رام الله، الضفة الغربية — لا يعير الفلسطينيّ محمّد الكبير (43 عاماً)، وهو من خربة عين الحلوة في الأغوار الشماليّة، أيّ اهتمام لما باتت وسائل الإعلام تتناقله عن تهديدات رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو بضمّ المستوطنات الإسرائيليّة ومناطق "سي" من الضفّة الغربيّة إلى السيادة الإسرائيليّة، فهذا الضمّ يعيشه واقعاً منذ سنوات، كما قال.
لكنّ التخوّف الكبير لديه ولدى بقيّة أبناء خربته هو تهجيرهم قسريّاً منها، بعد السيطرة على كلّ الأراضي المحيطة بها.
وقال الكبير لـ"المونيتور": نخشى أن يستغلّ الاحتلال فترة خروجنا الصيفيّ، ويمنعنا من العودة إلى أرضنا مرّة أخرى".
وتخرج عائلة الكبير، برفقة مواشيها، إلى منطقة المراعي في طوباس القريبة خلال موسم الصيف بحثاً عن المراعي والمياه، لتعود من جديد نهاية أيلول/سبتمبر إلى أراضيها في الأغوار.
وتشكّل الأغوار، حيث يسكن الكبير وعائلته المكوّنة من 14 فلسطينيّاً، 30 في المئة من أراضي الضفّة الغربيّة، ونصف الأراضي المصنّفة "سي"، والتي تشكّل 61 في المئة من أراضي الضفّة، وهي المناطق التي تديرها إسرائيل بالكامل حسب اتفاقيّة طابا، التي تعتبر امتداداً لتطبيق اتفاقيّة أوسلو في الضفّة الغربيّة، وكان من المقرّر أن يتمّ نقل سيادتها بالكامل إلى الفلسطينيّين في المرحلة الانتقاليّة خلال 5 سنوات من هذه الاتفاقيّة.
وبعد إعلان فوز نتنياهو في الانتخابات، الجمعة في 12 نيسان/إبريل، وسعيه إلى تشكيل حكومته بائتلاف من الأحزاب اليمينيّة، تبدو هذه الوعود أقرب إلى التطبيق، مستغلاًّ دعم أميركا، خصوصاً بعد إعلان الأخيرة اعترافها بسيطرة إسرائيل على الجولان، ومن قبلها القدس عاصمة لإسرائيل في كانون الأوّل/ديسمبر من عام 2017.
وبالعودة إلى الأغوار، أشارت الحقائق على الأرض إلى أنّ إسرائيل، خلال السنوات الأخيرة، عملت على تهيئة الظروف لهذا الضمّ، من خلال الاستيطان المستمرّ والمصادرات التي لم تتوقّف للأراضي والتضييق على السكّان، كما قال رئيس مجلس الأغوار الشماليّة مهدي دراغمة، الذي يترأس مجلساً محليّاً لـ19 تجمّعاً في الأغوار يسكنها 3 آلاف فلسطينيّ، والذي قال أيضاً في حديث لـ"المونيتور": إنّ التخوّفات، التي يتحدّث عنها الإعلام والسياسيّون الفلسطينيّون الآن، نحن عشناها قبل 10 سنوات هنا في الأغوار، فالسفوح الشرقيّة بغالبيّتها المطلّة على الحدود الأردنيّة باتت الآن تحت السيطرة الكاملة الإسرائيليّة".
المنطقة التي تحدّث عنها مهدي دراغمة تدعى منطقة السويدا، التي أغلقت بالكامل في عام 2018، بعد إعلان إسرائيل قيام قاعدة عسكريّة في المكان، وقبل ذلك مستوطنة أقامها مستوطن واحد على أرض تدعى "خلّة حمد" لأغراض المحميّة الطبيعيّة.
وتابع دراغمة: "إنّ الفلسطينيّين في الأغوار يعيشون داخل بيوتهم بحريّة، وفي ما عدا ذلك هناك أراض مصادرة لمستوطنات أو للمحميات الطبيعيّة التي تتحوّل إلى مستوطنات في ما بعد، أو معسكرات تدريب وقواعد عسكريّة".
وأشار إلى أنّ كلّ ما يجري في الأغوار من دون أيّ تحرّك من المستوى السياسيّ الفلسطينيّ، الذي يبدو عاجزاً، في ظلّ الوضع الفلسطينيّ الحاليّ، عن مجابهة هذه التهديدات.
