تداولت وسائل إعلام عراقيّة خلال الأيّام الماضية أنّ القضاء العراقيّ أكمل إجراءات عودة نائب رئيس الجمهوريّة الأسبق طارق الهاشمي ومحافظ الموصل السابق أثيل النجيفي ووزير المال الأسبق رافع العيساوي والشيخ علي السليمان إلى البلاد، بعد تسوية ملفّاتهم القضائيّة ضمن صفقة سياسيّة تأتي في إطار المصالحة السياسيّة.
إلّا أنّ القضاء العراقيّ سرعان ما نفى ترتيبات لإعادة الهاشمي والنجيفي والعيساوي والسليمان، قائلاً في بيان إنّ "الأخبار التي نقلتها إحدى الفضائيّات في خصوص ترتيبات لإعادة أشخاص مطلوبين للقضاء، وفق ترتيبات سياسيّة، عارية من الصحّة"، كما تباينت مواقف الأطراف السياسيّة السنّيّة والشيعيّة بين الرفض والترحيب.
ومعروف أنّ الهاشمي متّهم بقضايا إرهاب منذ عام 2011 واتّهم العيساوي بالفساد في عام 2013، والحال ذاته بالنسبة إلى النجيفي، فيما وجّهت تهم الإرهاب إلى الشيخ السليمان منذ عام 2013 وإدخال "داعش" إلى البلاد.
وعلى الرغم من نفي القضاء، قال محافظ الموصل السابق النجيفي لـ"المونيتور": "هناك خطوات قانونيّة تسير في صورة متسارعة في المحاكم العراقيّة، لإسقاط التهم الموجّهة ضدّي وضدّ وزير المال الأسبق رافع العيساوي، ولا أعلم شيئاً في خصوص الملفّات القضائيّة في شأن نائب رئيس الجمهوريّة الأسبق الهاشمي والشيخ السليمان".
وأشار إلى أنّ ما يحصل هو مجرّد عمل قانونيّ وقضائيّ ولا يندرج ضمن الصفقات السياسيّة كما أشيع أخيراً، إلّا أنّ رئيس الجمهوريّة برهم صالح ورئيس الوزراء عادل عبد المهدي هما من ساعدا في تهيئة الأجواء المناسبة للبدء بهذه الإجراءات لقناعتهما بضرورة عودتنا في هذا التوقيت لملء الفراغ السياسيّ في الموصل وكذلك الحال بالنسبة إلى العيساوي في الأنبار.
وبيّن النجيفي أنّ "بعض الأطراف السنّيّة التي تخشى عودتنا تحاول عرقلة الأمور، في وقت أيقنت الأطراف الشيعيّة التي كانت تقف ضدّ توجّهاتنا ضرورة لملمة الأوضاع والعمل مع قيادات سنّيّة تمتلك شعبيّة حقيقيّة، بدلاً من القيادات الطارئة". وأشار إلى أنّه من أصل 15 قضيّة رفعت ضدّه تمكّن من حلّ 6 قضايا والبقيّة في طريقها إلى التسوية ضمن قانون العفو العامّ.
ومن الناحية العمليّة، تبدو عودة النجيفي والعيساوي ممكنة بسبب التهم الموجّهة ضدّهما التي يمكن شمولها بقانون العفو العامّ الذي لا يتطرّق إلى قضايا الإرهاب التي اتّهم بها كلّ من الهاشمي والسليمان اللذين التزما الصمت تجاه الأنباء المتداولة عن عودتهما إلى المشهد السياسيّ في العراق.
وفي المعلومات التي حصل عليها "المونيتور" من مصدر قضائيّ مطّلع رفض الكشف عن اسمه، فإنّ توقيت إعلان عودة شخصيّات سنّيّة مطلوبة للقضاء كان من أجل التهيئة لمشروع مصالحة سياسيّة يجري الإعداد لها في أروقة رئاستي الجمهوريّة والوزراء، تهدف في الدرجة الأساس إلى إعادة الاستقرار إلى المناطق السنّيّة. ورجّح المصدر أن يكون إعلان اسمي الهاشمي والسليمان ومن ثمّ استثناؤهما من أجل الإيحاء بعدم وجود صفقة سياسيّة بعيدة عن القضاء على غرار ما حصل مع مجموعة من السياسيّين السنّة مثل محمد الدايني ومشعان الجبّوري.
