تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

كيف ستحافظ إيران على مصالحها في سورية

يدفع النشاط الغربي الجديد في سورية بإيران إلى تكييف مقاربتها للمحافظة على مصالحها في سورية.
Syrians wave Iranian, Russian and Syrian flags during a protest against U.S.-led air strikes in Damascus,Syria April 14,2018.REUTERS/ Omar Sanadiki     TPX IMAGES OF THE DAY - RC1815671B90

ولّد قرار الانسحاب من خطة العمل الشاملة المشتركة الذي أعلنه دونالد ترامب في 8 أيار/مايو سجالًا دوليًا حول إيران وعلى الأخصّ حول تداعيات الخطوة الأمريكية — ومنها مستقبل الاتفاق النووي. غير أن قدرة الأزمة السورية على تحديد مصير الدور الإيراني في المنطقة لم تتأثّر تأثيرًا كبيرًا بذلك في ظلّ التطورات الأخيرة والمتواصلة في سورية والتدخّل الإيراني الفاعل هناك. ولكن، وفي الوقت الذي تعمل فيه الدول الغربية على إعادة تحديد دورها على الساحة السورية، تشعر إيران بالحاجة إلى تكييف مقاربتها مع المعادلات الجديدة.

وفي هذا الإطار، يُعتبر التبدّل الواضح في النهج الأوروبي والانتقال من تأدية دور سياسي ودبلوماسي في المقام الأول إلى النشاط العسكري والمتعلّق بالعمليات على الأرض، أحد التطورات البارزة التي قد تترك تأثيرًا مباشرًا على الدور الإيراني ومصالحه في سورية.

وقد بان هذا التحوّل في تآزر فرنسا وبريطانيا مع الولايات المتحدة في 13 نيسان\أبريل في شنّ ضربات جوية على مواقع عسكرية سورية ردًا على المزاعم حول استخدام الجيش السوري أسلحة كيميائية في الغوطة الشرقية. كما جرى الإعلان في 1 أيار\مايو عن تشييد باريس وواشنطن قاعدة عسكرية مشتركة في مدينة منبج التي يسيطر عليها الأكراد في شمال سورية. وللمرة الأولى تحدّث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أثناء زيارته الرسمية إلى الولايات المتحدة في أواخر شهر نيسان\أبريل عن ضرورة التوصّل إلى اتّفاق أوسع مع إيران من أجل احتواء الأنشطة الإقليميّة لطهران بالإضافة إلى مسائل أخرى. وكان وزير خارجيّة فرنسا جان إيف لودريان قد اعتبر في وقت سابق إيران، كما تركيا، دولة منتهكة للقانون الدولي في سورية.

وفي الوقت الذي أعادت فيه الولايات المتحدة توجيه استراتيجيتها حول سورية من محاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) إلى الحيلولة دون توسّع النفوذ الإيراني، وفي حين اتّخذ الإسرائيليون إجراءات عسكرية مباشرة ضد الوجود الإيراني في سورية، تنظر طهران إلى النشاط الأوروبي الأخير في سورية في إطار خطة أوسع تهدف إلى نسف النفوذ الإيراني الإقليمي أولًا. أمّا في ما يخصّ سورية، فتسعى إيران إلى الحيلولة دون تحقّق هذا السيناريو وذلك من خلال التركيز على ثلاثة مجالات أساسيّة على الأقل.

أولاً، تدرك إيران جيّدًا أنّه في حين تسعى القوى الأوروبيّة الكبرى إلى تنسيق مقاربتها حول سورية، لم تُظهر بعد أنّها جبهة موحّدة على هذا الصعيد. وفي الوقت الذي يبدو فيه أنّ فرنسا وبريطانيا تسعيان إلى أن يكون لهما كلمة في التطوّرات الميدانيّة، تستمرّ ألمانيا في التركيز على المسار الدبلوماسي. لم تشارك برلين مثلاً في الهجوم الثلاثي الأخير على سورية، كما شدّدت على عدم جواز تهميش الحكومة السورية بالكامل في خلال السعي إلى التوصّل إلى حلّ سلميّ للنزاع السوري.

ولمّا كانت [طهران] على يقين من وجود هذه الهوة بين الأوروبيين، قال وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف في 26 نيسان/أبريل إنّ الجمهورية الإسلامية "مستعدّة للتعاون مع دول أخرى من أجل المساعدة في إعادة بناء الدولة العربية التي مزّقها العنف". ويشير ذلك على الأرجح إلى أن إيران لا تعارض بشكل قاطع فكرة التحاور حول سورية مع القوى الأخرى، إلاّ أنها ترغب في أن تحظى مصالحها في سورية بالاعتراف وذلك لكي يكون التعاون ممكنًا حول المسائل ذات الاهتمام المشترك. وفي حال نجحت إيران في [التحاور] مع الدول الأوروبية ذات المواقف الأقل تشدّدًا حول سورية، ستستفيد أيضَا من الحيلولة دون تشكّل جبهة أوروبية موحدة ضد وجود الجمهورية الإسلامية في البلد.

