بغداد - يواجه رئيس الحكومة العراقيّة عادل عبد المهدي ضغوطاً من قبل أكبر تحالفين سياسيّين بعد الانتخابات التشريعيّة عام 2018، لكي لا يقدّم استقالته على أثر الاحتجاجات التي اندلعت في البلاد منذ الأوّل من تشرين الأوّل/أكتوبر الحاليّ. وكان عادل عبد المهدي جاء إلى رئاسة الحكومة بتوافق وتزكية من تحالفيّ "الفتح" بزعامة هادي العامري المقرّب من إيران و"سائرون" بزعامة مقتدى الصدر الذي يرتبط بعلاقة مع إيران تبدو نديّة وغير قابلة للتبعيّة أو الاتفاق مع توجّهاتها في العراق.
وفي فجر الرابع من تشرين الأوّل/أكتوبر الحاليّ، خرج عبد المهدي بكلمة إلى العراقيّين، لكن هذه الكلمة التي أُعلن عنها مساء الثالث من الشهر ذاته، تأخّر بثّها أربع ساعات تقريباً، بسبب "اجتماع كان يعقده عبد المهدي مع قادة الكتل السياسيّة"، وفقاً لمصادر مقرّبة منه تحدّثت لـ"المونيتور".
وقالت المصادر، التي رغبت في عدم الكشف عن اسمها: "إنّ عبد المهدي طرح فكرة استقالته على اجتماع كان فيه مدير مكتبه، مفاوض تحالف الفتح أبو جهاد الهاشمي، مفاوض تحالف سائرون نصّار الرُبيعي، وقيادات سياسيّة أخرى، لكنّ الهاشمي والربيعي رفضا فكرته".
أضافت: "إنّ نصّار الرُبيعي المُقرّب من مقتدى الصدر أبلغه بأنّ هذا لم يكن ضمن الاتفاقات التي وصل على أثرها إلى منصب رئاسة الحكومة. كما وصل خبر الاستقالة أيضاً إلى تحالف الفتح المقرّب من إيران، فوصلت عبد المهدي رسالة من قائد فيلق القدس الإيرانيّ قاسم سليماني تدعوه إلى التراجع عن فكرته والذهاب نحو إجراء تعديل وزاريّ".
تحاول إيران عبر حلفائها في العراق الحفاظ على حكومة عبد المهدي قدر الإمكان، فمشاركة حلفائها والموالين لها كبيرة جدّاً. كما تعتبر طهران عبد المهدي فرصة مؤاتية لتحقيق أكبر قدر من مصالحها في العراق، نتيجة قربه منها أو لـ"سيطرة" مقرّبين منها على مكتبه والدائرة المحيطة به.
ورأى محلّلون سياسيّون أنّ محاولات إبقاء عبد المهدي في منصبه "براغماتيّة" من قبل تحالفيّ الصدر والعامري، رغم أنّ الأوّل طالب ببيان رسميّ بضرورة استقالة حكومة عبد المهدي، لكن هذا كان عكس ما طُرح من قبل مفاوضيه أمام عبد المهدي.
وقال الباحث في "مركز الجزيرة للدراسات" لقاء مكّي لـ"المونيتور": "كان من المتوقّع رفض تحالف الفتح الاستقالة، إلاّ أنّ رفض سائرون ربّما يطرح تساؤلات، بعدما كان الزعيم الحقيقيّ لهذه الكتلة مقتدى الصدر قد طالب الحكومة بالاستقالة، قبل أن يختفي بعد ذلك".
أضاف: "في كلّ الأحوال، يمكن النظر إلى هذا الرفض من زاويتين: الأولى أنّه لا يتوافر بديل جاهز يحظى بتوافق الطرفين، وسيكون غياب رئيس للوزراء في هذا الظرف خطيراً وغير مقبول، والزاوية الثانية أنّ إيران تجد في عبد المهدي أفضل خيار ممكن لها في هذه المرحلة، فالرجل له صلات وثيقة مع طهران تعود إلى تأسيس المجلس الأعلى للثورة الإسلاميّة في عام 1982 داخل إيران".
