ذكرت صحيفة "هآرتس" في 12 كانون الثاني/يناير أنّ الجيش الإسرائيليّ منذ يوم 2 كانون الثاني/يناير يطلب من المسافرين الفلسطينيّين من قطاع غزّة عبر معبر إيريز تعبئة استبانة مكتوبة باللغة العربيّة.
أسئلة الاستبانة الـ17 جاءت منوّعة وتتناول أوضاع غزّة على الأصعدة الاقتصاديّة والأمنيّة والمصالحة وأزمة الكهرباء، ولعلّ من الأسئلة المثيرة كان: من سيحكم غزّة بعد 3 سنوات؟
وفي هذا السياق، قال عزيز، وهو اسم مستعار لفلسطينيّ خرج من غزّة في 13 كانون الثاني/يناير، لـ"المونيتور": "إنّ المخابرات الإسرائيليّة قدّمت إلي الاستبانة فور دخولي معبر إيريز، صحيح أنّها أسئلة عاديّة، لكنّ الإجابة الدقيقة عليها تقدّم إلى الإسرائيليّين صورة عن طبيعة الأوضاع السائدة في غزّة. كما أنّ هناك أسئلة ذات دلالات سياسيّة وأمنيّة مثيرة للفضول، مثل السؤال عن مدى استقرار الوضع الأمنيّ في غزّة، وما الذي قد يتسبّب بتدهوره، مع العلم أن المخابرات الإسرائيلية لا تجبر أحدا من الفلسطينيين المسافرين عبر معبر إيريز على تعبئة الاستبانة، بل تترك لكل مسافر حرية اتخاذ القرار، إما الموافقة على تعبئة الاستبانة أو الرفض".
لكن موقع غزة بوست ذكر يوم 15 يناير أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تجبر الفلسطينيين المسافرين عبر معبر إيريز على تعبئة الاستبانة.
وفي ظلّ إغلاق معبر رفح، الذي لم يفتح في عام 2017 سوى 29 يوماً فقط، رغم وصول أعداد المسجّلين للسفر عبر معبر رفح إلى 30 ألفاً على مدار العام، فإنّ سفر فلسطينيّي غزّة عبر معبر إيريز يزداد ويخرج منه ألف فلسطينيّ يوميّاً باتّجاه إسرائيل كالمرضى، التجّار، طلاّب الجامعات، المصلّين في المسجد الأقصى، وموظّفي المنظّمات الدوليّة العاملين في غزّة.
وقال أستاذ العلوم الأمنيّة في كليّة العودة بغزّة إسلام شهوان لـ"المونيتور": "إنّ الاستبانة خطيرة، رغم أنّ بعض الفلسطينيّين قد يعبّئها بحسن نيّة من دون الانتباه إلى أبعادها الأمنيّة، فهناك أسئلة ملغّمة قد تعطي إجابتها دلالة عمّا يحصل في غزّة، وتوفّر صورة دقيقة للمخابرات الإسرائيليّة لمعرفة أصغر تفاصيلها، الأمر الذي يجعلني أرجّح أنّ من وضع الاستبانة هو فريق إسرائيليّ من الأمنيّين والاقتصاديّين، والإجابة عليها تقدّم مفاتيح حسّاسة إلى دوائر صنع القرار الإسرائيليّ، لا سيّما حين تتضمّن أسئلة عن العمل المسلّح، التدهور الأمنيّ في غزّة، ومن سيخلف حماس في غزّة، كأنّ المقصود أن يعبّر الفلسطينيّ الذي يعبّئ الاستبانة عن امتعاضه من حماس لتحريض الفلسطينيّين على الثورة ضدّها".
بجانب الكشف عن استبانة معبر إيريز، وزّع الجيش الإسرائيليّ في 11 كانون الثاني/يناير على الفلسطينيين في شوارع مدينة بيت لحم - جنوب الضفّة الغربيّة، صورة أحد المطلوبين، لم يذكر اسمه، يدّعي أنّه نفّذ هجوماً مسلّحاً ضدّ هدف إسرائيليّ قرب بيت لحم في عام 2016، ورصد الجيش مكافأة ماليّة لمن يدلي عنه بمعلومات.
ونشرت إسرائيل رسالة باللغة العربية على موقع جهاز الأمن الإسرائيلي العام "الشاباك"، من دون تاريخ، تطالب سكّان غزّة بإبلاغها بمعلومات متأكدين منها عن الأنفاق والمخطوفين والنشاطات المسلّحة. وفيما وضعت رقم هاتف للاتصال والإبلاغ، عرضت مكافأة ماليّة لم تحدّد قيمتها.
