بغداد - يطالب المحتجون العراقيون اهتمامًا دوليًا بقضيتهم وحماية من القوات التي تهاجمهم، وقد رفعوا خلال الايام السابقة علم الأمم المتحدة الكبير على المطعم التركي في ميدان التحرير، والذي تم الاستيلاء عليه يوم السبت من قبل أنصار رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر الذي يعمل على إنهاء الإعتصامات هناك.
وكان المتظاهرون قد رفعوا شعاراً ضخماً للأمم المتّحدة على مبنى المطعم التركيّ في وسط العاصمة العراقيّة بغداد، والذي يعدّ أحد أكبر المباني الشاهقة التي سيطرت عليها حركة الاحتجاج في العراق التي انطلقت مطلع تشرين الأوّل/أكتوبر من العام الماضي للمطالبة بإحداث تغيير سياسيّ في البلاد. وجاء رفع شعار المنظّمة الدوليّة، في ٢٨ كانون الثاني/يناير، بعد يوم من تداول متظاهرين ملصقات في ساحة التحرير تطالب بتدخّل الأمم المتّحدة لحمايتهم من العنف المفرط.
ويتّهم المتظاهرون السلطات الحكوميّة والفصائل المسلّحة المقربّة منها والمدعومة من إيران بممارسة العنف ضدّهم، فضلاً عن استعمال الرصاص الحيّ وإطلاق القنابل الدخانيّة بشكل مباشر على أجسادهم، الأمر الذي يؤدّي إلى مقتل وإصابة عدد كبير في صفوفهم.
ونفت السلطات الرسميّة العراقيّة صدور أيّ أوامر باستعمال العنف أو الرصاص الحيّ ضدّ المحتجّين، فيما ترمي باللوم على "طرف ثالث" لم تكشف من يقف خلفه، رغم إعلانها إجراء تحقيقات رسميّة بشأن المتورّطين.
وتتعرّض ساحات الاعتصام في بغداد والمحافظات إلى هجمات ليليّة أدّت إلى حرق خيام القماش السميك المنصوبة على أراضيها في محافظات بغداد والبصرة وذي قار.
ومنذ مطلع تشرين الأوّل/أكتوبر الماضي، أحصت منظّمة العفو الدوليّة "آمنستي" سقوط أكثر من ٦٠٠ قتيل، من جرّاء التظاهرات والاعتصامات المدنيّة التي تشهدها نحو 11 محافظة في وسط العراق وجنوبه.
وفي ٢٥ و٢٦ كانون الثاني/يناير، أحصت المفوضيّة العليا لحقوق الإنسان في العراق، وهي منظّمة شبه حكوميّة، مقتل ١٢ شخصاً في محافظتيّ بغداد وذي قار، فيما أشارت إلى إصابة ٢٣٠ شخصاً في صفوف المتظاهرين والقوّات الأمنيّة الحكوميّة.
وهوّن المتحدّث العسكريّ باسم رئيس مجلس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي في تصريحاته لوسائل الإعلام من أرقام القتلى والمصابين، فيما اعترف رئيس الجمهوريّة برهم صالح بأعداد القتلى التي تصدرها المنظّمات الدوليّة.
وإثر العنف المتصاعد، أصدرت سفارات ١٦ دولة في العراق، بـ٢٧ كانون الثاني/يناير، بياناً مشتركاً دانت فيه القوّات الحكوميّة العراقيّة والفصائل المسلّحة لـ"استعمالها المفرط والمميت للقوّة ضدّ المتظاهرين السلميّين".
وضمّ البيان سفراء دول لها تأثير في مجلس الأمن الدوليّ مثل الولايات المتّحدة الأميركيّة وألمانيا وكندا وبريطانيا وإسبانيا وإيطاليا.
وهذه المرّة الأولى التي يتضامن فيها عدد كبير من الدول في ما بينه لإدانة العنف ضدّ المتظاهرين العراقيّين.
وفي ٣٠ كانون الثاني/يناير، أصدرت بعثة الأمم المتّحدة في العراق بياناً شديد اللهجة دانت فيه مجدّداً استعمال العنف ضدّ المتظاهرين، معتبرة أنّ "استمرار الخسارة في أرواح الشباب وإراقة الدماء اليوميّة أمر لا يحتمل".
وتضمّن بيان الأمم المتّحدة، الذي تداولته وسائل الإعلام على نطاق واسع، أرقاماً لضحايا الاحتجاجات أقلّ من الأرقام التي تعلنها المنظّمات الإنسانيّة.
