بيروت: شغلت قضيّة المدير التنفيذيّ السابق لتحالف "رينو- نيسان - ميتسوبيشي موتورز" للسيّارات كارلوس غصن، الذي يحمل الجنسيّات اللبنانيّة والفرنسيّة والبرازيليّة، والذي تقدّر ثروته الصافية بنحو 120 مليون دولار، بحسب "بلومبيرغ"، الرأي العام العالميّ أخيراً، بعدما هرب بطريقة هوليووديّة من منزله في طوكيو بـ29 كانون الأوّل/ديسمبر وعاد إلى لبنان.
وفي التفاصيل، سجن كارلوس غصن في اليابان بتشرين الثاني/نوفمبر من عام 2018 بعد توجيه اتهامات له بارتكاب جرائم ماليّة واستغلال أموال شركة "نيسان" لمصالحه الشخصيّة، إضافة إلى التهرّب الضريبيّ. ثمّ أفرجت السلطات اليابانيّة عنه في إبريل/نيسان من عام 2019 بكفالة قدرها 500 مليون ينّ (4,5 مليون دولار أميركيّ)، إلاّ أنّه بقي خاضعاً للإقامة الجبريّة في اليابان، قبل أن يقرّر الهرب "وقد كان هذا القرار الأصعب في حياته"، بحسب ما أعلن خلال مؤتمر صحافيّ عقده في نقابة الصحافة ببيروت في 8 كانون الثاني/يناير من عام 2020، مشيراً إلى أنّه كان "رهينة" ولم يكن أمامه سوى خيارين: إمّا الموت في اليابان، وإمّا الهرب، معرباً عن غضبه من أنّ ممثّلي الادعاء منعوه من التواصل مع زوجته كارول.
ووفقاً لرواية وسائل إعلام يابانيّة، إنّ غصن فرّ بمساعدة شخصين، واستقلّوا معاً قطاراً من حيّ شيناغاوا في طوكيو إلى أوساكا. وبعدها، حمل الشخصان صندوقين، يعتقد أنّ غصن كان داخل أحدهما، وحفرت فيه ثقوب لكي يستطيع التنفّس. ثمّ غادر في طائرة خاصّة من طراز "بومباردييه" هبطت في اسطنبول بـ30 كانون الأوّل/ديسمبر من عام 2019. ومن هناك، أتى إلى لبنان.
وقال مسؤول في وزارة النقل اليابانيّة لـ"فرانس برس": إنّ تفتيش الأمتعة غير ضروريّ بالنّسبة إلى مشغّلي الطائرات الخاصّة، وإنّ حجم الصندوقين كان أكبر بكثير من إمكان تمريرهما على أجهزة الأشعّة في المطار.
وفي 2 كانون الثاني/يناير، أعلن وزير العدل اللبنانيّ في حكومة تصريف الأعمال ألبرت سرحان أنّ لبنان تسلّم ما يُعرف بـ"النشرة الحمراء" أو مذكّرة توقيف دوليّة من الإنتربول لتسليم كارلوس غصن. وقد استمع رئيس قسم المباحث الجنائيّة المركزيّة العميد موريس أبو زيدان، في 9 كانون الثاني/يناير صباحاً، إلى غصن حول مضمون النشرة الحمراء.
وتعليقاً على الوضع القانونيّ لغصن وكيفيّة سير المحاكمات بعد هروبه، أوضح الخبير في القانون الدوليّ المحامي والأستاذ في جامعة الحكمة إدغار قبوات خلال حديث لـ"المونيتور" أنّه لا توجد اتفاقيّة بين لبنان واليابان لتبادل المتّهمين. كما أنّ القوانين اللبنانيّة لا تبيح تسليم المواطنين إلى دولة أجنبيّة لمحاكمتهم (موادّ قانون العقوبات من 30 إلى 34)، وكذلك الأمر بالنّسبة إلى فرنسا والبرازيل، فهما لا تسلّمان مواطنيهم إلى دولة أخرى.
ولفت إلى أنّ اليابان أبرمت إتفاقيّة لتبادل مطلوبين مع الولايات المتّحدة الأميركيّة وكوريا الجنوبيّة فقط. وبالنّسبة إلى النشرة الحمراء، فهي لا تلزم لبنان ولا تسمح بتوقيف غصن من دون قرار من القضاء اللبنانيّ، إلا أنّها تمكّن المدّعي العام التمييزيّ من المباشرة بالتحقيقات لمعرفة ما إذا كان غصن قد اقترف مخالفات وجرائم يعاقب عليها القانون اللبنانيّ.
