بيروت: لقد أدّى قرار المغرب قطع علاقاته مع إيران في 1 أيّار/مايو الجاري، بعد اتّهامه "حزب الله" اللبنانيّ المدعوم من إيران بتدريب وتسليح جبهة البوليساريو، التي تطالب باستقلال الصحراء الغربيّة، إلى اتّهامات متبادلة بين المغرب والجزائر التي تدعم "البوليساريو".
لقد كشف وزير الخارجيّة المغربيّ ناصر بوريطة في مقابلة مع مجلّة "جون أفريك" نشرت في 12 الجاري عن تفاصيل ما أسماه بـ"الغطاء والمساندة والدعم التشغيلي الجزائريّ" المباشر للاجتماعات التي عقدتها كوادر "حزب الله" وقيادات من البوليساريو في "مكان سريّ" بالجزائر العاصمة، زاعماً أنّ السفارة الإيرانيّة في الجزائر كانت صلة الوصل، التي تربط بين "حزب الله" والجزائر والبوليساريو.
وأوضح ناصر بوريطة أنّه كشف لنظيره الإيرانيّ محمّد جواد ظريف أسماء مسؤولين عسكرييّن كبار في "حزب الله" زاروا في مناسبات عدّة مخيّمات تندوف، الخاضعة لسيطرة البوليساريو، منذ آذار/مارس من عام 2017 من أجل لقاء المسؤولين في البوليساريو والإشراف على دورات تدريبيّة وإقامة منشآت ومرافق.
وردّ المتحدّث باسم وزارة الخارجيّة الإيرانيّة بهرام قاسمي قائلاً في مؤتمر صحفي في 16 الجاري: "إنّ مسؤولي المغرب خلال لقاءاتهم مع وزير خارجيّتنا أو خلال مقابلاتهم التلفزيونيّة لم يقدّموا أيّ دليل لإثبات هذه المزاعم".
أمّا الناطق باسم وزارة الخارجيّة الجزائريّ عبد العزيز بن علي شريف فرفض اتهامات بوريطة، وقال في بيان بـ13 الجاري: "عوض تقديم الأدلّة الدامغة التي يزعم أنّها في حوزته والتي لا وجود لها في الحقيقة (...) آثر الوزير المغربيّ المضي في التضليل والافتراء".
وكانت السفارة الإيرانيّة في الجزائر قد نفت في الثاني من أيار/ مايو الإدعاءات المغربيّة. كما نفتها البوليساريو في اليوم السابق واعتبرتها محاولة من الرباط "للتنصّل من عمليّة السلام". وقال "حزب اللّه في الأول من أيار/ مايو في بيان: "من المؤسف أن يلجأ المغرب بفعل ضغوط أميركيّة وإسرائيليّة وسعوديّة إلى توجيه هذه الاتهامات الباطلة".
وأكّد رئيس المجلس الشعبيّ الوطنيّ الجزائريّ السعيد بوحجّة في خطاب في البرلمان في 16 أيّار/مايو أنّ الادعاءات المغربيّة الأخيرة "لن تزحزح موقف الجزائر الثابت والمساند للقضيّة الصحراويّة"، وقال: إنّ موقف مجلس الأمن في القرار رقم 2412 في 27 نيسان/ أبريل أكّد أنّ "مسألة تقرير المصير ينبغي أن تشكّل موضوع مفاوضات مباشرة بنيّة حسنة ومن دون شروط مسبقة تحت إشراف الأمم المتّحدة بين المملكة المغربيّة وجبهة البوليساريو من أجل التوصّل إلى حلّ سياسيّ عادل ومقبول من الجانبين يضمن تقرير مصير شعب الصحراء الغربيّة".
من جهته، قال رئيس المركز الأطلسيّ للدراسات الاستراتيجيّة والتحليل الأمنيّ في الرباط الأستاذ الجامعيّ المغربيّ عبد الرحيم منار السليمي في حديث لـ"المونيتور: إنّ تاريخ العلاقات المغربيّة - الإيرانيّة تاريخ أزمات وصراعات، فالصراع بداً في بداية الثمانينيّات وعاد مجدّداً في عاميّ 2008 و2009 بعد تفكيك المغرب لخليّة بلعيرج الإرهابيّة التي كانت لها علاقة بإيران وحزب الله. واليوم، يسعى كلّ من إيران وحزب الله إلى تغيير بنية البوليساريو بإنشاء حزب الله مغاربيّ يستهدف المغرب من الجنوب الغربيّ للجزائر ومن فوق المنطقة العازلة التابعة للأمم المتحدة في الصحراء الغربية".
