بدأت إرتدادات التوتّر بين الولايات المتّحدة الأمريكيّة وإيران تصل إلى الصناعة النفطيّة العراقيّة التي تشكّل العمود الفقريّ لإقتصاد هذا البلد ومن شأن إيّ تصعيد أكبر أن يربك وضع الصناعة النفطيّة العراقيّة وإقتصادها.
وقامت شركة نفط ”إكسون موبيل“ الأمريكيّة بسحب العشرات من موظفيها العاملة في العراق من الجنسيّات الغير العراقيّة في 18 أيار/مايو، بعدما قرّرت وزارة الخارجيّة الأمريكيّة في 15 أيار/مايو سحب موظفيها ”الغير الضروريين“ من سفارتها في بغداد وقنصليّتها في مدينة أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق.
ونقلت ”إكسون موبيل“ موظّفيها المنسحبين إلى دبي لكي يستمرّوا بأعمالهم المتعلّقة بحقل غرب القرنة1- في محافظة البصرة الجنوبيّة من مكاتبها في دبي. واعلنت الشركة لاحقا في 31 مايو انها ستبدا باعادة موظفيها الى مواقع العمل من الثاني حزيران.
وكما كان متوقّعا، لم يتلقّى الجانب العراقي خبر السحب بترحيب إذ علّق وزير النفط ثامر الغضبان في بيان صحافيّ بعد يوم من سحب إكسون موبيل بعض موظّفيها من العراق ووصف الإجراء ب”غير مقبول او مبرر“.
وقد عزى الغضبان الإجراء هذا إلى“أسباب سياسية“ وأكّد أنّ الموضوع ”ليس له علاقة إطلاقاً بالوضع الأمنيّ في الحقول النفطيّة بجنوب العراق“.
ولكن في الحقيقة لدى الفصائل المسلّحة العراقيّة المقرّبة من إيران القدرة على إرباك وضع القطّاع النفطي متى ما شاءت، وهي وصلت إلى درجة أن تهدّد رئيس البرلمان العراقيّ بشكل علنيّ بسبب مواقفه من الأزمة بين إيران وأمريكا، كما كشف النائب في البرلمان العراقي، محمّد الكربولي في 25 أيار/مايو.
وأوضح وزير النفط العراقي في بيانه أنّه طلب من ”إكسون موبيل“ إرجاع موظّفيها إلى العمل ”بمقتضى عقد طويل الأمد“ لتطوير هذا الحقل النفطي المهمّ.
بيد أنّ لم يبيّن الوزير ما إذا يرى هذا الإجراء مخالفاً للعقد الموقّع بين الجانبين وهل ينوي إتّخاذ إجراءات قانونيّة ضد "إكسون موبيل".
وفي هذا السياق، يقول الدكتور نبيل المرسومي وهو خبير نفطي وأستاذ علم الإقتصاد في جامعة البصرة: ”استندت ”اكسون موبيل“ في سحب موظّفيها من حقل غرب القرنة1- الى المادة 31 من العقد المبرم بينها وبين شركة نفط الجنوب المتعلّقة بحالة القوّة القاهرة التي تعفي كلا من الطرفين المتعاقدين من التزاماتهما عند حدوث ظروف قاهرة خارجة عن إرادتهما“.
ويضيف المرسومي: ”واذا لم يقتنع العراق بقرار ”اكسون موبيل“ ولم يستطع حل الخلاف بينهما ودياً فعليه اللجوء الى قواعد التحكيم الدوليّ لغرفة التجارة الدوليّة في باريس كما تنص على ذلك المادّة 36 من العقد الموقّع بينهما“.
ولكن الضرر الحاصل من هكذا قرارات ممكن أن يتعدّى الخلاف بين شركة أجنبيّة ووزارة النفط العراقيّة وأن يؤثّر قرار شركة ”إكسون موبيل“ سلباً على الصناعة النفطيّة العراقيّة بشكل عام. هذا ما حذّر منه وزير النفط العراقي، ثامر الغضبان حينما قال في بيانه الصحافيّ أنّ ”الانسحاب قد يؤدّي إلى بث رسائل خاطئة عن الأوضاع في العراق، وهذا مالانقبله بتاتاً“.
