للمرّة الأولى منذ بداية عام 2020، قصف الطيران الإسرائيليّ مساء 15 كانون الثاني/يناير أهدافاً في قطاع غزّة تابعة إلى حماس، عقب إطلاق 4 صواريخ من غزّة نحو مستوطنات في جنوب إسرائيل، من دون إصابات فلسطينيّة وإسرائيليّة.
وأعادت وحدة الإرباك الليليّ مساء 19 كانون الثاني/يناير تفعيل أنشطتها قرب الحدود الشرقيّة للقطاع، ردا على إطلاق الصواريخ الإسرائيلية، حيث أطلق الفلسطينيّون عشرات العبوات المتفجّرة والبالونات المفخّخة نحو قوّات الجيش والمستوطنات هناك، وهذه الوحدات تتكون من مئات الفتية والشبان الفلسطينيين، يبدأون عملهم مع ساعات الليل الأولى بالتوجه لمناطق الشريط الحدودي شرقي قطاع غزة، ويُطلقون ألعاباً ومفرقعات ناريةً، وقرع الطبول، مستخدمين سماعات ومكبرات صوت، وإطلاق العنان لأبواق مزاميرهم، وبث أغانٍ وطنية وأصوات أهازيج مرتفعة عبر سماعات كبيرة، لإزعاج الجنود الإسرائيليين والمستوطنين قرب الحدود، بهدف خلق أجواء من الخوف لديهم، من خلال إلقاء قنابل صوت يدوية، ومفرقعات مصنوعة من مواد بدائية في غزة.
أوقفت هذ الوحدات فعاليّاتها في آذار/مارس 2019 بطلب مصريّ، لإقناع إسرائيل بإدخال تحسينات معيشيّة على غزّة، وتنفيذ التفاهمات المبرمة بين حماس وإسرائيل في تشرين الأوّل/أكتوبر 2018 لتخفيف حصار غزّة.
لكن التطور الأخطر في غزة حصل مساء 21 يناير، جاء بإعلان الجيش الإسرائيلي قتل 3 فتيان فلسطينيين على حدود قطاع غزة، بزعم أنهم حاولوا التسلل للجانب الإسرائيلي باجتيازهم للسياج الفاصل قرب مستوطنة "كيسوفيم"، وإلقاء عبوة ناسفة باتجاه قواته، وهم: محمد أبو منديل، وسالم النعامي، ومحمود سعيد، وأعمار الثلاثة 18 عاما، ولم ترد الفصائل الفلسطينية على هذا الحادث حتى اللحظة، الذي يصب المزيد من الزيت على نار التوتر القائم أصلا في غزة.
تلاحقت هذه التطوّرات فجأة في الأيّام الأخيرة، بفعل جملة أحداث متزامنة، أهمّها صدور التقدير السنويّ لشعبة الاستخبارات العسكريّة الإسرائيليّة-أمان، في 14 كانون الثاني/يناير، الذي لم يستبعد اندلاع جولات قصيرة من المواجهة في غزّة.
قال عضو مكتب العلاقات الوطنيّة في حماس محمود مرداوي لـ"المونيتور" إنّ "البالونات الحارقة أحد أشكال النضال الفلسطينيّ، وطالما أنّ إسرائيل أخلّت بما تعهّدت به أمام مصر وقطر والأمم المتّحدة في تفاهمات تشرين الأوّل/أكتوبر 2018، فالمقاومة في طريقها للعودة إلى ما كان عليه الوضع من تصعيد سبق ذلك التاريخ". وأضاف: "قد يكون لدى إسرائيل توجّه إلى التلكّؤ بتنفيذ التفاهمات عشيّة انتخاباتها في آذار/مارس، ولو أدّى ذلك إلى موجة تصعيد مع غزّة، لكنّ المقاومة لن تسمح بأن تكون غزّة ملعباً للمتنافسين الإسرائيليّين في الانتخابات، وستستمرّ باستخدام أدواتها النضاليّة، وقد تتطوّر الأمور إلى مواجهات عسكريّة محدودة، وإن حصل تطوّر أمنيّ غير متوقّع، فقد نكون أمام سيناريوهات صعبة لم يتنبّأ بها أحد مسبقاً".
تزايد التوتّر الأمنيّ بين حماس وإسرائيل في غزّة مع غياب الوفد الأمنيّ المصريّ عن غزّة، بعد الإعلان في 6 كانون الثاني/يناير عن ترقّب مجيئه، لكنّه لم يأت، بسبب ما قيل عن غضب مصر من حماس عقب زيارة زعيمها اسماعيل هنيّة إلى إيران في 6 كانون الثاني/يناير، وكانت آخر زيارة للمخابرات المصريّة إلى غزّة في أيلول/سبتمبر 2019.
لكنّ المستشار الإعلاميّ لهنيّة طاهر النونو نفى في تصريح صحافيّ في 19 كانون الثاني/يناير، وجود توتّر مع مصر، مؤكّداً أنّ العلاقة مستقرّة ومحوريّة، وتعيش حالة من الاستقرار والتنسيق في الملفّات كافّة.
قال الناطق باسم لجان المقاومة الشعبيّة محمّد البريم أبو مجاهد لـ"المونيتور": "إنّ المقاومة تراقب الوضع الأمنيّ في غزّة وعلى حدودها، ولن توقف ضغطها على إسرائيل حتّى تمتثل لما هو مطلوب منها بتخفيف الحصار، وإن صعّدت ردودها بقصف مواقع المقاومة العسكريّة، فقد نلجأ إلى تفعيل خيارات أخرى، وسنكون على أهبّة الاستعداد لمواجهة أيّ توجّه إسرائيليّ بتغيير قواعد الاشتباك. الأزمة الداخليّة الإسرائيليّة قد تدفع الحكومة الإسرائيليّة إلى التصعيد العسكريّ ضدّ غزّة، لكنّ المقاومة جاهزة لمواجهة أسوأ الاحتمالات".
