لم تكن حركة الإحتجاجات العراقية مثيرة لإهتمام العراقيين في داخل البلد فحسب، بل حتى الأقليات التي غادرت البلاد منذ عقود، وفي مقدمتهم يهود العراق. ومع إن ظروفا قاهرة حرمتهم من العودة للعراق، فقد أبدوا إهتماماً ودعماً واسعا للحراك الإحتجاجي على نحو بعث أملاً كامناً لديهم بأن ينهض بلد قضوا فيه اكثر من الفين وستمائة عام.
خلقت حركة الإحتجاجات مشاعر متضاربة داخل سياق الأقلية اليهودية من أصول عراقية في اسرائيل، فهناك من جهة دهشة غامرة من لرؤيتهم مشاهد حية لصعود هوية وطنية بازغة من رماد الحروب والنزاع، وكانت سببا في حرمانهم من بلدهم الأم ومغارتهم له خلال عامي 1950-1951. ومن جهة ثانية كان يشعرون بالألم من مشاهد القمع الوحشي للمتظاهرين وعدد الضحايا الذي وصل الى 600 قتيل واكثر من 25 الف جريح حسب احصاءات منشورة، الأمر الذي أعاد لليهود ذكريات مؤلمة أبان خروجهم من العراق.
تتفاعل "ليندا منوحين عبدالعزيز"، وهي ناشطة ومحللة سياسية، مع الإحتجاجات الجارية في العراق بشكل واسع ومستمر حيث أنها تجد نفسها حاضرة مع المتظاهرين في ساحة التحرير ببغداد. وتراهن ليندا على حركة الإحتجاجات بأنها سوف تخلق في النهاية نظاما سياسيا جديدا يمثل التنوع ويدعم شكلا من النمط المدني الممثل لمختلف مكونات الشعب العراقي، وتنقل البلاد الى حقبة جديدة بعيدا عن صورته المأساوية الراهنة.
ليندا التي فقدت أباها مخطوفا في بغداد بعيد مغادرتها في أوائل سبعينات القرن الماضي، تعبر عن مشاعر حزن بالغ حين تسمع بسقوط ضحية في ميادين المظاهرات، إذ تقول: "يحز بي الألم حين اسمع أنباء سقوط ضحايا على نحو يومي في ساحات الإحتجاج، يعيد ذلك الى ذاكرتي مشاهد تعليق جثث اليهود في ساحة التحرير نفسها، التي تشهد سقوط الضحايا الابرياء اليوم أيضا"، مضيفة بأن الإيدئولوجية التي قتلت وطردت يهود العراق نفسها تناهض الحركة الإصلاحية للإحتجاجات بكافة الوسائل الممكنة من قتل واغتيال واختطاف.
من جهتها، تربط "ليلي مندلاوي شور"، التفاعل الواسع والكبير لدى الجالية اليهودية مع حركة الإحتجاجات بكون الإنتماء الى العراق ما زال يمثل قسطا كبيرا في تكوين الهوية الفسيفسائية لديهم. فرغم أن قمع المتظاهرين تعيد ذكريات مؤلمة حدثت لهم سابقا، ولكنها في الوقت نفسه"خلقت املا كبيرا جدا لديهم تجاه تحسين الوضع في مسقط رأسهم الذي قضى أجدادهم آلاف السنوات فيه مساهمين في خلق هوية تاريخية عراقية، سيبقى اليهود جزءا منها بلا شك".تعمل ليلي في مركز تراث يهود بابل في مدينة تل أبيب بوصفها مديرة العلاقات الخارجية في المركز الذي تأسس من الأصل لتوثيق وتعزيز الارتباط التاريخي والحضاري الطويل والكبير بين يهود العراق وتاريخ وتراث بلد آباءهم وأجدادهم. تعتقد ليلي بأن العراق يمثل جزءا رئيسيا من هويتها، إذ تقول "كيف يمكنني أن أنسى المكان الذي ولدت وترعرعت فيه، وما زلت أمتلك حنينا كبيرا اليه".