أضاف: "إنّ المغرب رصد تنسيقاً كبيراً طيلة السنتين الماضيتين بين الحرس الثوريّ الإيرانيّ والسفارة الجزائريّة في طهران. ولا يعقل أن تحفر الخنادق وتنقل الصواريخ من فوق الأراضي الجزائريّة إلى البوليساريو وتكون الجزائر من دون علم، فهي شريك رئيسيّ في المشروع الإيرانيّ الذي تولاّه حزب الله داخل مخيّمات البوليساريو".
واعتبر عبد الرحيم منار السليمي أنّ الجزائر تريد زعزعة استقرار المغرب، بينما هدف إيران هو التمدّد في شمال إفريقيا وغربها، وهي تجد في البوليساريو موطئ قدم لها.
من جهتها، قالت الكاتبة والناشطة في البوليساريو النانة لبات الرشيد في حديث لـ"المونيتور": "لا يمكن لعاقل تصديق مزاعم المغرب الأخيرة. فالمغرب يبحث عن موطئ قدم لدى إدارة ترامب المعادية لإيران، مع العلم أنّ ترامب غاضب من النظام المغربيّ لتمويله حملة منافسته هيلاري كلينتون أثناء الإنتخابات الأميركيّة" في عام 2016.
وأوضحت أنّ المغرب يريد استغلال اتهام بعض الدول لـ"حزب الله" بالإرهاب بالحديث عن تعاونه على مستوى التدريب والتسليح مع البوليساريو لإلصاق تهمة الإرهاب بها أيضاً.
وأشارت النانة لبات الرشيد إلى أنّ جبهة البوليساريو لا تخفي علاقاتها الدوليّة، وأنّ إيران اعترفت بالدولة الصحراويّة منذ عام 1980، وكانت لها سفارة في طهران، ولكن منذ أواخر تسعينيّات القرن الماضي أصاب العلاقات الديبلوماسيّة بعض الفتور، وأغلقت السفارة، لكنّ العلاقة ليست سيّئة عموماً، وقالت: "إنّ الجيش الصحراويّ أقدم من حزب الله، وخاض الحرب ضد إسبانيا والمغرب وموريتانيا معاً، وهو مؤهّل جدّاً، وإضافة إلى ذلك فإنّ حليفته الجزائر"، الأمر الذي يعني أنّه لا يحتاج إلى تدريب "حزب الله" وتسليحه.
بدوره، أشار المحلّل السياسيّ اللبنانيّ توفيق شومان في حديث لـ"المونيتور" إلى أنّ "قطع الرباط علاقاتها مع طهران يندرج وفق قراءتي لطبيعة صوغ المغرب لعلاقاته الخارجية، ضمن حملة عربية عامة على إيران، تعيد إلى الذاكرة الحملة العربية نفسها على إيران خلال الحرب مع العراق (1980- 1988) حيث أقدمت دول عربية عدة، ومن بينها المغرب، على قطع علاقاتها مع إيران تضامناً مع بغداد"، مرجّحاً أن يكون القرار المغربيّ موقفاً تضامنيّاً مع السعوديّة.
وأضاف: "يتزامن ذلك مع مشروع سعوديّ لإرسال قوّات عربيّة إلى سوريا. وقد يكون المغرب يمهّد لتشكيل رأي عام مغربيّ ضدّ إيران لتبرير المشاركة في هذه القوّات، خصوصاً أنّ الرأي العام المغربيّ يعادي البوليساريو، ويعتبرها حركة انفصاليّة تهدّد وحدة التراب المغربيّ، أيّ أنّ السلطات المغربيّة ربطت قطع العلاقة مع إيران بأخطر التهديدات الأمنيّة من البوليساريو."
بدوره، قال لـ"المونيتور" مصدر قريب من "حزب الله"، طلب عدم كشف اسمه: إنّ "حزب الله" منشغل في الاستعداد لمواجهة إسرائيل في لبنان وسوريا وفي قتال الجماعات التكفيريّة في سوريا، وليس من أولويّاته التدخّل في قضيّة الصحراء الغربيّة. واعتبر أنّ الاتهامات التي قدّمها المغرب لا تستند إلى معطيات وحقائق، بل هي هروب إلى الأمام للتهرّب من استحقاق الحلّ السياسيّ والاستفتاء على تقرير المصير في الصحراء الغربيّة، كما نصّ عليه قرار مجلس الأمن الدوليّ رقم 2414.
أيّاً تكن خلفيّة الاتهامات المغربيّة لإيران و"حزب الله" والجزائر، فإنّها سلّطت الضوء مجدّداً على "نزاع الصحراء"، الذي بدأ قبل 43 عاماً، فالمغرب يسيطر على 80 في المئة من أراضي الصحراء ويعتبرها جزءاً من ترابه الوطنيّ، ويقترح منح السكّان الصحراويّين حكماً ذاتيّاً، بينما تطالب جبهة البوليساريو بحقّ تقرير المصير للصحراويّين والانفصال عن المغرب.