يُقرّ العراق بحاجته الماسّة إلى تطوير منظومة الدفاع الجويّ لمواجهة تحدّيات اختراق أجوائه وقصف مواقع فصائل الحشد الشعبيّ بصورة متكرّرة. لقد أدّت الهجمات الأخيرة على مواقع الحشد إلى تصاعد المطالبات بتعزيز الدفاعات الجويّة بمنظومات حديثة، وهو مشروع تحدّثت عنه مصادر رسميّة عراقيّة حتّى قبل قصف الحشد. ففي 15 أيّار/مايو من عام 2019، قال السفير العراقيّ لدى روسيا حيدر منصور هادي: "إنّ الحكومة العراقيّة قرّرت شراء منظومة صواريخ إس - 400 الروسيّة".
وفي دلالة على الاهتمام بملف الدفاع الجويّ، زار وزير الدفاع نجاح الشمري قيادة الدفاع الجويّ، في 15 أيلول/سبتمبر من عام 2019، للوقوف عند الإمكانيّات، فيما أشارت مصادر إلى أنّ رئيس هيئة الحشد الشعبيّ فالح الفيّاض طلب خلال زيارته لموسكو، في 8 أيلول/سبتمبر من عام 2019، بيع العراق منظومة صواريخ "إس 300" المطوّرة أو "إس 400" الأكثر تطوّراً، لافتة إلى أنّ طهران شجّعت بغداد على هذا الخيار.
لم يكن اختراق الأجواء العراقيّة وليد تشكيل فصائل الحشد الشعبيّ، ففي عام 1981، قصفت الطائرات الإسرائيليّة المفاعل النوويّ العراقيّ، رغم امتلاك العراق دفاعاً جويّاً متقدّماً كان يضمّ ترسانة حديثة من الصواريخ من الاتّحاد السوفياتيّ وفرنسا والولايات المتّحدة الأميركيّة والصين، إضافة إلى مقاتلات اعتراضيّة.
وكشف المتحدّث باسم وزارة الدفاع اللواء تحسين الخفاجي في حديث لـ"المونيتور" عن "النيّة في شراء أجهزة مراقبة إلكترونيّة متطوّرة وفق التقنيّات الأخيرة، الغرض منها رصد ومعالجة الأجسام الطائرة التي تستهدف البلاد، ضمن خطّة خمسيّة تهدف إلى بناء القدرات الدفاعيّة، لا سيّما في الجوّ".
واعترف بأنّ "منظومات الدفاع الجويّ الحاليّة التي يمتلكها العراق تحتاج إلى مواكبة أحدث التطوّرات لمجابهة أنواع جديدة من التهديدات لم تكن موجودة في السابق"، كاشفاً عن "امتلاك القوّة الجويّة والدفاع الجويّ تقنيّات رصد بالرادار وصواريخ دفاع جويّ مخصّصة لصيد الأهداف في ارتفاعات واطئة".
وفي حين لم يؤكّد تحسين الخفاجي أنّ هناك "قراراً رسميّاً بشراء منظومة إس -400 الروسيّة"، فإنّ الخبير الأمنيّ في مركز النهرين للدراسات الاستراتيجيّة هشام الهاشمي اعتبر في حديث لـ"المونيتور" "الخوض في هذا المشروع، ربّما هو مناورة من أجل امتصاص غضب الأحزاب الشيعيّة المنسجمة مع رؤية فصائل الحشد الشعبيّ التي تعرّضت مقرّاتها ومعسكراتها إلى أكثر من هجوم خلال شهريّ تمّوز/يوليو وآب/أغسطس".
ورأى هشام الهاشمي أنّ "رئيس هيئة الحشد الشعبيّ فالح الفيّاض ولجان عقود السلاح يدركان أنّ الصفقة لن يكتب لها النجاح، إلاّ بعد أخذ الإذن من الولايات المتّحدة الأميركيّة التي تمانع الموافقة عليها"، مشيراً إلى أنّ "واشنطن رفضت في شباط 2018 هكذا صفقة وهدّدت بشمول العراق بعقوبات اقتصاديّة، كما هي الحال التي تعرّضت لها تركيا".
لكنّ الخفاجي قلّل من التأثير الخارجيّ، لا سيّما الأميركيّ على الصفقة، بالقول: "إنّ الحكومة تستطيع مداولة ملف هكذا صفقة مع الأطراف المؤثّرة في الصراع الإقليميّ، لا سيّما واشنطن وطهران، بحكم العلاقات الجيّدة التي يقيمها العراق مع الجانبين".
