بغداد - تربط الكتل الشيعيّة الموالية للحكومة العراقيّة بين الاتفاق الاقتصاديّ الذي وقّعه رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي مع الصين في أواخر أيلول/سبتمبر الماضي، والاحتجاجات الشعبيّة التي بدأت في تشرين الأوّل/أكتوبر الماضي، وترى أنّ السبب الرئيس لهذه الاحتجاجات هو رغبة واشنطن في عرقلة الاتّفاق المثير للجدل.
ويبدو أنّ حكومة عادل عبد المهدي مصرّة على تنفيذ الاتفاق مع الصين، رغم عدم امتلاكها الصلاحيّات الإداريّة والقانونيّة الكاملة، بعد أن تحوّلت إلى حكومة تصريف أعمال، منذ لحظة تقديمها الاستقالة في 29 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، إذ ترأس في 23 كانون الثاني/يناير اجتماعاً خاصّاً بـ"مشاريع الاتفاق الصينيّ"، فيما واصل رفض الحضور إلى البرلمان من أجل مناقشة الاتفاق أو إرسال نصوصه إلى اللجان البرلمانيّة المختصّة.
وبيّن النائب محمّد إقبال أنّ "تعمّد الحكومة إخفاء الوثائق الموقّعة مع الصين يكرّس الاعتقاد السائد بوجود بنود لا تصبّ في صالح العراق، ويؤكّد التسريبات المخيفة التي تتحدّث عنها وسائل الإعلام".
لقد وقّع عبد المهدي 8 اتفاقات تجاريّة واقتصاديّة مع الصين تتضمّن تخصيص عوائد 100 ألف برميل يوميّاً من النفط العراقيّ إلى بكين، لتنفيذ مشاريع بنى تحتيّة في مختلف المحافظات والقطاعات العراقيّة، ولمدّة 20 عاماً، الأمر الذي اعتبره خبراء الاقتصاد بمثابة "رهن النفط العراقيّ"، خصوصاً إذا ما علم أنّه ينصّ على أن يدفع العراق بحسب سعر النفط ولم يراع احتمال انخفاض الأسعار أو ارتفاعها، بحسب أستاذ الاقتصاد في الجامعة العراقيّة عبد الرحمن المشهداني، الذي أوضح لـ"المونيتور" أنّ "بنود الاتفاق لم يتمّ الكشف عنها حتّى الآن بشكل رسميّ، والبرلمان العراقيّ لا يعرف حقيقة الشروط والفوائد التي حدّدتها الصين، إلاّ من خلال وسائل الإعلام. ووفقاً للحكومة العراقيّة، فإنّ مجلس الإعمار هو من يمتلك صلاحيّة الإشراف على تنفيذ الاتفاق، وهذا المجلس لم يتمّ تشكيله حتّى الآن".
وأكّد المستشار الماليّ لرئيس الوزراء العراقيّ مظهر محمّد صالح خلال ندوة نقاشيّة في خصوص "الاتفاق الصينيّ" بـ23 كانون الثاني/يناير، أنّه بموجب "الاتفاق ستتمّ الاستفادة من نسبة 3 في المئة فقط من كميّات النفط المباعة لوضعها في صندوق إعادة تنمية العراق في البنك الفيدراليّ من خلال تخصيص عائد بيع 100 ألف برميل نفط. وسيقوم الجانب الصينيّ بمنح تسهيلات إلى العراق بمبلغ 10 مليارات دولار للمرحلة الأولى، وستقوم شركة ساينوشور الصينيّة بضمان الاتفاق، ويمكن زيادة هذه الكميّة إلى 300 ألف برميل، في حال الرغبة بزيادة المبالغ الماليّة في هذا الصندوق، ثمّ سيتمّ تحويل الأموال إلى صندوق سياديّ آخر يسمّى بـصندوق الاستثمار، بعد الاتفاق على قائمة المشاريع التي ستحدّدها الحكومة العراقيّة".
