تعتقد الحكومة الأمريكية، أن إيران تقف وراء سلسلة من الهجمات الصاروخية المتطورة، والتي تزايدت مؤخرا، على منشآت عسكرية أمريكية-عراقية مشتركة، بواسطة الجماعات المدعومة من قبلها داخل العراق، فيما كشف مسؤول أمريكي عن تسع هجمات صاروخية على أو بالقرب من منشآت عراقية تستضيف قوات أمريكية في الأسابيع الخمسة الماضية.
وفي أحدث عملية قصف، أعلنت السلطات العراقية في 12 كانون أول /ديسمبر 2019 عن سقوط صاروخين قرب قاعدة عسكرية تأوي جنودا أمريكيين في محيط مطار بغداد الدولي.
تسلسل الهجمات يكتسب منهجية زمنية، ففي 5 كانون أول/ ديسمبر 2019 تعرّضت قاعدة بلد الجوية شمال بغداد لهجوم بصاروخين، فيما تعتقد مصادر أمنية أن كتائب حزب الله، إحدى أبرز فصائل قوات الحشد الشعبي المدعومة من إيران، تقف وراء ذلك الهجوم.
قبل ذلك بيوم واحد، تعرّضت قاعدة عين الأسد، مركز تواجد القوات الامريكية في العراق، ويتواجد فيها 5200 جندي أميركي الى قصف بخمسة صواريخ.
وفي دليل على ان عمليات القصف مستمرة في إيصال رسائلها، سقط في 8 كانون ثاني / نوفمبر 2019، 17 صاروخاً على قاعدة القيارة في نينوى، فيما اتهمت القوات الأمنية، عناصرا إرهابية بالقيام بذلك.
وفي سلسلة الهجمات، تعرض معسكر التاجي الذي يعتبر قاعدة للقوات الأمريكية شمال بغداد، في 17 حزيران/يوليو 2019 أكتوبر، لقصف بصواريخ كاتيوشا، وتكرر القصف بالهاون على القاعدة في 28 تشرين أول/أكتوبر 2019.
وتعدى الاستهداف، الأهداف العسكرية، الى المنشآت النفطية، ففي 19 حزيران/يونيو 2019 سقط صاروخ قرب شركة إكسون موبيل الأمريكية في مدينة البصرة.
يكشف المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة العراقية تحسين الخفاجي للمونيتور، عن ان "مجموعات إرهابية تقصف المعسكرات بشكل عام في العراق". وقال الخفاجي ان "تلك المجموعات تمتلك منصات اطلاق صواريخ، مخصصة لاستهداف القواعد والاماكن العسكرية". ولم يحدد الخفاجي "أسماء تلك المجاميع".
يقول الخبير بشؤون الجماعات المتطرفة والمقرب من الأجهزة الاستخبارية العراقية من مركز أبحاث التنمية، فاضل أبو رغيف، للمونيتور ان "الهجوم على القواعد ليس بالأمر الجديد، ففي مطلع الشهرين الماضيين تكررت الهجمات من قبل جماعات وفصائل مناوئة للتواجد الأمريكي في العراق، و ترفض اتفاقية الإطار الاستراتيجي بين واشنطن وبغداد".
يعتبر أبو رغيف ان "ضرب الأهداف الأميركية في هذا الوقت له بعد خاص لأنه يتزامن مع التظاهرات المطلبية التي ولّدت رؤية جديدة للمواقف من الولايات المتحدة، لاسيما وان دول مثل ايران لها نفوذ ومؤيدون وأذرع داخل العراق، الذين يندفعون الى التعبير عن الاستياء من سياسات واشنطن، عبر ضرب اهداف لها في العراق".
ويتوقع أبو رغيف، "تزايد الهجمات على القواعد الامريكية، بسبب تأزم المشهد السياسي والأمني في العراق".
