سعد سلّوم – إربيل: على الرغم من قرار رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي بخروج قوات الحشد الشعبي من سهل نينوى، إلا أن اللواء 30 من الحشد ما زال يتواجد في مواقعه، ويرفض التخلي عن مواقعه على الطرف الشرقي من الموصل. إنهم بدلاً من ذلك يقومون باحتجاجات على قرار عبد المهدي في الطرق الرئيسية.
قال النائب قصي الشبكي القريب من اللواء ٣٠ لرويترز اليوم أننا "سنبقى في المنطقة لحماية شعبنا". هذا في الوقت الذي تتزايد فيه المعارضة السنية والكردية لوجود الحشد في المنطقة. فقد قال النائب الكردي شيروان دوبرداني لرويترز "أن الحشد هو القوة الرئيسية في محافظة نينوى الآن - لقد أصبح الجيش قوة ثانوية."
الصراع الدائر في سهل نينوى حول مستقبل الحشد الشعبيّ في هذه المنطقة، لا سيّما اللواء 30 الذي يضمّ في أغلبيّته مقاتلين من الأقليّة الشبكيّة، لا يعكس صراعاً حول أسلوب الإدارة الأمنيّة للمنطقة المتنازع عليها فحسب، بل يظهر للعلن صراعاً أعمق حول مستقبلها، وهل ستكون جزءاً من خريطة إقليم كردستان أو تظلّ تحت إدارة الحكومة الاتحاديّة في بغداد؟
لقد رفضت النخب الشبكيّة المؤيّدة لاستقلاليّة أكبر للشبك في التحكّم بمصيرهم في سهل نينوى القرار الحكوميّ بسحب لواء الشبك 30، الذي غيّر وضع توازن القوى في سهل نينوى لصالح هذه الأقليّة بعد سنوات من النفوذ الكرديّ.
وكانت الحكومة الاتحاديّة في بغداد أتاحت للشبك فرصة التحكّم في الشؤون الأمنيّة والعسكريّة في سهل نينوى من خلال لواء 30 بعد فشل الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان، وبسط الحكومة الاتحاديّة سيطرتها في 16 تشرين الأوّل/أكتوبر من عام 2017 على المناطق المتنازع عليها.
ولذا، تعدّ النخب الشبكيّة سوق الاتهامات إلى اللواء 30 الخاص بالشبك حملة ممنهجة بهدف تغيير واقع توازن القوى لصالح الأكراد مرّة ثانية. والخطير في هذه الاتهامات، أنّها لا تتعلّق بانتهاكات حقوق الإنسان في سهل نينوى فحسب، بل تتضمّن قيام اللواء بتسلّم صواريخ من إيران، فضلاً عن وجود مقرّات للحرس الثوريّ الإيرانيّ في منطقة سهل نينوى، الأمر الذي يجعل المنطقة ساحة للصراع الدوليّ بين إيران والولايات المتّحدة، ويضع الأقليّة الشبكيّة وأقليّات سهل نينوى الأخرى في منتصف رقعة شطرنج العمالقة.
في هذا السياق، ردّ رئيس تجمّع الشبك الديمقراطيّ حنين القدو على الاتهامات بقوله: "إنّها عارية من الصحّة وتقع ضمن الاستهداف الممنهج من قبل بعض الأحزاب والشخصيّات السياسيّة في محافظة نينوى وفي إقليم كردستان بهدف إخراج لواء 30 من منطقة سهل نينوى والمطالبة بعودة البيشمركة إليها، تمهيداً لضمّها إلى إقليم كردستان". ورأى أنّ الحملة الممنهجة وصلت بكثافة تأثيرها إلى الولايات المتّحدة وإلى وضع اسم آمر اللواء على قائمة عقوبات الخزانة الأميركيّة.
وأشار إلى "أنّ ذلك شكّل عامل ضغط دفع برئاسة الوزراء في بغداد إلى الدعوة لإخراج لواء 30 من المنطقة أو على الأقلّ تسليم السيطرات إلى قوّات أمنيّة أخرى، بدلاً من منتسبي الحشد".
وشارك نوّاب من سنّة الموصل الشبك مخاوفهم من الصراع على سهل نينوى، إذ أعلن النائب عن محافظة نينوى عبد الرّحمن اللويزي، خلال لقاء متلفز، أنّ هناك نوعاً من السيناريو الهادف إلى عودة سهل نينوى لنفوذ إربيل.
