عندما دخل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قاعة مؤتمر الليكود فى الكنيست في 6 تشرين الثاني/ نوفمبر، كان يُدرك تمامًا أن عائلات ضحايا الإرهابيين ستكون بإنتظاره هناك. إنها العائلات ذاتها التي أطلقت إضراباً عن الطعام [في خيمة احتجاجية] أمام مقر إقامته في القدس خلال الأسبوعين الماضيين. وتتطالب هذه المجموعة بمئات ملايين الشواقل التي تزعم أنها وُعدت بتخصيصها لتمويل طرق التفافية حول القرى العربية وتزويد مستوطناتهم بتدابير دفاعية.
ووصل نتانياهو وبحوزته شيكًا بقيمة 200 مليون شيكل (57 مليون دولار) مخصص لزيادة التدابير الأمنية على طرق الضفة الغربية، بعد أن ناقش المسألة مع وزير المالية موشيه كاهلون. وعلى الرغم من أن قادة هذه العائلات كانوا يعرفون ذلك مسبقًا، غير أنهم رفضوأ إيقاف هجومهم المنظم على نتنياهو فيما تم بث الأحداث مباشرة على جميع وسائل الإعلام بحضور ممثلين في القاعة.
واستفاد كلا الجانبين – ممثلي المستوطنين نتنياهو - من هذا الحدث الذي تم الترويج له على نطاق واسع. ويعتبر المستوطنون أن مبلغ 200 مليون شيكل هو مجرد قطرة في المحيط. فهم يريدون الحصول على حزمة أمنية تشمل تمويل رصف الطرق الالتفافية، وتركيب أعمدة إنارة في الشوارع وكاميرات مراقبة أمنية وأسوار متطورة وإحداث تحسينات في البنية التحتية لشبكة الهاتف المحمول، والتي تبلغ كلفتها 3 مليارات شيكل على الأقل (850 مليون دولار). من جهته يرى نتنياهو أن هذا الهجوم عليه سمح له بالإضاءة على "إنجاز" على صعيد الميزانية يلقى استحسان اليمين بل وربما يُشتت انتباه الجمهور عن تحقيقات الشرطة مع اثنين من زملائه وهما المحاميين ديفيد شمرون واسحق مولخو، في فضيحة الغواصات الألمانية.
وفي الظروف العادية، يتقصد نتنياهو الوصول متأخرًا لاجتماعات الليكود ولكنه هذه المرة وصل في الوقت المحدد وصرّح قائلاً: "أنا قادم من اجتماع مع وزير المالية حيث قررنا معًا أن نخصص فورًا مبلغ 200 مليون شيكل لتمهيد الطرق التي تم الاتفاق عليها ... في مطلع كانون الثاني / يناير المقبل ستبدأ الحكومة مناقشة تخصيص مبلغ 600 مليون شيكل إضافي للإنتهاء من الطرق [الالتفافية] وأعمدة الإضاءة ".
وعلى الرغم من[أهمية] هذا الإعلان، قاطعته عائلات ضحايا الإرهابيين. وقد كان يعلم بأن هذا سيحدث، فترك لهم نتانياهو المجال لمهاجمته أمام الكاميرات بقدر ما يريدون، حتى أنه أسكت عضو الكنيست نافا بوكر عندما حاولت أن تعلو على أصوات المحتجين لتؤكد لهم بأن احتجاجاتهم حققت هدفها. وهي على حق في ذلك، فقد تم بالفعل تحويل هذه المبالغ.
أظهر نتنياهو تعاطفه مع العائلات ومطالباتهم وعلت وجهه تعابير صارمة وهو يستمع إلى أدفا بيتون، وهي والدة الطفلة أديل التي أصيبت حين كانت تبلغ من العمر عامين فقط في عام 2013 بحجر رُمي عليها في طريق سريع في الضفة الغربية وتوفيت متأثرة بجروحها في عام 2015. وصرخت أدفا قائلة: "دفنت ابنتي بعمر أربعة أعوام وثمانية أشهر، ماذا تنتظرون، الكارثة التالية؟".
الأمن حفرة لا قاع لها. فلا يوجد حدّ لما يمكن أتخاذه من تدابير دفاعية وفي ما يتعلق بالجدار والطرق الالتفافية. ولكن معرفة الحقيقة لا تقل عن هذه [التدابير] أهمية على صعيد الأمن الشخصي. لن تمنع أي من هذه التدابير الأمنية الإرهاب.
وقد اكتسبت احتجاجات المستوطنين المطالبين بمزيد من التدابير الأمنية زخمًا في تموز/ يوليو الماضي بعد الهجوم المروع في مستوطنة حلميش حين تسلل فلسطيني إلى المستوطنة ودخل منزل عائلة سلومون وقام بقتل يوسف وإبنته شايا وابنه العاد الذين كانوا يجلسون حول مائدة الطعام لتناول وجبة السبت. بعد أن فقدت والدها وشقيقيها في هذا الهجوم كتبت راشيلي منزالي، وهي ابنة سالومون الباقية على قيد الحياة، رسالة إلى رئيس الوزراء تقول فيها: "أجد صعوبة في فهم كيف لا يسمح زعيم المعسكر الوطني بتوفير الاحتياجات الأمنية الأساسية إلى المستوطنات والطرق الرئيسية في يهودا والسامرة ".