من جهته، قال رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الوزير وليد عسّاف: "نحن لا نستبعد أن تقوم إسرائيل بالفعل بهذه الخطوة، في ظلّ الدعم الأميركيّ لها، ونحمل هذه التهديدات على مستوى الجدّ من خلال وضع خطط للتصدّي لها".
الخطط التي تحدّث عنها وليد عسّاف تقوم على تعزيز صمود الناس في أراضيهم، وقال عسّاف في حديث لـ"المونيتور": هذه القرارات الفرديّة لن تمنح إسرائيل أيّ حقّ، فسنعمل على مقاومة هذا المشروع بكلّ الوسائل المتاحة لمواجهة التهجير القسريّ، الذي تسعى إسرائيل إلى تنفيذه في مناطق (سي) تمهيداً لخطوة الضمّ".
وأشار إلى أنّ هذه الخطوة تعتبر جريمة حرب حسب القانون الدوليّ، بأن يتمّ ضمّ أراضي دولة معترف بها إلى دولة أخرى بالقوّة.
من جهته، وصف أستاذ القانون الدوليّ محمّد الشلالدة إقدام إسرائيل على هذه الخطوة بأنّه انتهاك للقانون الدوليّ، لأنّ العلاقة ما بين السلطة القائمة والإقليم المحتلّ ينظّمها القانون الدوليّ، لا التشريعات التي تصدر من إسرائيل أو أميركا، ولا يترتّب عليه أيّ تبعات حقّ لها، وقال في حديث لـ"المونيتور": في القانون الدوليّ، لا يحقّ للاحتلال نقل السيادة، وأيّ إجراء في هذا السياق باطل".
وبحسب محمّد الشلالدة، فإنّ قرار الضمّ سيكون تهيئة لتنفيذ صفقة القرن لضمّ مساحات إضافيّة من الضفّة وشرعنة المستوطنات، وقال أيضاً: إنّ الردّ الفلسطينيّ يجب ألاّ يبقى ردّة فعل على هذه القرارات، وإنّما مواجهتها من خلال قرارات دستوريّة فلسطينيّة من قبل المجلس الوطنيّ الفلسطينيّ تتضمّن إعادة النظر في الاتفاقيّات الموقّعة مع الجانب الإسرائيليّ.
ودوليّاً، دعا الشلالدة دولة فلسطين إلى دعوة الدول الأطراف السامية في اتفاقيّة جنيف إلى إلزام إسرائيل احترام هذه الاتفاقيّة وتطبيقها، وأن تحسم النزاع حول صفة الأراضي الفلسطينيّة بأنّها أراض محتلّة.
من جهته، رأى منسّق الحملة الشعبيّة لمقاومة الجدار والاستيطان جمال جمعة أنّ هذه المخطّطات ليست جديدة، إذ بدأ العمل بالضمّ التدريجيّ في عام 2017 من خلال قوانين إسرائيليّة، مثل سريان القانون المدنيّ على المستوطنات، بدلاً من القانون العسكريّ، وقانون تبيض المستوطنات، الذي منع المستوطنات من البناء على أراض فلسطينيّة خاصّة من دون تمكين الفلسطينيّين من الاعتراض أو طلب تعويض.
واعتبر جمال جمعة في حديث لـ"المونيتور" أنّ الخطر الأكبر من هذه الخطوات هو عمليّات ترحيل التجمّعات في هذه المناطق، وخصوصاً في الأغواروالتجمّعات البدويّة في سفوح القدس كالخان الأحمر.
ويعتقد جمعة جازماً عدم إمكانيّة قيام أيّ شكل من أشكال الدولة الفلسطينيّة في ظلّ هذا الوضع، وهو ما يستدعي، كما قال، التفكير بشكل جديّ بقرارات مصيريّة مثل تغيّر وظيفة السلطة وبدء فكّ الارتباط مع الاحتلال، وصولاً إلى مواجهة لا بدّ منها معه.
وقال جمعة: "إنّ الرهان على القانون الدوليّ حاليّاً غير مجد، خصوصاً أنّ الولايات المتّحدة توفّر الغطاء لإسرائيل دوليّاً، فالرهان سيكون فقط على الفلسطينيّين، الذين لم يسمحوا بتمرير هذه الخطوة، وسنفجّر الأمر باتّجاه مواجهة شاملة".