وإنّ تتابع الأحداث، برأيه، يثبت ذلك: أوّلاً، صدور عقوبات أميركيّة ضدّ آمر لواء الشبك 30، تبعته مفاوضات لإرجاع قوّات البيشمركة إلى المناطق المتنازع عليها (من ضمنها سهل نينوى). وأخيراً، صدور قرار من قبل رئيس الوزراء العراقيّ عادل عبد المهدي بسحب لواء الشبك ٣٠ من سهل نينوى.
وعلى صعيد ذي صلة، تتحفّظ نخب شبكيّة على قرارات الحكومة العراقيّة بشأن إعادة تخطيط الوحدات الإداريّة وتشكيلها في سهل نينوى، لا سيّما استحداث وحدتين إداريّتين جديدتين في تلك المنطقة، واحدة شرق مدينة الموصل باسم "ناحية كلك"، والأخرى شمال المدينة باسم "ناحية بازوايا"، على أن تتبعا إداريّاً لمركز محافظة الموصل مباشرة.
وأثارت هذه القرارات حفيظة الشبك واعتراضهم، كما بيّن نائب أمين تجمّع الشبك الديمقراطيّ محمّد الشبكي، الذي اعتبر أنّ نتائجها ستكون إخراج الشبك من جغرافيّة سهل نينوى، وأنّ القرى الشبكيّة في "ناحية كلك" ستصبح ضمن تشكيل إداريّ يقع تحت نفوذ كرديّ، في حين تصبح القرى الشبكيّة ضمن "ناحية بازوايا" تابعة إداريّاً لمركز ذي غالبيّة سنيّة عربيّة، فهل معنى ذلك أنّ سهل نينوى ستصبح منطقة ذات هويّة مسيحيّة فحسب؟ أم أنّ الهدف هو توزيع الشبك وتذويبهم داخل أغلبيّات كرديّة وعربيّة، ومنعهم من استقلاليّة أوسع في مناطقهم ووحداتهم الإداريّة التي تتضمّن هويّة شبكيّة واضحة؟
ولذا، وفي رأي محمّد الشبكي، فإنّ استهداف اللواء 30 ليس سوى خطوة في خطّة أكبر تستهدف استقلال الشبك وقرارهم المستقلّ.
كما لفت اعتراض على فكرة التقسيم على أساس اثنيّ أيضاً جوانب أخرى من مخاوف الشبك، إذ أكّد النائب عن كوتا الشبك في البرلمان الاتحاديّ قصيّ عبّاس رفضه تأسيس وحدات إداريّة في سهل نينوى على أساس طائفيّ أو إثنيّ، وليس على أساس جغرافيّ أو إداريّ، وقال: إنّ تاريخنا المعاصر شاهد على التعايش السلميّ بين كلّ مكوّنات سهل نينوى من المسيحيّين والشبك والتركمان والإيزيديّين والعرب والأكراد والكاكائيّين.
وأشار إلى أنّه كان ضمن الوفود المفاوضة منذ عام 2008 لاستحداث وحدات إداريّة في سهل نينوى، وأنّه تابع منذ عام 2012 القرار الخاص باستحداث وحدات إداريّة في سهل نينوى من قبل مجلس الوزراء، لكنّ المقاربة في وقتها لم تتضمّن إحداث شرخ في النسيج الاجتماعيّ، بل كانت حسب رأيه مع تأكيد الإبقاء على التنوّع الضامن للهويّة الوطنيّة.
ويبدو أنّ وجه الاعتراض يتمثّل بتحوّل المشروع من طبيعة تنمويّة ذات بعد إداريّ يسهّل تقديم الخدمات وإدارة المناطق إلى مشروع يقسّم سهل نينوى على أساس طائفيّ.
وفي هذا الشأن، أكّد قصيّ عبّاس خلال حديث لـ"المونيتور" اعتراضه على القرار بإفراغ قضاء الحمدانيّة وناحية بعشيقة من القرى الشبكيّة، وتأسيس ناحية خاصّة بالشبك وأخرى خاصّة بالتركمان، وناحية خاصّة بالايزيديّين، وهو "منهج يجب أن نقف جميعاً ضدّه".
والجدير بالذكر أنّ النزاع العربيّ - الكرديّ على سهل نينوى كشف عن انقسام بين النخب الشبكيّة حول مصير الشبك وهويّتهم، هذا من جهة. وكشف، من جهة ثانية، عن صراع إثنيّ أكبر بين الأقليّات والأكراد والعرب. كما كشف، من جهة ثالثة، عن صراع إقليميّ بين الولايات المتّحدة وإيران.