لم يكن الموقف الرسميّ لدولة العراق المعبّر عن الأسف من انسحاب الولايات المتّحدة الأميركيّة من الاتّفاق النوويّ مع إيران، حياديّاً بدرجة كبيرة، حيث وصفت الخارجيّة العراقيّة الانسحاب بـ"المتعجّل" و"غير المحسوب"، بل عدّته بأنّه "يصبّ في مصلحة التصعيد ولن يجني منه أحد غير الدمار وويلات الحروب التي عانت منها المنطقة كثيراً".
وفي تصعيد واضح في الموقف، صرّح وزير الخارجيّة ابراهيم الجعفري، في 16 أيّار/مايو 2018، بأنّ انسحاب أميركا من الاتّفاق النوويّ "نوع من الحماقة"، وأنّ "كلّ دول العالم فقدت ثقتها بأميركا بعد هذا الانسحاب".
فهل سيتّخذ العراق موقفاً داعماً لإيران في مقام العمل ليقف على المحور المعارض للولايات المتّحدة الأميركيّة؟ وماذا سيكون موقف الفصائل الشيعيّة المسلّحة في هذا الباب؟
يعتقد مستشار المركز العراقيّ للتنمية الإعلاميّة واثق الجابري في حديثه إلى "المونيتور" أنّ موقف العراق "المتفهّم لسياسة إيران" له تبريراته، لأنّ انسحاب الولايات المتّحدة الأميركيّة من الاتّفاق النوويّ سينعكس سلباً على العراق، ويترك تداعيات في الجانبين السياسيّ والاقتصاديّ، بسبب علاقات إيران المتينة مع القوى العراقيّة الموجودة في الساحة، في موازاة نفوذ أميركيّ في العراق".
واعتبر الجابري أنّ "ما يزيد من تأثّر العراق بالعلاقة الأميركيّة-الإيرانيّة، أنّه يجاور إيران ويرتبط معها بعلاقات استراتيجيّة، كما يرتبط بعلاقات مماثلة مع الولايات المتّحدة الأميركيّة، فضلاً عن وجود تداخل في الأجندة السياسيّة لكليهما في العراق".
ويرصد الجابري "قوى سياسيّة تميل إلى الجانب الأميركيّ، وأخرى تميل إلى الجانب الإيرانيّ، الأمر الذي ينعكس على طبيعة تشكيل الحكومة المقبلة، حيث أنّ كلّ طرف منهما سيحاول الضغط على الأطراف الموالية له لتحديد شكل الحكومة".
يبرّر الباحث والمستشار السياسيّ في قناة فرانس 24 وإذاعة مونت كارلو الدوليّة جواد بشارة أيضاً، موقف العراق، بـ"أنّ التطوّر الجديد سيؤدّي الى فرض عقوبات وضغوط على كلّ من يتعامل مع إيران تجاريّاً واقتصاديّاً".
ما تحدّث عنه بشارة من تداعيات للقرار على العراق حصل بالفعل، إذ فرض البنك المركزيّ العراقيّ في 17 أيّار/مايو 2018 عقوبات على مصرف البلاد الإسلاميّ العراقيّ، حال إدراجه على لائحة الإرهاب من قبل وزارة الخزانة الأميركيّة، بتهم المساهمة في تحويل أموال من الحرس الثوريّ الإيرانيّ إلى حزب الله اللبنانيّ.
ونظراً إلى أنّ إيران تخوض حروباً بالوكالة مع السعوديّة في كلّ من سوريا واليمن، فإنّ هناك مخاوف من أنّ الانسحاب من الاتّفاق ربّما يدفع إيران إلى أن تنخرط في صورة أكبر في سياسات هجوميّة في ملفّات عدّة في المنطقة، فيما تشير تحليلات إلى أنّ تزايد ضغوط دونالد ترامب على إيران سيزيد من عزم قيادتها الدينيّة الشيعيّة للحفاظ على دورها في مناصرة الشيعة في العراق، لأنّ العراق بالنسبة إلى إيران أهمّ دولة عربيّة بل حتّى أهمّ من سوريا ولبنان، حيث تملك فيه نفوذاً سياسيّاً وعسكريّاً واسعاً جدّاً.