وتتمركز القوات الأمريكية في العراق في عدة قواعد، ففي شمال العراق، توجد قاعدة قرب سنجار، وأخرى في منطقتي أتروش والحرير، إضافة إلى قاعدتين في مدينة حلبجة بمحافظة السليمانية قرب الحدود الإيرانية، وفي مطار القيارة العسكري، جنوبي مدينة الموصل. كما تتواجد القوات الامريكية في غرب العراق في قاعدة "عين الأسد"، وقاعدة "الحبانية" في محافظة الأنبار. وفي وسط العراق، اتخذ الجيش الأمريكي من قاعدة بلد الجوية في محافظة صلاح الدين مقرّاً له، للتحكّم بطلعات طائرات "إف 16"، كما توجد قوة عسكرية أمريكية في معسكر التاجي شمالي بغداد، لأغراض التدريب. وتوجد قوات أمريكية داخل حدود مطار بغداد الدولي تستخدم للقيادة والمعلومات الاستخبارية.
يشير الصحافي والباحث، رئيس تحرير صحيفة بغداد الاخبارية سابقا، مازن صاحب الشمري، للمونيتور الى ان الهجمات على مصالح أمريكا في العراق، "له صلة بإصرار ايران على مواجهة واشنطن في مشروعها النووي الذي يضمن شروط طهران على الشرق الأوسط الجديد".
وما يزيد من المواجهة بين الطرفين في العراق، وفق الشمري "نجاح واشنطن بتحرك متسارع للشارع الشيعي ضد طهران ما ولّد ردود الافعال في استهداف القواعد الأمريكية"، معتبرا ان "السلطات العراقية لا تزال بين مطرقة النفوذ الايراني وسندان اتفاقية الإطار الاستراتيجي مع واشنطن".
وفي حين يتوقع الباحث في الشأن العراقي، ووزير الصناعة السابق محسن الشمري في حديثه للمونيتور ان "يكون الرد الأمريكي على الهجمات ناعما، ولن تستخدم واشنطن الحلول العسكرية"، فان الخبير القانوني والقاضي السابق، والمختص في القانون الدولي علي التميمي، في حديثه للمونيتور، يتنبأ "برد فعل دبلوماسي وقانوني امريكي وعراقي على الهجمات"، فيقول ان "التواجد الأمريكي في العراق تفرضه الاتفاقية الاستراتيجية بين العراق والولايات المتحدة العام 2008، وبالتالي فان هذا التواجد عندما يتعرض الى هجوم فانه يصنف وفق قانون مكافحة الإرهاب العراقي، على انه عمل إرهابي مهما كانت الجهة او المجموعة او الميلشيا التي تنفذه".
يشير التميمي الى ان "الحكومة العراقية معنية بالبحث والتقصي لمعرفة الجناة ومحاسبتهم وفق المادة 4 من قانون مكافحة الإرهاب، كما يمكن للعراق تقديم شكوى ضد الدول التي تساند المهاجمين وتساعد الجماعات، وفق المادة 1 ، 2، 3 من ميثاق الأمم المتحدة".
المحلل السياسي ماهر عبد جودة من مركز المدائن للبحوث، يقرأ الهجمات في تصريح للمونيتور من زاوية "تأريخ الصراع الأمريكي الإيراني المتصاعد، وكان هناك تبادل رسائل بينهما حيث تحولت بغداد الى صندوق بريد بين واشنطن وطهران خصوصا في الازمات".
ويفسر عبد جودة عدم تشخيص الفاعل الذي يستهدف القوات الامريكية، الى "الفوضى الأمنية والسياسية العارمة في العراق، الذي تحول الى مسرح للصراعات والمخابرات الدولية، وسيطرة المافيات الحزبية والجماعات المسلحة على الدولة".
الوجود الأمريكي في العراق، مشرعن بموجب الاتفاقات بين البلدين وبموافقة الحكومة العراقية، ما يتوجب قرارا سياسيا وامنيا يمنع الهجمات، والتأكد من ان القوات الامريكية لن تهاجم اية دولة لاسيما إيران انطلاقا من العراق، لكي ينتفي المبرر الذي يدفع الفصائل الموالية لطهران الى استهداف القوات الأمريكية في العراق.