وبحسب المكتب المركزى للاحصاء يعيش حوالى 400 الف يهودي الآن فى الكتل الاستيطانية الرئيسية والمستوطنات والبؤر الاستيطانية المعزولة فى الضفة الغربية وهم يتعرضون للإرهاب بشكل يومي بسبب قربهم من السكان الفلسطينيين المحليين والاحتكاك الذي ينجم عن ذلك. ويعتبر هؤلاء أن طلبهم من الحكومة اليمينية بالعمل على تحسين أمنهم الشخصي أمر طبيعي ويجب إعتباره من المسلّمات.
من جهته يُقدر وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان تكلفة خطة شاملة لتحسين الأمن بحوالي 3.3 مليون شيكل (938،000 دولار). وقد توصّل إلى هذا التقييم في لقاء مع قادة المستوطنين استنادًا إلى خطة أعدتها وزارته. غير أن ليبرمان بعد ذلك قال أنه لا توجد ميزانية لهذا الغرض، مما دفع بالمستوطنين إلى ممارسة ضغوط سياسية للعثور على التمويل.
وتبدو رغبة المستوطنين في منع الهجوم التالي أكثر من مجرد حلم وهمي، لا سيما في ظل استمرار الظروف الدبلوماسية للاحتلال أو تأزم الأوضاع. وبعبارة أخرى، لن تكون الضفة الغربية مكانًا آمنًا للمواطنين والجنود الإسرائيليين ما دام الفلسطينيون يتطلعون إلى حقهم بتقرير مصيرهم. وسيبقى الوضع كما هو عليه حتى لو تم استثمار مليارات الشواقل من ميزانية الدولة في رصف الطرق الالتفافية وتركيب أعمدة الإنارة ونقاط التفتيش. إن الحقائق غنية عن التوضيح. سيتم دائمًا إيجاد الطرق لإطلاق الهجوم التالي.
غابت وجهة النظر هذه عن مناقشات اجتماع الليكود الذى عقد فى الاول من نوفمبر/ تشرين الثاني والذى تخلله مناقشة سياسية حول احتجاج المستوطنين [أهالي ضحايا الإرهاب]. ولم تستغل أي من الشخصيات الرئيسية في اليسار الوسطي الفرصة لطرح تحدّي من خلال إثارة هذه المسألة. ويمكن الافتراض أن السبب يعود لإنشغال الطرفين الرئيسيين في ذلك المعسكر، كل من حزب العمل وحزب "يش عتيد" (هناك مستقبل)، باستثمار موارد ضخمة لإكتساب الأصوات من اليمين الإسرائلي.
وفي هذا السياق، يجدر أن نتذكّر سنوات الإرهاب القاسية في قطاع غزة على مثال العمليات التي طالت محور صلاح الدين (فيلاديلفيا) الممتد على طول الحدود بين غزة ومصر. ومنذ بداية الانتفاضة الأولى في عام 1987 وحتى فك الارتباط عام 2005، كاد أن يكون من المستحيل على سكان كتلة غوش قطيف الإستيطانية العيش حياة طبيعية نتيجة الإرهاب. ولم تتوقف العمليات الإرهابية حتى بعد استثمار مبالغ ضخمة من الأموال في تدابير دفاعية متطورة ونشر أعداد هائلة من القوات في المنطقة.
وتجدر الإشارة إلى أن المستوطنين إضطروا إلى نقل الأطفال إلى المدارس في حافلات مدرعة وسط ظروف أمنية مشددة، لكن الهجمات الإرهابية لم تتوقف. واستبدل الفلسطينيون قنابل المولوتوف (الزجاجات الحارقة) بالبنادق وقذائف المدفعية، مما جعل من الجنود الإسرائيليين هدفاً سهلاً. ويُشار في هذا السياق إلى أن الملف الأمني من حيث التكلفة والفعالية كان من بين الأسباب التي أدت إلى فك الارتباط.
ويجب أن يتضمن النقاش السليم حول كيفية ضمان أمن المستوطنات في الضفة الغربية إحتمال فشل أي استثمار في المجال الأمني، مهما كان سخيًا، في منع تسجيل الموجة التالية من الإصابات نتيجة الإرهاب الفلسطيني. ولا يعني هذا الأمر أنه ينبغي ترك المستوطنين لمصيرهم، غير أن ذلك بعيد تماماً عن واقع الحال. وقد أظهرت الدراسات والبحوث على مدى السنوات القليلة الماضية أن الميزانية [الأمنية] لكل يهودي إسرائيلي تتخطى الميزانية المخصصة للشخص الواحد في المناطق داخل الخط الأخضر. وفي غياب الشفافية في هذا الشق من الميزانية من الصعب معرفة ما الذي تغطيه هذه المبالغ فعلًا.
ومع ذلك، هناك شيء واحد مؤكد: الأمن حفرة لا قاع لها. فلا يوجد حدّ لما يمكن أتخاذه من تدابير دفاعية وفي ما يتعلق بالجدار والطرق الالتفافية. ولكن معرفة الحقيقة لا تقل عن هذه [التدابير] أهمية على صعيد الأمن الشخصي. لن تمنع أي من هذه التدابير الأمنية الإرهاب.