بيد أنّ مثل هذا المنطق في تفسير الأحداث مرفوض من قبل القياديّ في تحالف الفتح حنين قدو، وهو يقول لـ"المونيتور" إنّ "العراق جزء من صراع إقليميّ، تشترك فيه الولايات المتّحدة الأميركيّة وإيران ودول أخرى، وإنّ أميركا، وليست إيران، هي التي تريد إقحام العراق في هذا الصراع، بمعاقبتها مصارف وجهات عراقيّة، على سبيل المثال"، معتبراً أنّ "العراق دولة مستقلّة، ويتوجّب على الحكومة إنهاء التدخّلات الأميركيّة في شؤونه، إذا أرادت أن يحافظ على سيادته".
ومع تزايد المخاوف والقلق بين العراقيّين من احتمال تحوّل بلادهم إلى ساحة صراع أميركيّ-إيرانيّ بعد قرار ترامب الانسحاب من الاتّفاق النوويّ، فإنّ ذلك يدفع المتحدّث باسم قائمة الفتح كريم النوري في حديثه إلى "المونيتور" إلى "طمأنة أبناء شعبه"، بالقول إنّ "هدف الحشد الشعبيّ الأوّل، تعزيز الاستقرار في البلاد".
يدحض النوري في الوقت ذاته مزاعم "تحريك" الحشد الشعبيّ بإشارة من إيران، قائلاً إنّ "الحشد الشعبيّ ليس أداة إيرانيّة حتّى تحرّكها طهران كيفما تشاء، إنّه مؤسّسة أمنيّة بإدارة القائد العامّ للقوّات المسلّحة، وإنّ هذه التكهّنات والتحليلات حول استخدامه كورقة من قبل إيران ضدّ أميركا في العراق، تقف وراءها أجندة تسعى إلى تخويف دول المنطقة، وتشويه العلاقة المتوازنة بين العراق وإيران، كدولتين جارتين".
هذه المخاوف والتكهّنات من تحوّل العراق والمنطقة إلى ساحة قتال كبيرة، تدفع المتحدّث باسم نائب رئيس الجمهوريّة نوري المالكي، هشام الركابي في حديثه إلى "المونيتور" إلى الدعوة إلى "التهدئة في المرحلة الراهنة لأنّ قرار الانسحاب يلهب المنطقة من جديد ويعيد العراق إلى المربّع الأوّل".
يبدو الركابي متفائلاً وهو يقول إنّ "العراق استطاع أن يتجاوز الكثير من التحدّيات وآخرها الحرب مع "داعش" وإفرازات هذه الأزمات كان سببها العامل الإقليميّ والصراعات الدوليّة التي حوّلت أرض العراق إلى ساحة للنزاع، وقرار واشنطن الأخير قد يؤدّي إلى تدهور الأوضاع مجدّداً، وينهي أيّ فرصة للاستقرار"، مشيراً إلى التطلّع إلى أن "تعيد واشنطن النظر مجدّداً في قرار الانسحاب من الاتّفاق النوويّ، لأنّ المنطقة على حافّة الهاوية".
وبموازاة التداعيات السياسيّة والأمنيّة، يكشف المتحدّث باسم وزارة النفط عاصم جهاد لـ"المونيتور" عن أنّ "العراق، حاله حال الدول المنتجة والمستهلكة للنفط، سوف يتأثّر بتداعيات انسحاب ترامب من الاتّفاق النوويّ"، معتبراً أنّ "من غير المنطقيّ إسقاط تداعيات الاتّفاق النوويّ وتأثيراته على العراق بمعزل عن الدول المنتجة الأخرى في المنطقة وفي العالم".
لا شكّ في أنّ القوى السياسيّة والفصائل المسلّحة المصنّفة بأنّها مدعومة إيرانيّاً، ترفض وصفها بـ"التابعة إلى إيران"، وتعتبر نفسها المدافعة عن مصلحة بلادها قبل كلّ شيء، لكنّ الأحداث في العراق وسوريا ولبنان، تبرهن أنّ الأحداث ستجبرها على الوقوف مع الدولة التي تتلقّى الدعم السياسيّ منها، إن لم يكن الماديّ، وإيران، في حالة العراق، هي أكبر حليف للفصائل الشيعيّة.