لا يعلم أحد إن كان هناك أي فلسطيني قام بتقديم تلك المعلومات المطلوبة للمخابرات الإسرائيلية، سواء كانت معلومات صحيحة أو خاطئة، نظرا لأنها مسألة سرية.
ربما تعلم المخابرات الإسرائيليّة أنّ هذا الأسلوب قد لا يجدي نفعاً بتحصيل المعلومات الأمنية من الفلسطينيين، لكنّها لن تخسر شيئاً من تجريبه، فقد يعني توزيع صورة المطلوب لها جعل الإبلاغ عنه نوعاً من العمل لأنها تعلن تقديم مكافأة مالية لمن يساعدها من الفلسطينيين بتوفير المعلومات الأمنية، في ظلّ أوضاعهم الاقتصاديّة السيّئة وحاجتهم إلى المال، وكسر حاجز الرهبة من التواصل المباشر مع المخابرات الإسرائيليّة.
من جهته، قال المتحدّث باسم وزارة الداخليّة والأمن الوطنيّ في غزّة إياد البزم لـ"المونيتور": "إنّ الاستبانة تمدّ المخابرات الإسرائيليّة بمعلومات مجانيّة عن الأوضاع الأمنيّة والسياسيّة في غزّة، بما قد يساعدها على إعداد مخطّطاتها المعادية للقطاع. ونحن نطالب المواطنين بعدم الإجابة عليها، من دون الاستهانة بأسئلتها التي قد تبدو عاديّة، علماً بأنّ لجوء إسرائيل إلى الاستبانة يعود إلى شحّ المعلومات التي باتت تصلها من غزّة، بسبب الملاحقة الأمنيّة الشديدة التي تشنّها وزارة الداخليّة منذ أبريل 2017 ضدّ عملاء إسرائيل في القطاع".
يأتي تواصل إسرائيل بالفلسطينيّين تأكيداً لسياسة أعلنها وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان في 19 كانون الثاني/يناير في صحيفة "مكور ريشون" الإسرائيليّة، وهي سياسة تسعى للتواصل الإسرائيلي المباشر مع الفلسطينيّين، ومطالبة إسرائيل لهم بالثورة على "حماس"، كما قال في آب/أغسطس من عام 2016: إنّ إسرائيل ستتواصل مع الفلسطينيّين مباشرة، كرجال أعمال، أكاديميين وباحثين، وأدباء وكتّاب، ودعوته لتجاوز السلطة الفلسطينية، لأنه يراها عقبة أمام تحقيق السلام مع إسرائيل، وهو ما تقوم به صفحة الـ"فيسبوك" لمنسّق عمليّات الحكومة الإسرائيليّة في الأراضي الفلسطينيّة، التي تحاور الفلسطينيّين، وتجيب على تساؤلاتهم، لاسيما تلك المتعلقة بحصول الفلسطينيين على تصاريح الدخول لإسرائيل وطبيعة البضائع الإسرائيلية التي تدخل قطاع غزة عبر معبر كرم أبو سالم.
قد لا تتوافر حاليّاً معطيات في غزّة تشير إلى نجاح التوجّه الإسرائيليّ بتثوير الناس ضدّ "حماس"، وإن كانت زيادة الضغط الإسرائيليّ عليهم قد تجعلهم يثورون.
وقال الخبير الفلسطينيّ في الشؤون الإسرائيليّة سعيد بشارات لـ"المونيتور": "إنّ إسرائيل ترى الاستبانة ترسيخاً لسياستها تجاه حماس، نحو إضعافها عسكريّاً واقتصاديّاً وشعبيّاً. وبناء على إجابات الاستبانة، تقيس إسرائيل مدى وصول أهل غزّة إلى مرحلة التمرد على الحركة، ثمّ يسهل أن ينفرد بها الجيش الإسرائيليّ عسكريّاً، لكنّ قراءتنا للاستبانة تجعلنا نرى أنّ إسرائيل لا تبحث عن بديل لحماس لأنّها تعتبرها طرفاً قويّاً يضبط أوضاع غزّة، رغم أنّ مساعي إسرائيل من الاستبانة قد تهدف إلى معرفة حجم تنازلات حماس في موضوع حيازتها للسلاح، إن رأت شعبيّتها تتراجع".
أمّا منسّق البحث الميدانيّ في مركز الميزان لحقوق الإنسان بغزّة يامن المدهون فقال لـ"المونيتور": "إنّ الاستبانة تزيد الضغوط النفسيّة على المسافرين الفلسطينيّين، لا سيّما التجّار والمرضى. فضلاً عن أنّ إجابة المواطنين على الأسئلة، قد تعرّضهم لإشكاليّات أمنيّة وسياسيّة من أيّ طرف. ولذلك، فإنّ الاستبانة يجب إلغاؤها كليّاً".