وقال بيان بعثة الأمم المتّحدة في العراق "يونامي": "تَنسِب المعلومات الأوليّة معظم الوفيّات والإصابات إلى استخدام الذخيرة الحيّة وقنابل الغاز المسيّل للدموع، بينما وقعت إصابات إضافيّة نتيجة قيام قوّات الأمن بضرب المتظاهرين بالعصيّ".
وإنّ الأمر لا يتوقّف عند العنف الممارس ضدّ المحتجّين في ساحات الاحتجاج والاعتصام فحسب، وإنّما أيضاً تتمّ ملاحقة عدد من الناشطين والمدوّنين والصحافيّين المؤثّرين.
ووثّقت المفوضيّة العليا لحقوق الإنسان في العراق "49 حالة ومحاولة اغتيال، و72 حالة ومحاولة اختطاف طالت متظاهرين وناشطين ومدوّنين، منذ اليوم الأوّل للتظاهرات"، في الأوّل من تشرين الأوّل/أكتوبر من العام الماضي.
وأشارت المفوضية في بيان وزّعته على وسائل الإعلام في ٢٩ كانون الثاني/يناير إلى أنّها وثّقت "٥٠ حالة اعتداء على الصحافيّين بالضرب والتهديد واستنشاق الغازات المسيّلة للدموع ومهاجمة القنوات الفضائيّة وتكسير المعدّات ومنع الإعلاميّين من أخذ دورهم في تغطية التظاهرات".
ولم تتردّد سفارات الدول الـ16 ولا الأمم المتّحدة ولا المنظّمات الحقوقيّة في الإشارة إلى تورّط فصائل مسلّحة بالتعرّض للمتظاهرين.
ونفت هيئة الحشد الشعبيّ، التي تضمّ غالبيّة الفصائل المسلّحة في العراق، مسؤوليّتها عن العنف ضدّ المتظاهرين.
وفي الواقع، يدفع العنف الممارس ضدّ المحتجّين إلى الشعور بفقدان الثقة بحمايتهم من قبل السلطات الرسميّة أو أيّ جهة حكوميّة أخرى. وأدّى هذا الشعور إلى رفع شعارات، لأكثر من مرّة، تطالب بحمايتهم دوليّاً، فضلاً عن مطالبة مجلس الأمن باتّخاذ إجراءات ضدّ الحكومة والأحزاب العراقيّة لاستعمالهما العنف المفرط.
واتّصل "المونيتور"، عبر الهاتف، بالمتحدّث الرسميّ باسم الحكومة العراقيّة سعد الحديثي 5 مرّات لمعرفة وجهة نظر الحكومة بشأن المواقف الدوليّة الأخيرة، بيد أنّه لم يردّ على كلّ الاتصالات.
وفي المقابل، لا تتوانى النائبة في البرلمان العراقيّ عالية نصيّف عن وصف بيان سفارات الدول الـ16 بشأن التظاهرات بأنّه "تدخّل في الشؤون الداخليّة للعراق حسب كلّ المواثيق والأعراف الدوليّة"، مؤكّدة في حديث لـ"المونيتور" أنّ "ما يحدث ضدّ المتظاهرين هو عنف كبير".
ونصحت المتظاهرين بـ"اللجوء إلى القضاء العراقيّ لتقديم دعاوى ضدّ المتورّطين بقتلهم".
وأشار أستاذ العلوم السياسيّة في الجامعة المستنصريّة ببغداد عصام الفيلي إلى أنّ "الحكومة والأحزاب التي تدعمها لا تعي خطورة بيان الـ16 دولة ولا بيانات الأمم المتّحدة المندّدة باستعمال العنف"، لافتاً إلى أنّ "هذه الدول، التي هي جزء منها عضو دائم في مجلس الأمن الدوليّ، يمكن أن تطالب بمحاكمة المتورّطين بقتل المتظاهرين العراقيّين".
وأوضح عصام الفيلي، في حديث لـ"المونيتور"، أنّ "رفع شعار الأمم المتّحدة يشكّل ضغطاً لتدويل قضيّة العنف ضدّ الاحتجاجات في العراق ودفع المجتمع الدوليّ إلى ملاحقة المتورّطين بعمليّات قتل المتظاهرين".
لا يتوقّف الأمر على المتظاهرين للمطالبة بتدخّل دوليّ لإيقاف العنف ضدّهم، وإنّما بدأت أصوات سياسيّة تهدّد بالطلب نفسه، مثل رئيس "تحالف القرار" أسامة النجيفي ورئيس "ائتلاف الوطنيّة" أياد علاوي الذي أشار إلى تحرّك لإيصال صوت المتظاهرين إلى الجامعة العربيّة.