عمّان - هدوء حذر عاد إلى مدينة الرمثا الأردنيّة (100 كلم شمال العاصمة عمّان)، عقب 3 أيّام من أحداث شغب تخلّلها إطلاق عيارات ناريّة تجاه رجال الأمن على خلفيّة قرار لمجلس الوزراء في 23 آب/أغسطس قضى بتحديد كميّة السجائر التي يسمح للمسافر بحملها من معبر جابر الذي يربط بين الأردن وسوريا، في محاولة من الحكومة لتعويض خسائرها من السجائر المهرّبة.
وتضمّنت أحداث الشغب إغلاق طرق رئيسيّة في المدينة بالإطارات المشتعلة ومواجهات عنيفة مع قوّات مكافحة الدرك، تخلّلها حرق إحدى مركبات قوى الأمن واعتقال 17 من المحتجّين لتتحوّل الاحتجاجات من مطالب جمركيّة إلى مطالب سياسيّة تدعو إلى استقالة الحكومة، بعد أن اكتست جدران المدينة بشعارات تطالب بإسقاط حكومة رئيس الوزراء عمر الرزّاز.
أحداث الشغب بدأت، مساء الجمعة في 23 آب/أغسطس وتوقّفت الإثنين في 26 من الشهر ذاته، عقب اجتماع ضمّ ممثّلين عن المحتجّين من البحارة (اسم يطلق على أشخاص ينقلون البضائع بين سوريا والأردن) وممثّلين عن الحكومة في منزل النائب بالبرلمان الأردنيّ عن مدينة الرمثا خالد أبو حسّان.
ورأى الناطق باسم البحارة حسين البشابشة خلال حديث لـ"المونيتور" "أنّ الأمور مرشّحة إلى التصعيد، مرّة أخرى، في حال لم تستجب الحكومة لمطالب المحتجّين"، ملخّصاً هذه المطالب بـ"وقف التضييق على المركبات التي تنقل البضائع بين البلدين، ورفع الحظر عن سفر 600 سائق، والإفراج عن المعتقلين في الأحداث الأخيرة".
ورغم افتتاح معبر جابر - نصيب في منتصف تشرين الأوّل/أكتوبر من عام 2018 بعد سنوات من الإغلاق، بسبب الحرب في سوريا، إلاّ أنّ الحركة التجاريّة لم تعد كما كانت عليه قبل الثورة السوريّة في عام 2011. وبحسب حسين البشابشة، "تعتمد مدينة الرمثا المتاخمة لدرعا على التجارة بين البلدين بنسبة 90 في المئة".
واتّهم سياسيّون الولايات المتّحدة الأميركيّة بعرقلة التجارة بين الأردن وسوريا بهدف فرض عقوبات اقتصاديّة على النظام السوريّ، بعد أن أثار النائب في البرلمان عبد الكريم الدغمي تحت قبّة البرلمان في آذار/مارس الماضي، انتقادات للحكومة على خلفيّة ما أسماه بـ"طلب الملحق التجاريّ في السفارة الأميركيّة من تجّار ومقاولين أردنيّين عدم التعامل مع الحدود الأردنيّة - السوريّة وقام بتهديدهم".
من جهته، قال الكاتب والمحلّل السياسيّ إيهاب سلامة لـ"المونيتور": "للأسف، إنّ الولايات المتّحدة الأميركيّة مارست، بدورها، ضغوطاً قاسية على الأردن، آخرها عبر ملحقها التجاريّ بسفارتها في عمّان، والذي توعّد بتطبيق قانون قيصر الأميركيّ على التجار الأردنيّين، بمعنى تطبيق عقوبات عليهم في حال تعاملهم مع النظام السوريّ. وهذا تدخّل سافر في الشؤون الداخليّة السياديّة الأردنيّة".
أضاف: "إنّ الشارع الأردنيّ كلّه عرضة للانفجار في أيّ لحظة، كما حدث في الرمثا من جرّاء وصول الضغوط الحكوميّة الاقتصاديّة عليه إلى مرحلة غير مسبوقة، من دون أن نجد مواقف إسناد فاعلة لا من أميركا ولا من الدول العربيّة اللتين تركتا الأردن وحده يتحمّل تبعات حرب كونيّة في سوريا".
وتابع: "القرارات المفاجئة تكون عواقبها عادة مفاجئة، وهذا ما جرى تحديداً في مدينة الرمثا المتاخمة للحدود السوريّة الشماليّة، والتي تحمّل أهلها- حال الأردنيّين جميعهم - عقداً كاملاً من الضغوط الاقتصاديّة والمعيشيّة الصعبة، من جرّاء الفوضى في سوريا وموجات اللجوء الضخمة، وإغلاق الحدود التي كانت شريان حياة أعمالهم وتجارتهم".
إنّ الحكومة، تعليقاً على أحداث مدينة الرمثا، أشارت في بيان صحافيّ بـ25 آب/أغسطس، إلى أنّها "تتفهّم تماماً الظروف الصعبة التي عاشتها المدينة خلال السنوات الماضية، من جرّاء إغلاق الحدود بسبب الأوضاع الأمنيّة في سوريا، شأنها شأن غالبيّة محافظات ومدن المملكة".
وأكّد البيان أنّ "الحكومة لديها رؤية شاملة للحدّ من هذه المشاكل"، مشدّداً على أنّ "الإجراءات التي اتّخذتها بهدف منع التهريب جاءت لحماية المجتمع وأمنه ومواطنيه واقتصاده من مخاطر تهريب المخدّرات والسلاح والدخّان".
وكانت الحكومة أعلنت قبل أحداث مدينة الرمثا في 14 تمّوز/يوليو، على لسان وزير الماليّة عز الدين كناكريّة، أن إيراداتها من الرسوم على التبغ تراجعت بنحو 110 مليون دينار، خلال الستّة أشهر الأولى من العام، بسبب عمليّات التهريب وانتشار السجائر الإلكترونيّة".
بدوره، قال الخبير الاقتصاديّ سلامة الدرعاوي لـ"المونيتور": "تبلغ إيرادات الحكومة الأردنيّة من الرسوم على التبغ وحدها 1.51 مليار دولار، الأمر الذي يشكّل 26 في المئة من الإيرادات المحليّة".
يعبر الحدود يوميّاً نحو 1200 سيّارة عموميّة و1500 سيّارة خاصّة، إضافة إلى نحو 1300 سيّارة سوريّة، وذلك حسب إحصائيّات الحكومة الأردنيّة.