على غير هذا الاستنتاج، قال الأكاديميّ القانونيّ الخبير بشؤون الجماعات المتطرّفة والمقرّب من الأجهزة الاستخباريّة العراقيّة فاضل أبو رغيف لـ"المونيتور": "إنّ هناك صعوبة بالغة في حصول العراق على منظومة S300 أو S400 من روسيا لأنّ أميركا لن تسمح بذلك، فضلاً عن أنّ دول المنطقة تعدّ نصب هذه المنظومة تهديداً لها".
ورأى أنّ "يأس العراق من تجهيز أميركا له بمنظومة موازية للباتريوت أو الـs400، يجعل إيران مرشّحة للدخول على الخطّ وتزويد العراق بمنظومات محورة ومطوّرة، بالقدرة والتقنيّة ذاتهما، لكن باسم آخر وشكل مغاير"، وقال: "إذا لجأ العراق إلى محيطه العربيّ فقد يتمّ تزويده بنظائر الباتريوت، وهذا احتمال مستبعد".
وفي خطوة تدلّ على خشية كبيرة من استهداف جديد، أكّدت وزارة الدفاع، في 14 أيلول/سبتمبر من عام 2019، أنّ الحشد الشعبيّ قام بنقل أسلحته إلى مخازن الوزارة من أجل حمايتها، مشيرة إلى أنّ العراق بحاجة إلى هذه المعدّات لحماية أجوائه.
لكنّ هذه الحاجة سوف تستمرّ، وفق عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانيّة النائب عبّاس سروط في حديث لـ"المونيتور"، والذي رمى أسباب الخلل في الدفاع الجويّ العراقيّ إلى "الولايات المتّحدة التي تمنع العراق من استيراد الأسلحة، لا سيّما منظومات الدفاع الجويّ المتطوّرة والصواريخ البعيدة المدى"، مشيراً إلى "أنّها تتقصّد ذلك لكي تتيح المجال إلى إسرائيل لقصف العراق في أيّ وقت تشاء، ولكي يستمرّ العراق في التبعيّة الكليّة لها".
وفي تطابق مع وجهات النظر التي تستبعد حصول العراق على منظومة دفاع جويّ روسيّة متطوّرة، أورد المحلّل العسكريّ والطيّار المتقاعد في القوّة الجويّة العراقيّة والعضو السابق في الائتلاف العراقيّ الموحّد أحمد الشريفي لـ"المونيتور" أسباباً أخرى تحول دون صفقة مع روسيا، منها "غياب وحدة الموقف في العراق وعدم وجود موازنة ماليّة تكفي لتسليح استراتيجيّ باهظ الكلفة، فضلاً عن دعم المرجعيّة الدينيّة لقضيّة دمج الحشد مع المؤسّسة الأمنيّة والعسكريّة".
وأشار أحمد الشريفي إلى أنّ "البديل لصفقة مستحيلة وتثير إشكالات ماليّة وسياسيّة وأمنيّة هو في التطبيق الفعليّ لاتفاقيّة الإطار الاستراتيجيّ مع الولايات المتّحدة لأنّها ستضيف موارد مهمّة إلى البنية العسكريّة التحتيّة، فضلاً عن توفير التدريب والتجهيز"، لافتاً إلى أنّ هناك "حاجة إلى قرار سياسيّ عراقيّ يحسم الملف".
لكنّ مثل هذا القرار السياسيّ هو أسير معادلة التوازن بين الولايات المتّحدة وإيران في العراق، التي تتحكّم في أيّ خطوة يتّخذها رئيس الحكومة العراقيّة عادل عبد المهدي في شراء منظومة دفاع جويّ متطوّرة سواء أكان من روسيا أم واشنطن أم إيران، حيث أنّ القوى العراقيّة المتحالفة مع إيران أو التي تظهر لها الودّ تتحمّس إلى ذلك بحسب قول القياديّ في الحشد الشعبيّ معين الكاظمي لـ"المونيتور": "إنّ العراق يحتاج إلى تطوير الدفاعات الجويّة، بالتعاون مع إيران، التي تمتلك تقنيّات متقدّمة جدّاً ويمكنها مساعدة العراق في ذلك"، ليبقى ملف الدفاعات الجويّة المتطوّرة أسير إرادات داخليّة وخارجيّة.