دخل الحشد الشعبي في مواجهة صريحة ومُعلنة مع المُحتجين العراقيين الذين يتظاهرون ويعتصمون منذ الأول من تشرين الأول/أكتوبر الماضي للمُطالبة بإصلاحات كبيرة بعد ثلاثة أشهر على حديث وإتهامات حول مشاركته في عمليات قمع الإحتجاجات.
ففي الخامس من كانون/الثاني/يناير شهدت محافظة ذي قار، جنوبي العراق، مقتل إثنين من المحتجين بعد رفضهم قيام مجموعة مسلحة بإجراء تشييع رمزي لقائد فيلق القدس الإيراني قاسم سُليماني الذي أغتيل في مطار بغداد الدولي مطلع الشهر الحالي.
قال أحد المُحتجين في ذي قار لـ"المونيتور" ورفض ذكر إسمه خشية على حياته: "عندما رفضنا دخول المُسلحين لساحة الإعتصام، هددونا بإطلاق النار، وبعد تبادل الصراخ بيننا، قام البعض منهم بإطلاق الرصاص الحي علينا".
وأظهر مقطع فيديو قيام مُسلحين بإطلاق الرصاص الحي على المُحتجين في ذي قار.
وكردة فعل معروفة عن المحتجين في ذي قار حول عمليات القتل التي تطالهم، يذهبون لحرق مقار الجهة المسؤولة عن مقتل المحتجين في ذلك اليوم، ذهبوا إلى حرق مقر هيئة الحشد الشعبي الموجودة في المحافظة.
وتُعتبر محافظة ذي قار من أكثر المحافظات العراقية التي قُتل أبناؤها في الحرب ضد تنظيم "داعش" مع الحشد الشعبي أو مع القوات الأمنية العراقية، كما كانت لها الحصة الأكبر من قتلى مجزرة سبايكر على يد تنظيم "داعش" في حزيران/يونيو 2014.
وفي ذات اليوم الذي شهدت فيه محافظة ذي قار هجوماً مسلحاً على المُحتجين الذين رفضوا تشييعاً رمزياً لسُليماني، حرق موالون للحشد الشعبي خيماً للمُعتصمين في محافظة البصرة، أقصى جنوبي العراق لذات السبب المُتعلق بالتشييع الرمزي لسُليماني.
وبث حساب على اليوتيوب يبدو إنه تابع لأحد أعضاء الحشد الشعبي أو الموالين له ويضع صورة أبو مهدي المهندس وقاسم سُليماني، مقطعاً لحرق الخيام في البصرة وذكر أن سبب الحرق يعود لـ"إحتفال المعتصمين بمقتل سُليماني والمُهندس".
قال حُسام الخميسي وهو أحد نُشطاء محافظة البصرة خلال مقابلة مع "المونيتور": "المحتجون رفضوا تشييع جنازة المُهندس وسُليماني، مما دفع كتائب حزب ألله إلى إطلاق الرصاص الحي وحرق الخيم مما أدى إلى مقتل محتج وجرح آخر".
ويعتقد الخميسي الذي يواظب على حضور الإحتجاجات منذ عام 2015، أن "يقوم الحشد الشعبي بعمليات قمع للإحتجاجات في الأيام المقبلة".
وكثيراً ما توجه الإتهامات إلى الحشد الشعبي بشأن مشاركته في عمليات قمع الإحتجاجات، لكن مصدر في الحشد الشعبي تحدث لـ"المونيتور"، ينفي "وجود أي تدخل للحشد في الإحتجاجات".
بثت قنوات على حساب التليغرام مُناهضة للإحتجاجات ومُقربة من الحشد الشعبي، معلومات إطلعت عليها "المونيتور" حول إحتمالية قيام المُحتجين بعمليات حرق جديدة لمقار الحشد الشعبي في بعض المُحافظات، وهذا يؤشر إلى وجود مواجهة مُعلنة خلال الفترة المقبلة بين المُحتجين والحشد صاحب القوتين السياسية والمُسلحة.
