حدّدت فصائل في الحشد الشعبيّ شروطها للمرشّح إلى رئاسة الحكومة العراقيّة، قبيل توجيه الرئيس برهم صالح في 29 كانون الثاني/يناير من عام 2020 رسالة إلى الكتل النيابيّة بترشيح رئيس مجلس الوزراء، أمهلها فيها حتّى السبت في 1 شباط/فبراير من عام 2020، وإلاّ "سيتولّى بنفسه تكليف مرشّح من قبله".
وقبيل ذلك بيومين، أيّ في 27 كانون الثاني/يناير من عام 2020، حدّد الأمين العام لـ"عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي، في تغريدة، شروط اختيار رئيس الوزراء المقبل، أهمّها في أن يكون "مستقلاًّ وليست لديه جنسيّة ثانية، ومن عراقيّي الداخل ويتعهّد بالالتزام بقرار إخراج القوّات الأجنبيّة وتنفيذ الاتفاقيّة مع الصين".
وفي انسجام مع شروط "العصائب"، اشترطت "كتائب حزب الله" في بيان، بـ17 كانون الأوّل/ديسمبر من عام 2020، مواصفات رئيس الوزراء المقبل، وأبرزها: "الوقوف في وجه المشروع الصهيوأميركيّ السعوديّ في العراق".
لا تعدو هذه الشروط من وجهة نظر الكاتب والمحلّل السياسيّ رئيس مركز التفكير السياسيّ الدكتور احسان الشمري
في حديث لـ"المونيتور" كونها "الركيزة الأساسيّة التي تعتمدها فصائل الحشد الشعبيّ لمعادلة السلطة التي دفعت بعبد المهدي إلى رئاسة الحكومة، حيث رحيله يعني تهديداً لهذه المعادلة، والذين يتحكّمون بها"، وقال: "إنّ طرح الاشتراطات هو جزء من المعوّقات التي تعتمدها الفصائل أمام اختيار رئيس الوزراء، وهي اشتراطات بعيدة جدّاً عن ساحات التظاهر، التي تدفع باتّجاه شخصيّة مستقلّة تعمل على عدم إخضاع العراق للارتهان الخارجيّ".
ووصف احسان الشمري شروط الحشد الشعبيّ باعتبارها "مصدّات سياسيّة تحتمي بها الفصائل، التي ترفع سقف المطالب بهدف الحصول على ضمانات على مستوى سياسة رئيس الوزراء المقبل، أو حتّى الجهات الدوليّة، وكذلك من أجل تأمين امتيازات".
ورأى أنّ "شروط الفصائل لا تتطابق مع ما يدعو إليه الكثير من القوى السياسيّة، التي لا تضع في حساباتها ملف الاتفاقيّة الصينيّة الذي تشترطه الفصائل، والذي يدلّل على تدخّل عامل خارجيّ في وضع الشروط".
وأكّد الشمري أنّ "الخزعلي، من خلال شروطه، يريد أن يرسّخ فكرة كونه زعيماً يمتلك التأثير في قضيّة الاختيار، ولا بدّ من التفاوض معه من خلال هذه الاشتراطات".
وعلى النقيض من هذا التصوّر، قال المتحدّث باسم المكتب السياسيّ لـ"حركة الصادقون" التّابعة لـ"حركة عصائب أهل الحقّ" محمود الربيعي لـ"المونيتور"، مستخدماً تعبير "حركات المقاومة" في وصفه لفصائل الحشد الشعبيّ: "إنّ الشروط تتناسق مع مطالب التظاهرات السلميّة، التي يجب فرزها عن عصابات مرتبطة بأجندات معادية".
وقلّل محمود الربيعي من بيان برهم صالح، الذي هدّد فيه، قائلاً: "إذا لم تتمكّن الكتل المعنيّة من حسم أمر الترشيح في موعد أقصاه السبت في 1 شباط/فبراير من عام 2020، أرى لزاماً عليّ تكليف من أجده الأكثر مقبوليّة نيابيّاً وشعبيّاً".
وأشار محمود الربيعي إلى أنّ "دور رئيس الجمهوريّة بروتوكوليّ، ولا يحقّ له اختيار أيّ مرشّح، ودوره استلام اسم المرشّح من أصحاب الشأن".