ثانيًا، تسعى الولايات المتّحدة وحلفاؤها الأوروبيّون على ما يبدو إلى نزع شرعيّة عمليّة السلام في أستانا وتصويرها على أنها عاجزة عن تحقيق سلام دائم في سورية، ويأتي هذا السعي كجزء من استراتيجيّتهم الجديدة حول سورية لاكتساب نفوذ إضافيّ في البلد الذي مزّقته الحرب بعد دحر داعش. وقد بادرت فرنسا بالفعل بالعمل من أجل تشكيل جبهة دبلوماسية تضم الولايات المتحدة، وبريطانيا، والأردن والسعودية لتكون بديلًا عن عملية أستانا. ويمكن لذلك أن يقدّم لإيران فرصة من أجل حشد المزيد من الدعم من الركنين الآخرين لعملية أستانا، أي روسيا وتركيا، بهدف تشكيل تحالف أقوى في وجه الغرب.

بيّن الاجتماع الوزاري الأخير في موسكو بين الشّركاء في عمليّة أستانا يوم 28 نيسان\أبريل أن الخطوات الأولى قد تمّ اتّخاذها بالفعل في هذا الاتجاه. ويدلّ البيان المشترك الصادر بعيد الاجتماع على أن الأطراف توّاقة إلى توسيع نطاق عملية أستانة لتضم مسائل أخرى كإطلاق سراح الرهائن والمساعدات الإنسانية. ولكن تجدر الإشارة إلى أن المزيد من التنازلات الإيرانية والروسية لتركيا هي جزء لا يتجزّء من هذه المقاربة وذلك لإبقاء [أنقرة] بعيدة عن الغرب في ما يتعلّق بسورية.

ثالثًا، وعلى الرّغم من الاستهداف الإسرائيلي النشط لمواقع إيرانيّة في سورية في الأسابيع الأخيرة، أظهرت طهران حتّى الآن مستوى عاليًا من ضبط النفس. وحتّى ولو اتّفق أحدهم مع الرواية الإسرائيليّة ومفادها أنّ القوّات الإيرانيّة هي التي شنّت الضربات الصاروخيّة على المواقع الإسرائيليّة في مرتفعات الجولان في 9 أيار\مايو وليس الجيش السوري، لا يتعيّن قراءة ذلك على أنّه رغبة إيرانية في التصعيد ضد إسرائيل. والواقع أنه من جهة، يُعتبر الهجوم الإيراني المزعوم ردًا محدودًا على الاستفزازات الإسرائيلية المتكرّرة والواسعة النطاق، واللافت أكثر ربّما هو أنّه استهدف مرتفعات الجولان – المعترف بها دوليًا على أنها مرتفعات تحتلّها إسرائيل – وليست أراض إسرائيليّة.

ومن الممكن قراءة القرار الإيراني الذي يقضي بعدم توسيع نطاق المواجهة مع إسرائيل في سورية على أنه عنصر آخر في مقاربة طهران لمواجهة النشاط الجديد للغرب. لا ترى إيران ضرورة للتصعيد، إذ يمكن التحكّم بالمسألة الإسرائيلية من خلال المحافظة على التعاون الوثيق مع روسيا. ويستند ذلك في الغالب إلى الرأي القائل بأنّ قيام روسيا بتعزيز القدرات الدفاعية للجيش السوري، وعلى الأخص من خلال تزويده بنظم الدفاع الجوي "أس- 300"، سيجعل القوّات الإيرانيّة في سورية أقلّ عرضة للهجمات الإسرائيليّة في المستقبل. وفي الوقت عينه، تحاول إيران عدم استفزاز موسكو كي لا تقف في صف إسرائيل، محافظة بذلك على مسافة مهمّة بين الموقفين الروسي والإسرائيلي.

يمكن القول اذَا إن محاولة الاستفادة من الهوّة بين النظراء الغربيين واستثمار هذه الاختلافات لمصلحة إيران تشكّل حجر الزاوية في المقاربة الإيرانية لاستكمال دورها الفاعل في سورية على الرغم من النشاط الغربي المتصاعد. وعلى الرغم من أنه لا يزال من المبكر الحديث عن آفاق نجاح هذه المقاربة، من المؤكّد أنّ إيران لا تعتزم تقديم أيّ تنازلات تتعلّق بوجودها في سورية ومصالحها المركزيّة هناك.

Join hundreds of Middle East professionals with Al-Monitor PRO.

Business and policy professionals use PRO to monitor the regional economy and improve their reports, memos and presentations. Try it for free and cancel anytime.

Already a Member? Sign in

Free

The Middle East's Best Newsletters

Join over 50,000 readers who access our journalists dedicated newsletters, covering the top political, security, business and tech issues across the region each week.
Delivered straight to your inbox.

Free

What's included:
Our Expertise

Free newsletters available:

  • The Takeaway & Week in Review
  • Middle East Minute (AM)
  • Daily Briefing (PM)
  • Business & Tech Briefing
  • Security Briefing
  • Gulf Briefing
  • Israel Briefing
  • Palestine Briefing
  • Turkey Briefing
  • Iraq Briefing
Expert

Premium Membership

Join the Middle East's most notable experts for premium memos, trend reports, live video Q&A, and intimate in-person events, each detailing exclusive insights on business and geopolitical trends shaping the region.

$25.00 / month
billed annually

Become Member Start with 1-week free trial
What's included:
Our Expertise

Memos - premium analytical writing: actionable insights on markets and geopolitics.

Live Video Q&A - Hear from our top journalists and regional experts.

Special Events - Intimate in-person events with business & political VIPs.

Trend Reports - Deep dive analysis on market updates.

We also offer team plans. Please send an email to pro.support@al-monitor.com and we'll onboard your team.

Already a Member? Sign in