دخلت نقابة المعلّمين الأردنيّين والحكومة الأردنيّة مرحلة كسر عظم، بعد أن أعلنت النقابة إضراباً مفتوحاً عن العمل الأحد في 8 أيلول/سبتمبر شلّ المدارس الحكوميّة. وجاء الإضراب ردّاً من نقابة المعلّمين على منع آلاف أعضائها من الاعتصام أمام مقرّ الحكومة في العاصمة عمان، الخميس بـ5ايلول/سبتمبر، وتفريق بعضهم بالغاز المسيّل للدموع واعتقال العشرات منهم، بعد أن لبّوا دعوة نقابتهم إلى الاعتصام، مطالبين بعلاوة مهنيّة على الراتب بنسبة ٥٠ في المئة.
وفشل كلّ من نقابة المعلّمين الأردنيّين والحكومة الأردنيّة، مساء الإثنين في 9 أيلول/سبتمبر، في التوصّل إلى اتّفاق يسحب فتيل الأزمة بين الطرفين، خلال اجتماع دام ساعات في منزل رئيس لجنة التربية والتعليم في البرلمان ابراهيم البدور، بعد أن أصرّت الحكومة على رفض صرف العلاوة.
وقرّرت النقابة، ردّاً على ما وصفته بإهانة كرامة المعلّم، الإضراب المفتوح، إلى حين محاسبة المعتدين على المعلّمين وصرف علاوة المهنة لتحسين رواتبهم المتدنّية. واتّهم معلّمون أردنيّون، خلال مؤتمر صحافيّ السبت في 7 أيلول/سبتمبر، الأجهزة الأمنيّة بتعريتهم بشكل كامل، عند اعتقالهم على خلفيّة مشاركتهم في الاعتصام.
ولا تبدو الأمور مرشّحة للاستقرار والهدوء، بعد إصرار النقابة على الحصول على علاوة مهنيّة بنسبة 50 في المئة كانت قد اتّفقت عليها في عام 2014 مع حكومة رئيس الوزراء الأسبق عبد الله النسور، لكنّ الحكومات الأردنيّة ماطلت في تنفيذها، بينما رأت الحكومة الأردنيّة أنّ هذه العلاوة ستكبّد خزينة الدولة مبلغ 157 مليون دولار، وهو مبلغ غير متوافر حسب وزير التربية والتعليم وليد المعاني.
ويبلغ متوسّط راتب المعلّم الأردنيّ 565 دولاراً، فتآكلت قدرته الشرائيّة، بسبب ارتفاع الأسعار وفرض الرسوم والضرائب، خلال السنوات العشرين الأخيرة، وذلك بحسب معلّمين.
وفي هذا السياق، قال نائب نقيب المعلّمين الأردنيّين ناصر نواصرة لـ"المونيتور": "لم نكن ننوي إعلان الإضراب حتّى نهاية أيلول/سبتمبر الحاليّ. لقد أردنا فقط الاعتصام الخميس أمام مقرّ الحكومة للمطالبة بصرف علاوة 50 في المئة على الراتب لتحسين وضع المعلّم المعيشيّ، لكنّ الحكومة فاقمت المشكلة، بعد الاعتداء على المعلّمين. لن ندخل الصفوف الدراسيّة، حتّى تتمّ محاسبة من اعتدى على المعلّم وإقالة وزير الداخليّة سلامة حماد".
وإنّ الحكومة الأردنيّة، ألمحت على لسان وزير الدولة للشؤون القانونيّة مبارك أبو يامين في مؤتمر صحافيّ، إلى حلّ نقابة المعلّمين.
وأشار مبارك أبو يامين خلال مؤتمر صحافيّ عقده في 5 أيلول/سبتمبر إلى أنّ المادّة 5 من قانون نقابة المعلّمين تقول إنّ النقابة تلتزم بالمحافظة على متطلّبات العمليّة التربويّة ورعاية مصالح الطالب وعدم الإضرار بحقّه في التعليم، ملوّحاً باللجوء إلى القضاء.
وكانت نقابة المعلّمين الأردنيّين تأسّست في عام 2011 وخرجت من رحم الربيع العربيّ، بعد احتجاجات خاضها معلّمون لتحسين ظروف حياتهم الصعبة، انتزعوا من خلالها اعترافاً بنقابة تمثّلهم، إلاّ أنّ تلميحات حكوميّة تضع مصير النقابة على المحكّ القانونيّ في حال مضيّها في الإضراب، الأمر الذي يعني سير الأمور نحو مزيد من التصعيد.
