عمّان: "مشان الله... اترك لي عيناً واحدة كي أرى أطفالي وأخدمهم فيها"... لم تجد استغاثة أمّ أردنيّة في مدينة جرش (60 كيلومتراً شمال العاصمة الأردنيّة) آذاناً صاغية لدى زوجها الذي اقتلع كلتا عينيها أمام أطفالها في جريمة عنف أسريّ هزّت الشارع الأردنيّ.
سلّة طويلة من العنف الأسريّ عاشتها فاطمة على يد زوجها (ابن عمّها) منذ بداية حياتهما الزوجيّة قبل 13 عاماً، إلّا أنّ تفاصيل اقتلاع عينيها في 9 تشرين الثاني/نوفمبر، كانت الأعنف وفتحت تساؤلات لدى منظّمات نسويّة حول قصور آليّات التبليغ عن العنف الأسريّ في الأردن.
هربت فاطمة إلى غرفة حيث ينام أطفالها، وتبعها زوجها إلى هناك، وهدّدها إمّا بقتلها أمام أطفالها، أم قتل أطفالها أمامها لتموت كلّ يوم بحسرتها، فاختارت فاطمة أن يقتلها لكن بعيداً عن أعين الأطفال، وغادرت معه إلى غرفة الضيوف، وفي تلك الأثناء، تمكّنت من إقناعه بإعطاء السكين للابن الأكبر، وسط توسّلات الأطفال بألّا يقتل والدتهم.
"حاولت فاطمة حماية وجهها، ولكنّه أدخل إصبعه وفقأ عينها، أخذت فاطمة تدافع عن نفسها صارخة "مشان الله... إذا تحبّ بنتك اترك لي عيناً واحدة أرى الولاد فيها (ولدان 11 و9 أعوام ورضيعة عامان ونصف العام) وأخدمهم فيها"، إلّا أنّ الزوج أدخل إصبعه في عينها الثانية وأصبحت فاقدة البصر بنسبة 100%"، هذا ما نقلته الصحافيّة المتخصّصة في قضايا حقوق الإنسان في صحيفة الغد نادين النمري لـ"المونيتور"، عن فاطمة وتفاصيل ما تعرّضت إليه من عنف.
وجّه مدّعي عامّ جرش جناية إحداث عاهة دائمة مكرّرة مرّتين إلى زوج فاطمة، وقد يواجه حكماً بالأشغال الموقّتة مدّة 15 عاماً، حسب قانون العقوبات الأردنيّ، ليعود مدعي عام الجنايات الكبرى في 16\نوفمبر، ويوقف الزوج 15 يوما على ذمة القضية وتوجيه تهمة الشروع بالقتل مما قد يعرض لعقوبة قد تصل الى 15 عاما حسب قانون العقوبات الأردني .
دفع الاعتداء على فاطمة منظّمات مجتمع مدنيّ وناشطات في مجال حقوق المرأة إلى دقّ ناقوس الخطر حول معدّلات العنف والتمييز ضدّ المرأة في المجتمع والتشريعات، ونفّذ مجموعة من مؤسّسات المجتمع المدنيّ وناشطين وناشطات في الدفاع عن حقوق الإنسان وقفة احتجاجيّة أمام رئاسة الوزراء يوم السبت في 16 تشرين الثاني/نوفمبر، تحت عنوان "طفح الكيل"، لمواجهة ما أسموه "المنظومة المؤسّسيّة والفكريّة التي تعيد إنتاج العنف والتمييز ضدّ المرأة في الأردن".
تقول الأمينة العامّة للّجنة الوطنيّة لشؤون المرأة الدكتورة سلمى النمس لـ"المونيتور": "إنّ الوقفة أمام رئاسة الوزراء تأتي لنقول للحكومة إنّه طفح الكيل، 19 عاماً على تأسيس الفريق الوطنيّ للحماية من العنف الأسريّ، وما زالت القوانين المتعاقبة للحماية من العنف الأسريّ غير قادرة على تحقيق الردع، نحن نطالب بمنظومة كاملة تكون فيها آليّات حماية المرأة من العنف، وتغليظ العقوبة، ومنع إسقاط الحقّ الشخصيّ في الجرائم التي تقع في نطاق الأسرة".