ولعلّ البند الأهمّ في الاتفاق بين بغداد وبكين هو فتح حساب إئتمانيّ للعراق في المصارف الصينيّة لإيداع أموال النفط، وهو صيغة من شأنها تخلّي العراق تدريجيّاً عن حساباته في المصارف الأميركيّة، كما تعتقد الكتل البرلمانيّة الرامية إلى إخراج القوّات الأميركيّة من العراق، حيث تحظى الحسابات العراقيّة بحماية الرئيس الأميركيّ منذ خروج البلاد قبل سنوات من طائلة البند السابع من ميثاق الأمم المتّحدة، ومن دونه يتمكّن الدائنون من تنفيذ قرارات المحاكم الدوليّة وسحب الأموال العراقيّة بصورة مباشرة.
وبعد أن لوّح الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب، في 11 كانون الثاني/يناير الماضي، بمصادرة الأموال العراقيّة، في حال قرّرت بغداد إنهاء الاتفاق الأمنيّ مع واشنطن، ركّزت الكتل السياسيّة الشيعيّة جهودها على تنفيذ ما وقّعته الحكومة مع الصين.
حتّى أنّ زعيم حركة "عصاب أهل الحقّ" الشيخ قيس الخزعلي وضع التزام رئيس الوزراء بتنفيذ "اتفاق الصين" من بين شروط اختيار خليفة عبد المهدي لرئاسة الحكومة المرتقبة، في مؤشّر إلى أهميّة الاتفاق بالنّسبة إلى كتل تحالف "البناء"، الذي يتزعمه هادي العامري وبقيّة الكتل المشكّلة للحكومة، والتي تعتبر أنّ الإدارة الأميركيّة خطّطت للتظاهرات العراقيّة من أجل الإطاحة بالحكومة العراقيّة التي وقّعت الاتفاق مع بكين، وهو ما يصعب تصديقه بسهولة، خصوصاً أنّ المطالب التي خرجت بها التظاهرات تتجاوز الإصلاح السياسيّ والمطالبة بالخدمات.
واللاّفت، أنّ جذور الاتفاق تعود إلى حكومة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، وتعطيل تنفيذها يعود إلى الأسباب ذاتها التي تتحدّث عن حجم الفوائد واحتكار النفط العراقيّ من قبل الصين، إضافة إلى الخلاف القانونيّ الدائم حول صلاحيّة البرلمان في المصادقة على مثل هكذا اتفاقات، فالمادّة 61 من الدستور تنصّ على أن يختصّ البرلمان بـ"تنظيم عمليّة المصادقة على المعاهدات والاتفاقيّات الدوليّة، بقانون يسنّ بأغلبيّة ثلثيّ أعضاء مجلس النوّاب (البرلمان)"، لكنّ الحكومة تصف ما وقّعته مع الصين بـ"العقود والبروتوكولات" التي لا تستدعي موافقة السلطة التشريعيّة.
ورأى النائب هوشيار عبد الله أنّ "عدم عرض الاتفاق مع الصين على البرلمان يعرّضه للطعن لدى السلطات القضائيّة، فمن حقّ السلطة التشريعيّة أن تقبل أو ترفض أيّ اتفاق أو معاهدة دوليّة، بما فيها الاقتصاديّة"، وقال لـ"المونيتور": "إنّ المضي بتنفيذ الاتفاق بهذه الطريقة يعني استمرار الجدل بشأنه لسنوات وإثارة مشاكل كثيرة. وإذا كان يصبّ في مصلحة المواطن العراقيّ، فإنّ السلطة التشريعيّة لن ترفضه مطلقاً".
وربما تتمكّن الغالبيّة الشيعيّة من تمرير الاتفاق، كما حصل في المصادقة على قرار "إلزام الحكومة بإنهاء الاتفاق مع واشنطن" بداية الشهر الماضي، لكنّ التنفيذ سيكون على عاتق الحكومة المقبلة، التي ستكون أمام اختبارات صعبة ومعقّدة، في مقدّمتها الإعداد للانتخابات المبكرة، إضافة إلى التعامل مع قرارات وشروط الكتل السياسيّة المتخاصمة وتنفيذ مطالب المتظاهرين في مناطق الوسط والجنوب.