واستغرب المحلّل السياسيّ من مركز الإعلام العراقيّ في واشنطن نزار حيدر خلال حديث لـ"المونيتور" "إصرار قوى سياسيّة وجهات نافذة على وضع شروط تقيس مقبوليّة رئيس الوزراء"، وقال: "إنّ الشعب فقط، والمحتجّين تحديداً، هم من لديهم الحقّ في أن يشترطوا لتسمية رئيس الحكومة الجديدة".
وتساءل نزار حيدر: "أين كانوا منذ استقالة الحكومة الحاليّة حتّى الآن؟ ألا يعني ذلك أنّهم يشترطون لعرقلة تسمية المرشّح الجديد بعد أن ضاق بهم الوقت؟".
وأشار إلى أنّ "وضع الشروط من قبل القوى النافذة على اختلاف مسميّاتها، محاولة جديدة لعرقلة مساعي التسمية لتمرير صفقتهم الرامية إلى الإبقاء على حكومة تصريف الأعمال".
ومنذ برز الخلاف واضحاً بين فصائل الحشد الشعبيّ وصالح، الذي بدأ في 23 كانون الثاني/يناير من عام 2020، بعدما تصاعدت حدّة الأزمة بين الجانبين على خلفيّة رفض الأخير تكليف مرشّح "تحالف البناء" أسعد العيداني، أصدرت "كتائب حزب الله" في حينها بياناً شديد اللهجة، متّهمة صالح بـ"الخضوع" إلى الرغبة الأميركيّة في رفض مرشّح "الكتلة الأكبر".
إنّ مجاميع التراسل الفوريّ على الـ"واتسآب" ومواقع التواصل الاجتماعيّ، تتحدّث عن استمرار الأزمة بين الجانبين، ففي قناة "تلغرام" التي تحمل اسم "السيّدة الأولى"، تحدّث مصدر عن "استياء الكتل السياسيّة من رسالة الرئيس صالح، لرفضه مراراً تكليف المرشّح المقدّم من الكتلة الأكبر، متّهمة إيّاه بمحاولة فرض شخصيّة محدّدة بضغوط أميركيّة".
أمّا النائب عن كتلة "صادقون" الممثّلة لـ"حركة فصائل أهل الحقّ" نعيم العبودي، فدافع في حديث لـ"المونيتور" عن "ضرورة توافر شروط فصائل الحشد الشعبيّ في شخصيّة رئيس الوزراء من أجل الإتيان برئيس وزراء قويّ لا ينتمي إلى القوى السياسيّة الحاليّة ويلبّي مطالبات الشارع".
ورأى رئيس تحرير صحيفة "الصباح" الرسميّة السابق عبّاس عبّود في حديث لـ"المونيتور" أنّ "مثل هذه الشروط للقوى السياسيّة لم تعد هي صاحبة القول الفصل في تحديد شخصيّة رئيس الوزراء، بسبب شارع قويّ ومؤثّر لا يمكن تدجينه بسهولة، لكنّه غير قابل للقياس واختيار القوّة والتأثير، إلاّ بعد انتخابات مبكرة ربّما تحسم الأمر لصالحه، وربّما تقلب الطاولة على القوى الحاليّة".
ووضع عبّاس عبّود احتمالاً آخر في "تمكّن القوى السياسيّة من سحب البساط من تحت أقدام المتظاهرين بحكم خبرتها السياسيّة في إدارة الصراعات"، معتبراً أنّ "طرح الحشد شروطه من خلال الشيخ قيس الخزعلي هو رسالة تؤكّد التذكير بوجود قويّ لتيّار المقاومة والفصائل".
تتدخّل فصائل الحشد الشعبيّ بقوّة في عمليّة اختيار رئيس الوزراء عبر فرض الشروط والمواصفات، في وقت يطالب فيه متظاهرون بمواصفات رئيس وزراء على مقاسهم، ويتقاطع ذلك ويتلاءم بدرجات مع شروط أخرى تطرحها القوى السياسيّة، ليجد صالح نفسه في وسط صراعات سياسيّة محتدمة تجسّدها تدوينات وبيانات وتغريدات من قادة كتل سياسيّة أو قادة الفصائل.