وأشار إلى أنّ "اهتمام إيران بعبد المهدي يتعدّى صلاته التاريخيّة معها، فهو أفضل من يمرّر ما تريده طهران. كما أنّ علاقاته بالولايات المتّحدة ليست جيّدة، ويمكنه أيضاً أن يكون جسراً بين طهران ودول عربيّة معيّنة مثل السعوديّة. ولهذا السبب، فهي لا تسمح له بالخروج الآن على الأقلّ".
وقال مصدر مُقرّب من عبد المهدي خاض مفاوضات تشكيل الحكومة ممثّلاً عن تحالف "الفتح" خلال حديث لـ"المونيتور": "إنّ عبد المهدي يعتقد بأنّ التظاهرات هي مؤامرة ضدّه، فنحن لن نقبل بأيّ استقالة له. هذا ليس خياره لوحده، خصوصاً في هذا الوقت، فهو مستهدف، ولن نسمح بذلك".
لا يعيش عبد المهدي لحظات إيجابيّة منذ أن اندلعت التظاهرات، بعدما كان يعيش "الحلم" بمنصبه رئيساً للحكومة العراقيّة، مثلما قال مقرّبون منه، ولا يقتصر ما يعانيه على التظاهرات فحسب، بل يتعدّى ذلك، فلا هو قادر على قمع التظاهرات، ولا قادر على تلبية مطالب المتظاهرين، فهو الآن في حيرة من أمره.
كان التوقّع الأوّل بالنّسبة إلى العراقيّين بغالبيّتهم، وليس النُخب أو أصحاب القرار فقط، أنّ عبد المهدي سيقدّم استقالته إذا ما حدثت الاحتجاجات، فهو معروف بجملته الشهيرة "استقالتي في جيب سترتي"، أيّ بإمكانه الاستقالة في أيّ لحظة.
وتتحدّى النائبة عن تحالف "الفتح" انتصار الموسوي الكتل السياسيّة "إذا كانت قادرة على إقالة عبد المهدي"، واتّضح من تصريحها أنّ وجود عبد المهدي من عدمه لا يتعلّق بالكتل البرلمانيّة، بقدر تعلّقه بتحالفيّ "الفتح" و"سائرون" فقط.
وقال مستشار "المركز العراقيّ للدراسات الإستراتيجيّة" رعد هاشم لـ"المونيتور": "في الساعات الأولى للتظاهرات، كان عبد المهدي يحضّر استقالته. وبعد ذلك، تعرّض للضغط من قبل الجناح الإيرانيّ المتمثّل بمدير مكتبه (أبو جهاد) وعموم تحالف الفتح".
أضاف: "إنّ عبد المهدي حضّر استقالته مرّتين، لكنّه كان يواجه بالرفض من قبل معسكر إيران، خصوصاً في المرّة الثانية حينما روّجت إيران بأنّ التظاهرات خرجت بدعم أميركيّ. إيران لا تريد لعبد المهدي أن ينحني لعاصفة الاحتجاجات".
توحي مؤشّرات رفض استقالة عبد المهدي بأنّ رئيس الحكومة العراقيّة السادسة بعد عام 2003 غير محكوم بتوافق سياسيّ مُحصصاتيّ، بل ما هو أبعد من ذلك، فهو مقيّد برغبة طرفين سياسييّن فقط، ولا يستطيع اتّخاذ حتّى القرار الذي يخصّه وحياته السياسيّة. وفي المحصّلة، ليس أمام عبد المهدي سوى خيار واحد، وهو البقاء رئيساً للحكومة العراقيّة على الأقلّ للأشهر الـ6 المقبلة، وهي الأشهر التي سيحضّر فيها تحالف "الفتح" بديلاً له، إذا ما أصرّ على أن يقدّم استقالته.