وفيما أكّد غصن خلال إطلالته أمام الصحافيّين أنّه "ليس فوق القانون"، أشار إدغار قبوات إلى أنّ لبنان واليابان من ضمن الدول الـ140 الموقّعة على اتفاقيّة الأمم المتّحدة لمكافحة الفساد التي أقرّت في عام 2003، ودخلت حيّز التنفيذ في عام 2005، حيث يمكن لليابان أن تتذرّع بالفصل الرابع من الاتفاقيّة للمطالبة باسترداد غصن، في حال كانت ترتبط الحالات الجرميّة المنسوبة إليه بالفساد. وبالنّسبة إلى متابعة القضاء اللبنانيّ قضيّة غصن، فيمكنه الاستناد إلى المادّة 19 من قانون العقوبات، والتي تنصّ على أنّ القوانين اللبنانيّة تطبّق على كلّ لبنانيّ أقدم على ارتكاب جرائم خارج الأراضي اللبنانيّة.
وإضافة إلى التّهم الماليّة المنسوبة إلى غصن في اليابان، تداول ناشطون لبنانيّون على مواقع التواصل الاجتماعيّ صوراً لغصن خلال زيارته إسرائيل في كانون الثاني/يناير من عام 2008 بصفته مديراً لتحالف "رينو- نيسان"، حيث التقى الرئيس الإسرائيليّ السابق شيمون بيريز ورئيس الحكومة الأسبق إيهود أولمرت، وعقد اتفاقاً مع شركة إسرائيليّة لتصنيع سيّارات كهربائيّة.
وردّ غصن في مؤتمره الصحافيّ على الانتقادات، مشيراً إلى أنّه دخل إسرائيل كمسؤول فرنسيّ في شركة "رينو"، وليس كمواطن لبنانيّ، وقال: "أعتذر للشعب اللبنانيّ بسبب زيارتي لإسرائيل".
وعن هذا الموضوع، أشار قبوات إلى أنّ القانون الللبنانيّ يمنع التواصل مع الإسرائيليّين، لكنّ غصن يعتبر أنّه ذهب بصفته رئيس مجلس إدارة عالميّة تطبّق قوانين فرنسيّة ويابانيّة، ولم يذهب بصفّة شخصيّة أو بنيّة التطبيع.
وفي المقابل، قدّم المحامي حسن بزّي مع المحاميّين جاد طعمة وعلي عبّاس إخباراً ضدّ غصن بسبب "التعامل الاقتصاديّ مع إسرائيل".
واستمع النائب العام التمييزيّ القاضي غسّان عويدات، في 9 كانون الثاني/يناير، إلى غصن حول هذا الإخبار.
وفي حديث لـ"المونيتور"، أوضح حسن بزّي أنّ المادّة الأولى من قانون مقاطعة إسرائيل الصادر في عام 1955 تحظّر على "كلّ شخص طبيعيّ أو معنويّ أن يعقد بالذات أو بالواسطة اتفاقاً مع هيئات أو أشخاص مقيمين في إسرائيل أو منتمين إليها بجنسيّتهم أو يعملون لحسابها أو لمصلحتها وذلك متى كان موضوع الاتفاق صفقة تجاريّة أو عمليّات ماليّة أو أيّ تعامل آخر".
وأشار إلى أنّ قانون العقوبات اللبنانيّ يقضي بأنّ التعامل مع إسرائيل هو جناية وعقوبتها الأشغال الشاقّة. أمّا "دخول بلد العدو" فهو جنحة وتقضي بالسجن لسنة واحدة، عملاً بالمادّة 285 من قانون العقوبات.
وبالنّسبة إلى النشرة الحمراء، والتي استمع القاضي إلى غصن حول مضمونها، فلفت بزّي إلى أنّ القاضي ترك غصن بسند إقامة وأصدر قراراً بمنعه من السفر، وطلب القضاء اللبنانيّ من القضاء اليابانيّ تسليمه ملفّ غصن من أجل ترجمته ودراسته ومتابعة مقتضياته.
وإضافةً إلى المسار القضائي الذي ستسلكه قضية غصن، وفيما يعارض عدد من اللبنانيين زيارته إسرائيل، فقد حظيَ غصن بتعاطف آخرين على وسائل التواصل الإجتماعي، حيث رفضوا ما تعرّض له من مضايقات وتهديد لعائلته.
وقد إقترح النائب وليد جنبلاط في تغريدة على تويتر في 9 كانون الثاني تسليم غصن وزارة الطاقة من أجل مساعدة لبنان في تخطّي أزمة الدين العام التي يعاني منها والوضع الإقتصادي الصعب، وقد ردّ غصن بإيجابية على هذا الموضوع، قائلاً في حديث صحفي إنّه ليس سياسيًا إلا أنّه مستعد لمساعدة لبنان بالخبرة التي يملكها.