في ظل الإعتداءات المتكررة التي تُمارس ضد الصحفيين في العراق، تُحاول مجموعة منهم (الصحفيون) الوقوف بوجه هذه الإعتداءات ومحاولة الحد منها بالآليات السلمية والقانونية بغية الوصول لمرحلة تقل فيها خطورة البيئة الصحفية في العراق.
مرصد الحريات الصحافية الذي يُعد أحد أبرز المنظمات العاملة في مجال الدفاع عن حرية الصحافة في العراق، أعلن في 22 من اوغسطس الماضي عن إعداده "قائمة سوداء بأسماء السياسيين والمسؤولين الحكوميين والبرلمانيين العراقيين الذين يعتدون، هم أو حماياتهم، على الصحفيين".
تُعتبر هذه الخطوة التي قامت بها منظمة محلية عراقية، هي الأولى من نوعها، إذ تبرز من خلالها ملامح تقنين عمل الدفاع عن الصحفيين وحقوقهم بعد 16 سنة من المُدافعة المبنية على أساس الضغط الإعلامي على السُلطات والجماعات المسلحة والدينية التي ترتكب إنتهاكات ضد الصحفيين العراقيين.
قال رئيس مرصد الحريات الصحفية في العراق زياد العجيلي لـ"المونيتور": "بعد جلسة نقاشية مع مجموعة من الصحفيين توصلنا الى اتفاق ان بيانات التنديد والادانة لوحدها غير كافية لردع المسؤولين الذين باتوا يستهترون بالتعامل مع الصحفيين ووسائل الاعلام ووجدنا أن اللائحة السوادء ستكون هي الكفيلة بإيقاف التمادي الذي تُمارسه الشخصيات النافذة والقوى السياسية".
ومن ضمن الآليات التي سيتبعها مرصد الحريات الصحفية غير وضع هؤلاء في "اللائحة السوداء"، رفع دعاوى قضائية عليهم في المحاكم العراقية، ومن ثم إرسال تقارير إلى اللجان الأممية الخاصة، فضلاً عن الطلب من المنظمات الدولية الضغط على الحكومات الأوربية والولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا لمنع إستضافتهم في المؤتمرات الدولية.
وتُحاول مجموعة الصحفيين الذين إقترحوا فكرة هذه اللائحة، إلى التعاون مع صحافيين من داخل وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية لمنع إستضافة السياسيين وزعماء وأعضاء الفصائل المسلحة التي ترتكب الإنتهاكات بحق الصحفيين.
وأضاف العجيلي أن "وضع اي اسم في اللائحة يترتب عليه بلاغات للمنظمات الدولية بأعداء حرية الصحافة، ونحن لنا تواصل وشراكات منذ اكثر من 16 عاما مع المنظمات الدولية ومنها منظمات وهيئات الامم المتحدة، ويمكننا منع اي شخصية مصنفة كعدو للصحافة من حضور المناسبات الدولية والاجتماعات التي تقام في اوربا وامريكا من خلال التواصل مع منظمات فاعلة في هذه الدول".
يعتقد العجيلي بأن هذه الخطوات ستمنع "تهديد أو إهانة" أي صحفي مثلما كان يحدث، ويكشف أيضاً عن وجود مجموعة من الصحفيين وخبراء في القانون يُراجعون أكثر من ثلاثين إسماً متهماً بتهديد الصحفيين بالقتل أو حتى تهجير بعضهم من العراق، فضلاً عن الهجمات المسلحة التي طالت بعض وسائل الإعلام.
ولم تقتصر مساعي هذه اللائحة على السياسيين أو الأفراد الحكوميين فحسب، بل ستشمل ستة فصائل مُسلحة مُقربة من الحكومة العراقية قامت بإعتداءات وإنتهاكات بالضد من الصحفيين.
ووفقاً لنقيب الصحفيين العراقيين مؤيد اللامي، فإن أكثر من 460 صحفياً قُتلوا منذ عام 2003 وحتى الآن، وتُعرف منظمة مراسلون بلا حدود في ديباجتها البيئة الصحفية في العراق على إنها "مازالت تُمثل خطراً على الصحفيين".
وتعتبر مراسلون بلا حدود "الصحافيين في العراق، ضحايا للهجمات المسلحة والإيقافات والاعتقالات أو التخويف من طرف ميليشيات مقربة من النظام وحتى من قوات نظامية، ويظل قتل الصحفيين بلا عقاب، وتبقى التحقيقات دون نتائج، كما يؤكد ذويهم".
لكن هناك قلق أن هكذا قوائم يُمكنها أن تُزيد من الإنتهاكات، فإن "غالبية السياسيين والجماعات المسلحة لا يخشون ردود فعل الإعلام.
وتقول الصحفية العراقية سؤدد الصالحي لـ"المونيتور": إن "غالبية أفراد الطبقة السياسية يتعاملون مع الصحفيين على انهم اما توابع او خصوم، وبالتالي فهم عملوا ويعملون لتكريس هذين التصنيفين، التبعية والخصومة سواء بالتصريحات او السلوك او حتى التشريعات".
في إقليم كردستان العراقي لوحده، سُجل عام 2018 (246( إنتهاكاً ضد الصحفيين تراوحت بين الإعتقال والإحتجاز والدعاوى القضائية والضرب والمنع من التغطية والإعتداءات أثناء الواجب الصحفي.
قال الصحفي العراقي وسام الملا خلال مقابلة مع "المونيتور": إن "الصحفيين العراقيين عانوا طيلة السنوات الماضية من إعتداءات يرتكبها سياسيون عراقيون وأفراد حماياتهم دون أن تكون هُناك محاسبة لأحد، لذا نجد في هذه الخطوة ضرورة قصوى لمنع تكرار أي من تلك الأعمال".
وأضاف "قبل أسابيع إعتدى وزير النقل السابق النائب الحالي كاظم فنجان الحمامي على صحفيين في مجلس النواب العراقي، ومرّت الحادثة دون أن تتم محاسبته أو مسائلته على الأقل، أو حتى إستنكار الحادثة من قبل مجلس النواب، وهذا يُشير إلى وجود تجاوزات مستمرة ضد الصحفيين".
ويأتي ترتيب العراق بحسب منظمة مراسلون بلا حدود في التصنيف الـ156 عالمياً لسنة 2019 من ضمن 180 دولة شملها التصنيف الدولي، ويعود وجود العراق بهذا الترتيب نتيجة إلى الإعتداءات التي يتعرض لها الصحافيون، رغم المساحة الواسعة التي يتمتعون فيها بمجال حرية التعبير، لكن لا ضمانات على سلامتهم إذا ما أدلوا بآرائهم أو كشفوا معلومات تتعلق بتمويل الأحزاب والجماعات الدينية وهدر المال العام.
تبرز الحاجة في العراق بالإضافة إلى جهد المجتمع المدني، إلى وجود تشريعات تتعلق بحق الوصول للمعلومة والحصول عليها، وتشريعات تحمي الصحافيين من الإعتداءات وتُسهم في محاسبة مرتكبي الإنتهاكات بحقهم، فعادة ما يفلت الذي إعتدوا على الصحافيين من العقاب، وهذا ما تؤشره منظمة اليونسكو.
بالمحصلة، تُعتبر خطوة "اللائحة السوداء" التي عمل عليها مرصد الحريات الصحافية خطوة نحو الأمام تتجاوز مراحل توثيق الإنتهاكات فقط، بل تذهب بعيداً نحو توثيق أسماء وصفات مرتكبي الإنتهاكات بحق الصحفيين، وهذه بادرة هي الأولى من نوعها في العراق ورُبما في الوطن العربي أيضاً.