أبلغت محافل عسكريّة إسرائيليّة قناة "كان" الإسرائيليّة في 15 كانون الثاني/يناير بأنّ عناصر متمرّدة في حركة الجهاد الإسلاميّ مسؤولة عن إطلاق الصواريخ في اليوم ذاته، مع أنّ أيّاً من الفصائل الفلسطينيّة لم تتبنّ إطلاقها، لكنّ اللافت أنّ إسرائيل قصفت مواقع لحماس، لأنّها تعتقد أنّ حماس هي "ربّ البيت" في غزّة، ومسؤولة عن كلّ عمل يصدر من القطاع، بغضّ النظر إن كانت هي من نفّذته أم منظّمات أخرى.
قال المحلّل السياسيّ القريب من حركة الجهاد الإسلاميّ حسن عبدو لـ"المونيتور" إنّ "التصعيد الأخير مرتبط بتشديد الحصار الإسرائيليّ على غزّة، ممّا أعاد حالة اللاهدوء إلى غزّة التي سادت منذ انطلاق مسيرات العودة في آذار/مارس 2018". وأضاف: "إسرائيل تحاول إظهار حركة الجهاد الإسلاميّ كحالة منفلتة، وغير منضبطة وفق الإجماع الفلسطينيّ، ممّا يتطلّب بنظر إسرائيل ردعها، وهذا كلام غير صحيح. أمامنا 40 يوماً قبل الانتخابات الإسرائيليّة، ممّا يشجّع فرضيّة اندلاع جولات تصعيديّة ضدّ غزّة لدواعٍ انتخابيّة، من دون حرب واسعة".
وأعلنت القناة 13 الإسرائيليّة في 20 كانون الثاني/يناير أنّ إسرائيل أرسلت تهديداً إلى حماس بسبب استمرار إطلاق البالونات من غزّة، مع وجود مخاوف أمنيّة إسرائيليّة من سعي حماس إلى الضغط على إسرائيل لتعطيل قمّة إحياء ذكرى الهولوكوست بمشاركة 40 من كبار قادة دول العالم، التي ستعقد في القدس في 23 كانون الثاني/يناير.
وكشفت القناة 12 الإسرائيليّة في 19 كانون الثاني/يناير أنّ إسرائيل نقلت رسالة تهديد إلى حماس عبر طرف ثالث، لم تحدّده، بأنّها، في حال استمرّ إطلاق البالونات الحارقة والمتفجّرة، لن تتردّد في العمل على وقفها، ولو أدّى ذلك إلى تصعيد عسكريّ.
قال رئيس تحرير شبكة الهدهد الإخباريّة للشؤون الإسرائيليّة سعيد بشارات لـ"المونيتور": إنّني لا أعتقد بحدوث تصعيد عسكريّ كبير بين حماس وإسرائيل، فإسرائيل اليوم تبحث عن الهدوء الأمنيّ بأيّ ثمن، وحماس تعرف المأزق الإسرائيليّ الداخليّ، لذلك فهي تضغط عليها كي تحصل على ما تريد، من دون دفع إسرائيل إلى ردّ قاسٍ قد يجرّ إلى تصعيد مبالغ به. المتوقّع أنّ حالة الفعل وردّ الفعل بينهما ستستمرّ كما هو متّبع حتّى اليوم، من دون معرفة مآلاتها".
ممّا قد يزيد من توتّر غزّة ظهور أزمات إنسانيّة جديدة، آخرها ما أعلنته جمعيّة أصحاب محطّات الغاز في غزّة في 20 كانون الثاني/يناير، عن عدم دخول أيّ كمّيّات من الغاز الإسرائيليّ والمصري منذ 10 أيّام، وهي أزمة لم تحدث منذ 3 سنوات، فلا يوجد غاز للمواطنين والمخابز والمصانع والمزارع والمستشفيات.
وذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" في 16 كانون الثاني/يناير أنّ الغضب المصريّ على حماس بسبب زيارة هنية إلى إيران، وصل إلى فرض عقوبات برفع أسعار السلع المصدّرة إلى غزّة، ورسوم جديدة على المغادرين من غزّة عبر معبر رفح، رغم أن خليل الحية عضو المكتب السياسي لحماس أعلن في مؤتمر صحفي بغزة يوم 21 يناير، أنه لا علاقة لأزمة الغاز في غزة بالعلاقة مع مصر، بل لأسباب وحسابات تجارية بحتة.
وفي 16 كانون الثاني/يناير، أعلن المستشار الإعلاميّ لوكالة الأمم المتّحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيّين في الشرق الأدنى "الأونروا" عدنان أبو حسنة في تصريح صحافيّ أنّ قطاع غزّة منهار تماماً على كلّ المستويات، مستذكراً تقرير الأمم المتّحدة لعام 2018 بأنّ غزّة في عام 2020 ليست قابلة للحياة.
كلّ ذلك يشير إلى أنّنا أمام تدهور إضافيّ للوضع الإنسانيّ في غزّة، ممّا يدفع إلى زيادة التوتّر الأمنيّ، ومخاوف انزلاق أيّ تصعيد إلى مواجهة مفتوحة مع إسرائيل لا يقوى الفلسطينيّون على تحمّل أعبائها، وقد تستغلّها الحكومة الإسرائيليّة لتحسين وضعها الانتخابيّ الداخليّ، أمّا حماس فقد تستخدم قوّة عسكريّة أكثر من جولات سابقة، بما يتسبّب في خسارة اليمين الإسرائيليّ الانتخابات.