وحذّر ناصر نواصرة من خطوة حلّ النقابة، معتبراً أنّ "ذلك سيفاقم الأزمة، ويجعل الحكومة تتعامل مع عشرات من لجان المعلّمين، عوض التعامل مع جسم واحد هو النقابة"، وقال: "إنّ الحكومة غير جادّة بالحوار، فالنقابة لديها مرونة في التعامل مع أيّ مقترح من قبل الحكومة التي لم تطرح أيّ مبادرة حلّ واضحة المعالم ولم تتواصل معها بعد الإضراب".
من جهتها، قالت وزيرة الدولة لشؤون الإعلام الناطقة الرسميّة باسم الحكومة جمانة غنيمات في بيان صحافيّ: "إنّ الحكومة تعاملت منذ أشهر مع ملف المعلّمين وعقدت اجتماعات عدّة مع النقابة التي تشترط الاستجابة لمطلب العلاوة قبل النقاش في أيّ موضوع آخر، فالاقتصاد يعاني من تباطؤ ونسب نموّ متواضع وأيّ إنفاق جديد على الرواتب والمكافآت سوف يفاقم العجز. وبالتّالي، يفاقم الدين".
الحكومة الأردنيّة التي أغلقت شوارع حيويّة في العاصمة عمان إغلاقاً كاملاً في وجه مظاهرة المعلّمين، أصرّت على موقفها من منع التظاهرات أمام مقرّ الحكومة، ليتجمّع آلاف المعلّمين على دوّار وزارة الداخليّة، أحد أكثر الشوارع حيويّة في العاصمة، في 5 أيلول/سبتمبر. وبحسب محلّلين، أتى قرار الحكومة بمنع الاعتصام أمام مقرّها، تخوّفاً من إعادة صناعة مشهد الاحتجاجات الشعبيّة، التي أطاحت بالحكومة السابقة في عام 2018، والذي قادته نقابات مهنيّة غاضبة من قانون ضريبة الدخل ورفع الأسعار المتكرّر.
وكذلك، دخلت نقابات مهنيّة أردنيّة هي الأخرى على الخطّ، وطالبت بتحسين رواتب منتسبيها في القطاع العام، وأمهل نقيب الأطبّاء علي العبوس الحكومة أسبوعاً لصرف فرق الحوافز للأطبّاء الذي يتراوح بين 49 و119 دولاراً، بينما طالب نقيب المهندسين أحمد الزعبي، السبت في 7 أيلول/سبتمبر، الحكومة بصرف علاوة إلى منتسبي النقابة في القطاع العام بنسبة 10 في المئة.
ورأى الكاتب الصحافيّ إيهاب سلامة الذي يكتب لرأي اليوم في حديث لـ"المونيتور" أنّ "المعلّمين بتصعيدهم وضعوا الحكومة في مأزق، وربّما وضعوا أنفسهم فيه أيضاً، فقد دخلا مرحلة شدّ الحبل، ولن يرخي أحدهما طرفه مسلّماً للآخر، من دون التوافق على نقطة ارتكاز مشتركة والجلوس معاً على طاولة واحدة والاحتكام للحوار للتوصّل إلى تفاهمات مناسبة"، وقال: "إنّ الحكومة في ورطة، فإذا وافقت على مطالب المعلّمين فقد تجرّ في ذيولها قطاعات أخرى ترى نفسها مهمّشة وتجنح باتّجاه مسارات المعلّمين، فتطالب هي الأخرى بحقوق ومكتسبات".
بدوره، دعا الملك عبد الله الثاني، الأحد في 8 أيلول/سبتمبر، خلال لقائه شخصيّات سياسيّة واقتصاديّة وإعلاميّة، في قصر بسمان، إلى أن يكون الهدف دائماً الحفاظ على مصلحة الطلاّب، وقال: "هذا الذي يجب أن نركّز عليه جميعاً، والوصول له من خلال الحوار المسؤول".
وردّت نقابة المعلّمين في بيان صحافي على دعوة عبد الله الثاني، الإثنين في 9 أيلول/سبتمبر، بالقول: "نحن نثمّن الرسالة الملكيّة، ونعلن عن استعدادنا للجلوس حول أيّ طاولة حوار حقيقيّة من دون شروط ومن دون قواعد سوى قواعدنا وثوابتنا الوطنيّة".