بغداد - يواجه رئيس الوزراء المكلّف محمّد توفيق علاوي تحدّيات كثيرة تعيق، حتّى الآن، تشكيل الحكومة التي وعد بها من المستقلّين و"التكنوقراط" بسبب تمسّك كتل بما تعتبره "الاستحقاق الانتخابيّ" لضمان تمثيلها في مجلس الوزراء المقبل. وبموجب الدستور العراقيّ، فإنّ أمام محمّد توفيق علاوي 30 يوماً تنتهي في نهاية الشهر الجاري لتشكيل الحكومة وتقديمها إلى البرلمان من أجل نيل الثقة، إذا ما حازت على الغالبيّة المطلقة، وهي نصف عدد المجموع الكليّ للبرلمان زائداً واحداً، أيّ 165 نائباً من أصل 329 نائباً.
وبما أنّ الكتل الشيعيّة المؤيّدة لعلاوي، هي فقط "سائرون" 51 نائباً و"الفتح" 47 نائباً، فإنّها تحتاج إلى أصوات 67 نائباً على أقلّ تقدير لتمرير الحكومة الجديدة، وهي نسبة لا يمكن تحقيقها، إلاّ بمشاركة الكتل الكرديّة والسنيّة، لا سيّما أنّ أطرافاً شيعيّة مثل "النصر" بزعامة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي كانت رفضت ترشيح علاوي لرئاسة الحكومة.
وعلم "المونيتور" من مصدر مطّلع على مفاوضات تشكيل الحكومة، طلب عدم ذكر اسمه، أنّ "رئيس الوزراء المكلّف يواجه صعوبة في إقناع الأطراف الكرديّة تحديداً بالتنازل عن حصصها أو ما تصفه بالاستحقاق الانتخابيّ في الحكومة الجديدة. كما أنّ الكتل السنيّة غير متّفقة في ما بينها على حكومة من المستقلّين، وتريد الاشتراك في تسمية الوزراء الجدد".
ولفت إلى أنّ "علاوي يريد حكومة تضمّ الشيعة والسنّة والأكراد، ولكن من خارج الكتل السياسيّة. وفي حال فشل في الحصول على تأييد تلك الكتل، فسيعتذر عن التكليف لرئيس الجمهوريّة"، موضحاً أنّ "الأطراف الشيعيّة حذّرت علاوي من أنّ تسمية وزراء من الأحزاب الكرديّة والسنيّة يعني سحب ترشيحه وتقديم شخصيّة أخرى إلى رئاسة الحكومة".
ولعلّ تلك المعلومات هي التي دعت زعيم التيّار الصدريّ مقتدى الصدر إلى إعلان رفضه لـ"الضغوط"، التي يتعرّض لها علاوي، وقال في بيان بـ١١ شباط/ فبراير الجاري: "إنّنا نسمع بضغوط حزبيّة وطائفيّة لتشكيل الحكومة الموقّتة، فهذا يعني ازدياد عدم قناعتنا بها، بل قد يؤدّي إلى إعلان التبرّؤ منها شلع قلع، بعد أن اضطررنا للسكوت عنها... فإننا ما زلنا من المطالبين بالإصلاح".
كما أعلنت كتلة "الفتح" بزعامة هادي العامري أنّ الضغوط التي تمارس على المكلّف تشكيل الحكومة ستؤدّي إلى عرقلة جهوده في اختيار وزراء مستقلّين، وقال النائب عن الكتلة عبد الأمير الدبي: "إنّ كتلة الفتح منحت علاوي حريّة اختيار الوزراء، وعلى الكتل الأخرى أن تتعامل معه بالطريقة ذاتها لإتمام تشكيل الحكومة في الموعد الدستوريّ وعدم التمسّك بوزارات في حجة الاستحقاق الانتخابيّ".
