العسكريّة لتلك الحركات.
أمّا المحلّل السياسيّ وأستاذ الدراسات الفلسطينيّة في جامعة طهران هادي برهاني فقال لـ"المونيتور": "العقوبات الأميركيّة يمكن أن تؤثّر على الاقتصاد الإيرانيّ، ولكن في الوقت نفسه إيران مستعدّة لمواجهة هذه العقوبات عبر التنسيق الكبير الذي تقوم به مع الدول الأوروبّيّة التي تتعاون مع إيران للبقاء في الاتّفاق النوويّ".
وشدّد برهاني على أنّ دعم فصائل المقاومة الفلسطينيّة يمثّل أولويّة لدى القيادة الإيرانيّة، مستبعداً أن يتأثّر ذلك الدعم بالعقوبات الأميركيّة.
وأوضح أنّ الجهد الإيرانيّ ينصبّ حاليّاً على توحيد جهود الحركات التي تواجه إسرائيل في المنطقة العربيّة من أجل مواجهة الخطر الاستعماريّ للولايات المتّحدة الأميركيّة وإسرائيل اللتين هما سبب المأساة التي تعيشها الشعوب العربيّة.
ويبدو أنّ إيران ستواصل دعمها للفصائل الفلسطينيّة، وإن تأثر ذلك الدعم قليلاً بالعقوبات الأميركيّة الجديدة، وذلك في ظلّ ارتفاع حدّة التصعيد العسكريّ بينها (إيران) وبين إسرائيل في سوريا بتاريخ 10 آيار/ مايو الجاري، وحاجة إيران إلى تلك الحركات للوقوف إلى جانبها في أيّ مواجهة عسكريّة مقبلة. وهو ما أعلنه القيادي في حركة حماس أسامة حمدان في مقابلة مع قناة الميادين اللبنانية في شباط/ فبراير 2018، والتي قال فيها إن أي عدوان على أي جبهة من جبهات المقاومة سوريا ولبنان وغزة هو عدوان على كل الجبهات، ولن تكون المقاومة الفلسطينية بعيدة عنه.