وتدعو النمس إلى تعديل المناهج الأردنيّة لـ"مواجهة ثقافة السلطة الذكوريّة"، وترى أنّ "هنالك ثقافة مجتمعيّة متسامحة مع العنف والقبول بأشكال التعنيف والسيطرة، إلى جانب وجود قوانين غير رادعة، وعدم التبليغ عن حالات التعنيف تحت اسم "السترة وثقافة العيب"".
وهتف المشاركون والمشاركات: "صوتي عالي صوتي حرّ التعنيف ما بمرّ، أمان حرّيّة للمرأة العربيّة، ارفع صوتك وعلى حقّ المرأة ما في سكوت... طالعين وطالعات لعيونك يا فاطمة... لا للعنف الأسريّ لا... بدنا نغيّر هالقانون حتّى حقّ المرأة يصون".
شاركت الناشطة في الدفاع عن حقوق المرأة الإعلاميّة روان الجيوسي منظّمات المجتمع المدنيّ في الوقفة الاحتجاجّية أمام رئاسة الوزراء، وهي مغشّاة العيون بشريط أسود، للتعبير عن التضامن مع فاطمة التي فقدت بصرها، وتقول لـ"المونيتور": "نقف اليوم تضامناً مع وجع فاطمة الذي عرفناه ووجع كلّ النساء اللواتي يعانين بصمت، نقف لنقول إنّه قد حان الوقت لنتعامل مع حقوق النساء والمساواة بين الجنسين في شكل جادّ واستراتيجيّ تشريعيّاً وحقوقيّاً واجتماعيّاً،، يجب أن تسمع أصوات النساء وأن تتعلّم المرأة وتعمل وتتوافر لها الحماية من العنف والتحرّش والتمييز".
وحسب جمعيّة معهد تضامن النساء الأردنيّ، فإنّ امرأة واحدة من بين كلّ 5 متزوّجات تطلب المساعدة عند تعرّضها إلى أيّ شكل من أشكال العنف من قبل زوجها (19% فقط من المتزوّجات اللواتي تتراوح أعمارهنّ بين 15 و49 عاماً)، وبحسب نوع العنف الممارس، فإنّ 8% فقط من المتزوّجات يطلبن المساعدة عند تعرّضهنّ إلى العنف الجنسيّ فقط، و17% يطلبن المساعدة عند تعرّضهن إلى العنف الجسديّ فقط، فيما ترتفع نسبة المتزوّجات اللواتي يطلبن المساعدة إلى 30% عند تعرّضهن إلى العنف الجسديّ والجنسيّ معاً.
ولا توجد أرقام رسميّة دقيقة عن عدد النساء المعنّفات في الأردن، بسبب ميل الزوجة وأهلها إلى عدم تبليغ إدارة حماية الأسرة، خوفاً من الفضيحة والعادات والتقاليد العشائريّة في المملكة، وهو ما حدث مع فاطمة التي كانت تعنّف لسنوات طويلة، حاول خلالها أهلها التستّر على الموضوع وحلّ القضيّة ودّيّاً.
تقول الصحافيّة النمري إنّ "قضيّة فاطمة تكشف عن ضعف التبليغ في قضايا العنف الواقعة في حقّ المرأة، سواء العنف اللفظيّ أم النفسيّ أم الجسديّ، لكنّ العادات والتقاليد وكلمة العيب تحكمنا، ممّا يتطلّب مزيداً من التوعية في قانون الحماية من العنف الأسريّ".
وتنتقد ناشطات ومؤسّسات مجتمع مدنيّ التشريعات الأردنيّة المتعلّقة بحماية الأسرة، ومن بينها قانون الحماية من العنف الأسريّ، لاقتصاره على الجرائم الواردة في قانون العقوبات داخل نطاق الأسرة، وعدم التطرّق إلى ما تتعرّض إليه النساء من الحدّ من حرّيّتهنّ أو السيطرة على خياراتهنّ أو العنف الاقتصاديّ أو العنف اللفظيّ.