وقد جاءت الاعتراضات السياسيّة على عودة شخصيّات سنّيّة متّهمة بالإرهاب والفساد في الأساس من كتلة شيعيّة نافذة ركّزت أحاديثها على اسم الهاشمي، الزعيم السابق للحزب الإسلاميّ العراقيّ"، حيث اعتبر المتحدّث باسم حركة عصائب أهل الحقّ نعيم العبودي في تغريدة على موقع التواصل الاجتماعيّ "تويتر" أنّ "عودة الهاشمي مستحيلة وأنّ العدوّ يستغلّ أيّ خبر مفبرك لكي يشغلنا عن قضايانا الأساسيّة"، كما اعترضت قيادات في تحالف البناء المكوّن من ائتلافي الفتح ودولة القانون على أيّ صفقة تتجاوز القضاء في ملفّات الإرهاب والفساد.
أمّا على مستوى الكتل السنّيّة، فإنّها منقسمة أيضاً في خصوص عودة الشخصيّات المستبعدة، بحسب النائب السابق عن محافظة نينوى عبد الرحمن اللويزي الذي أوضح لـ"المونيتور" أنّ "الوضع في غاية التعقيد بسبب حاجة هؤلاء إلى تنازل مدّعي الحقّ الشخصيّ وهم كثر، حتّى يتمّ شمولهم بقانون العفو وخصوصاً في ما يتعلّق بقضايا الإرهاب".
وبيّن اللويزي أنّ زعيم كتلة متّحدون أسامة النجيفي وهو شقيق محافظ الموصل أثيل النجيفي يتمنّى عودة الأخير ووزير المال السابق العيساوي إلى المشهد السياسيّ، كونهما من قيادات كتلته، فيما ترفض باقي الكتل السنّيّة عودتهما من جديد.
ولفت زعيم كتلة الحلّ السنّيّة محمّد الكبرولي الذي بدا ممتعضاً من أنباء عودة الشخصيّات الأربع إلى إمكان تعميم الفكرة لتشمل أيضاً معتقلي التيّار الصدريّ وكلّ العراقيّين الذين صدرت في حقّهم قرارات قضائيّة بدوافع سياسيّة، بحسب تغريدة له في 2 آذار/مارس الجاري. وعلى العكس، رأى النائب عن كتلة المحور السنّيّة أحمد الجبّوري في تغريدة أخرى على "تويتر" أنّ "رافع العيساوي الذي أبعد عن المشهد السياسيّ في ظروف غامضة وغير مقنعة وصدرت أحكام غيابيّة متعدّدة في حقّه، اليوم يستطيع أن يأتي وبمجرّد مثوله أمام القضاء، تلغى كلّ الأحكام السابقة ويتّخذ القضاء قراره النهائيّ الباتّ في أمره والحال نفسه للسيّد طارق الهاشمي، الأمر قضائيّ في النهاية".
وعلى أيّ حال، فإنّ أنباء عودة الشخصيّات السنّيّة الأربعة المتّهمة بالإرهاب والفساد اذا لم تكن ضمن صفقة أو حراك سياسيّ للمصالحة، فإنّها أشبه ببالون اختبار أطلقته الكتل السياسيّة التي ينتمي إليها هؤلاء بهدف بحث ملفّاتهم من جديد واختبار رأي الشارع والوسط السياسيّ. وفي الحالتين، فإنّ القضاء العراقيّ سيكون من جديد في موضع الجدل، فإذا ثبتت براءتهم، فعليه أوّلاً محاسبة الجهات التي اتّهمتم أو البحث عن الأطراف الحقيقيّة المسؤولة عن حوادث الإرهاب والفساد، على أقلّ تقدير، وبخلافه، فإنّ شبهات الصفقة السياسيّة سترافق أيّ عفو أو حكم بالبراءة يطال أيّ شخصيّة متّهمة.