وأكّد القياديّ في حزب "الاتّحاد الوطنيّ الكردستانيّ" محمود خوشناو خلال حديث لـ"المونيتور" أنّ الكتل الكرديّة، "الاتّحاد الوطنيّ" و"الديموقراطيّ الكردستانيّ" و"التغيير"، اتّفقت على أن يكون التفاوض بين حكومة إقليم كردستان ورئيس الوزراء المكلّف مباشرة، في شأن تشكيل الحكومة الجديدة.
وعن مشروع علاوي تشكيل حكومة خالية من التمثيل الحزبيّ، قال محمود خوشناو: "لا توجد في نظام البرلمان حكومة غير حزبيّة، ولا معنى لوزراء من المستقلّين، لا سيّما أنّ قرارات مجلس الوزراء تتمّ عبر تصويت الوزراء داخل المجلس بحسب الدستور، ولا نريد حكومة لا تلتزم الدستور".
أضاف: "يحقّ للسيّد علاوي أن يسعى إلى ترشيح وزراء من ذوي الخبرة والكفاءة، لا أن يختارهم من خارج الأحزاب والكتل، والمفاوضات الجارية حاليّاً تتركّز على طبيعة البرنامج الحكوميّ، ولم ندخل بعد في الأسماء المرشّحة لشغل الحقائب الوزاريّة".
أمّا في ما يخصّ الكتل السنيّة، فالانقسام يبدو واضحاً بين المتحالفة مع "الفتح" مثل كتلة "المحور الوطنيّ" التي أعلنت موافقتها على اختيار وزراء من الوجوه الجديدة غير المتحزّبة، فيما لا تزال كتلة "اتّحاد القوى الوطنيّة" بزعامة رئيس البرلمان محمّد الحلبوسي غير مؤيّدة بالكامل لهذه الفكرة، فهي تمتلك 3 وزارات في الحكومة العراقيّة ولا تريد التضحية بها قبل بدء المباحثات مع علاوي بحسب النائب عن التحالف محمّد الكربولي، الذي شكّك في مقابلة مع قناة "السومريّة" بـ10 شباط/فبراير الجاري بقدرة علاوي على تحقيق الوعود التي أطلقها يوم تكليفه وأكّد أنّ كتلته لم تشترك في تكليفه ولن تتفاوض معه قبل أن تعرض الجهة التي رشّحته.
وقصد محمّد الكربولي بكلامه تجاوز الرئيس العراقيّ برهم صالح المادّة 76 من الدستور في ترشيح علاوي لرئاسة الوزراء، كما حصل مع رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي في عام 2018، حيث لم يكشف عن اسم "الكتلة البرلمانيّة الأكبر" المكلّفة دستوريّاً تسمية رئيس الوزراء، وبات عادل عبد المهدي مرشّحاً لكلّ الكتل البرلمانيّة من دون استثناء، وادّعت الكتلتان اللتان كلّفتاه "سائرون" و"الفتح" براءتهما من الترشيح لاحقاً.
ولم تعلن أيّ كتلة حتّى الآن ترشيح علاوي بصفة رسميّة، إلاّ أنّ التسريبات تشير إلى أنّه مرشّح من قبل كتلة "سائرون" وبموافقة كتلة "الفتح". ولذا، لا ترغب الكتل الأخرى في أن تتحمّل مسؤوليّة مرشّح مرفوض من قبل ساحات الاحتجاج من دون مقابل معقول، أو على أقلّ تقدير الاشتراك في وضع سياسات وبرنامج المرحلة المقبلة.
ولا يبدو أنّ في استطاعة علاوي تجاوز ضغوط الكتل السياسيّة من دون الإخلال بوعوده الإصلاحيّة. مضافا الى أنّ الكتل البرلمانيّة تمتلك أيضاً صلاحيّة تحقيق أهمّ القرارات التي تعهّد بها علاوي، إلى جانب صلاحيّة منح الثقة لحكومته وتجاهلها في هذا التوقيت، يعني إعادة الأزمة السياسيّة إلى المربّع الأوّل او عجز علاوي عن تشكيل الحكومة واستمرار حكومة تصريف الأعمال برئاسة عبد المهدي.