وتربط البروفسورة "اوفرا بنجيو" في معهد موشي دايان لدراسات الشرق الأوسط، التعاطف والدعم الشامل مع حركة الاحتجاجات بأنها "حركة من أجل القضية الصحيحة". ورغم أنها تشكك في إمكانية نجاح هذه الحركة في خلق واقع سياسي جديد في المستقبل القريب، ولكنها ترى فيها علامة على تغيير مجتمعي واسع نحو الديمقراطية من شأنه أن يترك آثاره العميقة في مختلف الجهات وبكل الأحوال. في حين يبرر "رونين زيدل" خبير متخصص بشؤون العراق من معهد موشي دايان في جامعة تل ابيب، تفاعل الجالية اليهودية العراقية في إسرائيل مع حركة الإحتجاجات، بأنها"تمثل في طموحاتها نموذجا جديدا للمنطقة، يمكن أن يؤسس لواقع سياسي ليبرالي"، مضيفا بأن التفاعل في هذا السياق لا ينحصر بالعراقيين، بل معظم شعوب المنطقة، لأنها تهدف لوضع حد لمشروع الإسلام السياسي الذي أسهم في تدمير المنطقة بأكملها على نحو حاسم.
يتابع "زيدل" تطورات الحركة الاحتجاجية باستمرار وينشر تحليلات عنها يوميا في صفحته على موقع فيسبوك، وقد تفاجأ في البداية بأن أعدادا كبيرة من العراقيين يتفاعلون مع منشوراته رغم أنها باللغة العبرية، فيقوم المتابعون العراقيون بترجمتها عبر موقع الترجمة الالكترونية لجوجل، ومن ثم يعلقون عليها بكل إيجابية ودعم.
ومن المثير للاهتمام بأن صفحة إسرائيل باللهجة العراقية التي أطلقتها وزارة الخارجية الإسرائيلية لتشجيع الحوار بين الإسرائيليين والعراقيين تشهد تفاعلا ومشاركة واسعة من قبل العراقيين، والتي تظهر تعاطفا إنسانيا كبيرا على المستوى المجتمعي بين الشعبين، دفعت ناشطا عراقيا لتأسيس صفحة بعنوان سفارة جمهورية العراق في إسرائيل على موقع فيسبوك.
ويلاحظ الباحث والكاتب اليهودي العراقي خضر (ديفيد) بصون، بأن الأمل لدى يهود العراق تجاه بلدهم الأم قد ظهر مع سقوط نظام البعث عام 2003 حيث كانوا يرون أنها بداية للتغيير، ليس على مستوى العراق فقط، بل المنطقة بأجمعها، ولكن قد تلاشى الأمل بعد توالي الاحداث المؤلمة في العراق من الطائفية والحرب الاهلية والإرهاب.
ورغم ذلك، يرى بصون في الحركة الإحتجاجية الجارية، عودة للمسار الصحيح، حيث فاجأ الجيل الشباب في حركة الإحتجاجات العالم كله بوجود هوية وطنية عابرة لخطوط الانقسام لدى العراقيين، من شأنها أن تضع حدا لتمادي منظومات الإرهاب والفساد والميليشيات في العراق. ويعتقد بصون بأنه "اذا نجح الشباب في اسقاط الدولة العميقة المتمثلة بالميليشيات والفساد واستبداله بنظام علماني مدني ليبرالي، فهذا سيعني نهوض العراق من جديد وقيامه بدور فاعل في حركة إصلاحية شاملة في المنطقة بأسرها".ويساهم بصون في دعم الحركة الاحتجاجية بنشر كتابات واشعار حول الاحتجاجات وإقامة ندوات بخصوصها في وسط الجالية اليهودية العراقية في إسرائيل.
تبرز المؤشرات آنفة الذكر، أنه على الرغم من إن حركة الإحتجاجات لم تحقق أهدافها على المستوى السياسي، لحد اللحظة الراهنة، لكنها نجحت في خلق واقع مجتمعي جديد، قد يسهم في دفع المنطقة بإسرها نحو تضامن انساني وسلام مجتمعي.