استفز المتظاهرون في ساحة التحرير ببغداد الحشد الشعبي وأتباعه عندما أعلنوا "برائتهم" من الهجوم الذين شُن على السفارة الأميركية في الحادي والثلاثين من كانون الأول/ديسمبر الماضي، الأمر الذي أعلن رفض الحشد وأتباعه الحقيقية للإحتجاجات وتخوينها.
قال الباحث في "مركز الجزيرة للدراسات" لقاء مكّي لـ"المونيتور": "ما حدث في ذي قار والبصرة، هو بداية ومؤشر على أن الحشد أصبح مستعداً لإستخدام السلاح بحرية ودون مساءلة، وربما يجد الحشد إنهم قادرين على مواجهة المحتجين بالعُنف دون وجود سُلطة تمنعهم بإستثناء تأثير محلي قليل".
وأضاف أن "القضية تجاوزت رفض المحتجين، بل تخوينهم، مما يجعل عملية إستهدافهم مشروعة بالنسبة للبعض. سيستثمر الحشد حالة التشنج مع الولايات المتحدة لقمع الإحتجاجات".
تُشكل التصريحات الأميركية بشأن الإحتجاجات في العراق، حالة من الإستفزاز لدى الحشد الشعبي والفصائل المُسلحة المُناهضة للإحتجاجات وواشنطن، فبالأساس تُتهم الإحتجاجات بأنها مدفوعة من الولايات المُتحدة الأميركية.
يُمكن القول إن تصريحات المسؤولين الأميركان بشأن دعمهم الإحتجاجات، تلعب دوراً في إرتفاع نسبة الإعتدءات عليهم، خاصة وأن هُناك إتهامات من مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد شينكر لقادة في الحشد بشأن تورطهم في عمليات قتل المُحتجين.
قال الأستاذ المساعد في الجامعة الأميركية بالسُليمانية عقيل عباس لـ"المونيتور": "هناك من هو ضمن الحشد من يُفكر بأن هذه هي اللحظة المُناسبة للإلتفاف على الإحتجاجات مُستغلاً الأوضاع في البلاد. المحتجون يحتاجون إلى عملية صبر استراتيجي لتجاوز هذه الأوضاع".
وأضاف "هناك خطر حقيقي وأن تَعّمَد الجماعات الأكثر تشدداً في الحشد إلى تفكيك الإحتجاجات".
في مقطع الفيديو هذا،يتهم أحد أعضاء تنسيقيات الإحتجاجات في محافظة كربلاء مُسلحين تابعين للحشد الشعبي بالقيام بعمليات قمع وقتل للمُحتجين في اليومين الأخيرين من كانون الأول/ديسمبر الماضي، وطلب من المُحتجين تجهيز عصيهم لصد أي هجوم يتعرضون له.
تبدو الفرصة مؤاتية الآن بالنسبة للحشد الشعبي الذي يعتقد بأن الإحتجاجات "خطة أميركية"، لإنهائها على المستوى الميداني، فهي حتى اللحظة إنتهت إعلامياً بعد عملية محاولة إقتحام السفارة الأميركية ومقتل سُليماني والمُهندس.
بالمحصلة، فإن الإتهامات وعمليات التخوين التي تطال المحتجين في العراق من بدء إنطلاق الإحتجاجات، كفيلة لإعطاء مسوغ ديني أو عقائدي أو سياسي لقمعهم، رغم وجود تصريحات من قادة في الحشد حول "أحقية" التظاهر، لكن وجود جماعات مُناهضة بشكل علني للإحتجاجات، يضع المحتجين أمام مخاطر حقيقية أكثر من تلك التي واجهوها خلال الأشهر الثلاثة الماضية والتي شهدت مقتل 600 محتج وإصابة 22 ألف تقريباً.