رام الله – الضفّة الغربيّة: نشرت هيئة البثّ الإسرائيليّ في الأوّل من نيسان/ابريل تقريراً حول خطّة أعدّتها وزارة الإسكان الإسرائيليّة، بالتعاون مع مجلسيّ الجولان الإقليميّ ومستوطنة "كتسرين" في الجولان، تهدف إلى توطين 250 ألف مستوطن في الجولان حتّى عام 2048، بعد أسبوع واحد من اعتراف الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب بسيادة إسرائيل على الجولان.
وتهدف الخطّة الإسرائيليّة، حسب ما نشرته هيئة البثّ الإسرائيليّ، إلى بناء 30 ألف وحدة سكنيّة جديدة في مستوطنة "كتسرين" ومستوطنتين جديدتين، وتوفير 45 ألف وظيفة عمل وتطوير شبكات النقل، بما في ذلك سكك القطارات والمطارات، وتنظيف 80 ألف دونم من الأراضي من الألغام، لكنها لم تشير الى اي تفاصيل اخرى سواء متى سيبدأ العمل بالخطة او من هم الشريحة التي سيتم توظيفها ونقلها الى الجولان، ودون تأكيد او نفي لوزارة الاسكان.
وقال مدير وحدتيّ "المشهد الإسرائيليّ" والترجمة في المركز الفلسطينيّ للدراسات الإسرائيليّة "مدار" (مركز بحثيّ مستقلّ متخصّص بالشأن الإسرائيليّ مقره في رام الله وسط الضفة الغربية) أنطوان شلحت لـ"المونيتور": "إنّ الكشف عن خطّة طويلة الأمد لتهويد الجولان لم يكن ليتمّ من دون القرار الأميركيّ"، خصوصاً أنّ الإدارات الأميركيّة المتعاقبة اعتبرت الجولان أرضاً محتلّة، وعارضت القانون الإسرائيليّ بضمّ الجولان في عام 1981.
وكان الكنيست الإسرائيليّ صادق في 15 كانون الأوّل/ديسمبر من عام 1981، على قانون بضمّ مرتفعات الجولان وفرض الولاية القضائيّة الإسرائيليّة عليها، لكنّ القرار قوبل برفض دوليّ تمثّل بقرار مجلس الأمن رقم 497 في 17 كانون الأوّل/ديسمبر من عام 1981، والذي اعتبر القانون الإسرائيليّ لاغياً وباطلاً، وطالب إسرائيل بإلغائه.
وأوضح أنطوان شلحت أنّ "إطلاق الخطّة الاستيطانيّة في الجولان يؤكّد أهميّة القرار الأميركيّ في إسرائيل، الذي سمح لها بإطلاق مشاريعها الاستيطانيّة السياحيّة والاقتصاديّة والسكانيّة"، لافتاً إلى أنّ "الخطّة كانت معدّة سابقاً. وفور قرار ترامب، تمّ الإعلان عنها".
ولطالما تعهّدت إسرائيل بتمسّكها بمرتفعات الجولان ورفضها التنازل عنها. ولقد عقدت الحكومة الإسرائيليّة، للمرّة الأولى، اجتماعها في مرتفعات الجولان بنيسان/إبريل من عام 2016، وتعهّد آنذاك رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو بـ"أن تبقى مرتفعات الجولان إلى الأبد في يدّ بلاده"، مطالباً العالم بالاعتراف بسيادة إسرائيل عليها.
كما قرّرت إسرائيل، للمرّة الأولى منذ السيطرة على الجولان في عام 1967، إجراء انتخابات للسلطات المحليّة في قرى الجولان الأربع: مجدل شمس، بقعاثا، مسعدة، وعين قينيا، في 30 تشرين الأوّل/أكتوبر من عام 2018، وهو القرار الذي رفضه السكّان ومعظمهم من الطائفة الدرزية وقاطعوه، الأمر الذي أدىّ إلى انسحاب المرشّحين من سكان الجولان من الطائفة الدرزية في بقعاثا ومسعدة، بينما كانت نسبة التصويت في مجدل شمس وعين قينيا متدنيّة.
ودأبت اسرائيل منذ احتلالها للجولان في عام 1967، على تعيين اعضاء ورؤساء المجالس المحلية في الجولان، دون ان تجري اي انتخابات محلية فيها، الى ان قرر وزير الداخلية الاسرائيلي ارييه درعي اجراء الانتخابات في قرى الجولان ، وفق القانون الإسرائيلي، في 30 تشرين الاول/اكتوبر 2018.
وتسيطر اسرائيل بالكامل على قرى الجولان وسكانها والذين ينحدر معظمهم من الطائفة الدرزية ويعملون بالرعي والزراعة، ويخضعون لقانون الضم الإسرائيلي الذي صدر عام 1981.
وحسب إحصائيّات "المرصد" (المركز العربيّ لحقوق الإنسان في الجولان - مؤسّسة حقوقيّة مستقلّة)، يعيش في مرتفعات الجولان نحو 26 ألف سوريّ، بينما أقامت إسرائيل 34 مستوطنة، يعيش فيها نحو 26 ألف مستوطن حسب تقرير لهيومان رايتس ووتش، وهي أرقام ضئيلة مقارنة بواقع الاستيطان في الضفّة الغربيّة، علماً بأنّ إسرائيل سيطرت عليهما خلال عام 1967.