وكرّر هذه المخاوف، الخبير في وزارة النفط العراقيّة، المهندس حمزة الجواهري في إتّصال مع ال“مونيتور“، حيث قال: ”عمليّة الإنسحاب ترسل رسائل سيّئة جداً إلي المستثمرين الذين يخطّطون للإستثمار في العراق“.
ولكن في نفس الوقت إستبعد الجواهري وجود تداعيات حقيقيّة على الصناعة النفطيّة العراقيّة من جرّاء إجراء شركة ”إكسون موبيل“ وأضاف: ”العراق لم يعد لديه مشكلة كبيرة في الصناعة الإستخراجيّة، لأن استطاع أن يعيد تأهيل عدد كبير من الكوادر القدامى وإيضاً تدريب جيلين جديدين من الكوادر، إكتسبوا خبرة عاليه في هذا المجال. وبالتالي ممكن إحلال الكوادر العراقيّة محلّ الكوادر الأجنبيّة التي تركت العراق“.
وفي وسط هذه الأخبار، أعلن إحسان عبد الجبّار، مدير شركة نفط البصرة الحكوميّة في 22 أيار/مايو نيّة العراق زيادة إنتاج حقل غرب القرنة1- بمقدار 50 الف برميل يومياً ”في الأيام القليلة المقبلة“ ليصل الإنتاج الكليّ للحقل إلى 490 ألف برميل يومياً.
وعاد عبد الجبار و أكد هذا الخبر في 25 أيار/مايو، لكن هذه المرّة قال أنّ الإنتاج الكليّ لحقل غرب القرنة1- سوف يصل إلى 500 ألف برميل يومياً. وعزى مدير شركة نفط البصرة هذه الزيادة إلى ”إدخال الوحدات الإنتاجيّة الجديدة من منشآت الحقل، وبعد دراسة متطلّبات العمل بملاكات عراقيّة وطنيّة تزامناً مع إنسحاب كادر شركة اكسون موبيل“.
وليس غريباً على شركات النفط الأجنبيّة العاملة في حقول النفط العراقيّة أن تدير جزأً من أعمالها من خارج العراق. هذا ما أكّده المهندس حمزة الجواهري وقال: ”إلى حد فترة قصيرة جدّاً معظم الذين إنسحبوا من العراق هم كانوا يعملون من مكاتب الشركة في دبي ولكن الوزارة طلبت منهم العمل من العراق لتخفيف الأعباء الماليّة التشغيليّة“.
ومن جهته، ينظر أميد شكري، وهو محلّل في مجال أمن الطاقة وباحث زائر في جامعة جورج مايسون الأمريكيّة، إلى قرار شركة ”إكسون موبيل" من زاوية مختلفة تماماً. ويقول شكري في إتّصال مع ال“مونيتور“: ”يبدو أنّ الولايات المتّحدة تحاول إستغلال إزدياد حالة التوتّر القائم بين أمريكا وإيران كورقة ضغط من أجل الحصول على حصّة أكبر في القطاع النفطي العراقيّ المربح“.
ويضيف شكري: ”الولايات المتّحدة قلقة من الإزدياد المستمرّ لنشاطات الشركات الروسيّة والصينيّة النفطيّة في العراق. وفي ضوء هذا، إتّجه وزير الخارجيّة الأمريكيّ، مايك بومبيو إلى بغداد ليحثّ الجانب العراقي على توقيع عقد كبير بقيمة 52 مليار دولار مع شركة ”إكسون موبيل“. ويختم شكري بالقول: ”من المستحيل أن تترك الشركات الأمريكيّة القطاع النفطي العراقي المربح جداً“.
ومرّة أخرى يبّين إزدياد التوتّر بين الولايات المتّحدة وإيران هشاشة وضع العراق السياسيّ، فضلاً عن الإقتصادي.