وعن ضعف الاستيطان خلال السنوات السابقة في الجولان، قال شلحت: "منذ احتلال الجولان عام 1967، كانت هناك قناعة إسرائيليّة غير معلنة، بأنّه في حال التوصّل إلى سلام مع سوريا، فإنّ مرتفعات الجولان ستعود الى سوريا. وفي جولات المفاوضات الإسرائيليّة – السوريّة، كانت هناك موافقة إسرائيليّة غير معلنة على اعادة الجولان الى سوريا مقابل التطبيع وتوقيع معاهدة سلام".
ولفت إلى أنّ هذا الموقف "عبّر عنه رئيس الوزراء الإسرائيليّ الأسبق اسحاق رابين خلال المفاوضات بين عاميّ 1993 و1996 حين تعهّد للولايات المتّحدة بالانسحاب من مرتفعات الجولان، مقابل السلام وتطبيع العلاقات مع سوريا"، ولكن هذا الأمر انتهى مع قرار دونالد ترامب.
وعلى المستوى الشعبيّ في الجولان، قوبل قرار ترامب بتنديد واحتجاجات شعبيّة، إذ تظاهر 300 سوري من الدروز في 2 نيسان/إبريل ضدّ القرار وضدّ مشروع إسرائيليّ لإقامة 31 توربيناً للرياح وهي خطة حكومية اسرائيلية جرى الموافقة عليها عام 2014، مؤكّدين أنّ الجولان سيبقى أرضاً سوريّة، وفق صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيليّة.
وقال الناشط السياسيّ سلمان فخر الدين، وهو يعيش في مجدل شمس، لـ"المونيتور": "إنّ قرار ترامب هو توأم لقرار اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، وهو دليل على عدم احترام القانون الدوليّ الذي يقرّ بأنّ الجولان أرض محتلّة".
وعن تخوّفات السكّان من تداعيات قرار ترامب وطرح إسرائيل خطّة استيطانيّة في الجولان، قال سلمان فخر الدين: "نحن نعيش تحت الاحتلال منذ 50 عاماً، وقرار ترامب لن يغيّر شيئاً. وفي النهاية، هذه الأرض سوريّة محتلّة، وصاحبة السيادة عليها هي الدولة السوريّة وهي الملزمة بتحريرها".
أضاف: "نحن كسكّان نقوم بواجبنا تجاه أرضنا، لكنّ طاقاتنا محدودة ولا تتعدّى المقاومة السلميّة الشعبيّة، ونصرّ على رفض الاحتلال وعدم الاعتراف به".
وتابع فخر الدين: "إنّ الاستيطان في الجولان لم يتوقّف منذ عام 1967، والإعلان عن الخطّة الاستيطانيّة يأتي في ظلّ الدعاية الانتخابيّة الإسرائيليّة".
وأردف: "إنّ الاستيطان في الجولان خلال السنوات الماضية لم يكن ملحّاً لإسرائيل، كما هو في الضفّة الغربيّة القريبة من مركز الدولة، لكنّ إسرائيل ستعمل خلال الفترة المقبلة على توسيع المستوطنات في الجولان، ونحن لا يمكننا إلاّ الصمود، لأنّنا لا نملك سوى ما نقف عليه".
أمّا المحامي مجد أبو صالح، الذي يعيش في مجدل شمس، فقال لـ"المونيتور": "إنّ قرار ترامب لن يغيّر شيئاً من انتمائنا لسوريا وموقفنا الرافض لأن نكون جزءاً من إسرائيل. ولقد عبّرنا عن ذلك من خلال مظاهرات شعبيّة في قرى الجولان. وطالما نحن تحت الاحتلال، فهذا القرار لن نتعامل معه".
أضاف: "إنّ إسرائيل تسعى إلى تهويد الجولان منذ اليوم الأوّل لاحتلاله، وأقامت المستوطنات، لكنّ قرار ترامب سيشجّعها على مزيد من التهويد".
ولفت إلى أنّ الإعلان عن خطّة إسرائيليّة لتوطين 250 ألف مستوطن في الجولان كانت خطوة متوقّعة، وقال: "نحن نعرف جيّداً سياسة التهويد وفرض الأمر الواقع، التي تتّبعها إسرائيل منذ سنوات لفرض سيادتها وهيمنتها على الجولان، لكنّنا كسكّان مدنيّين تحت الاحتلال عبّرنا وسنعبّر عن وقوفنا ضدّها، وإنّ الجهد الأكبر يبقى على الدولة السوريّة والعالم العربيّ من أجل استعادة الجولان".
وفي الوقت الذي لا يملك فيه سكّان الجولان سوى الاحتجاج على اعتراف ترامب بالسيادة الإسرائيليّة على الجولان واستمرار الحرب في سوريا، مثّل القرار الأميركيّ ضوءاً أخضر لإسرائيل لتنفيذ مشاريعها الاستيطانيّة في الجولان، كما تشاء.