بيروت – لا تزال التحرّكات الشعبيّة مستمرّة داخل المخيّمات الفلسطينيّة في لبنان، احتجاجاً على إجراءات وزارة العمل اللبنانيّة في حقّ العمّال الفلسطينيّين، منذ بدء تنفيذ خطّة تنظيم العمالة الأجنبيّة في 10 تمّوز/يوليو الماضي، والتي أطلقها وزير العمل كميل أبو سليمان في أوائل حزيران/يونيو الماضي.
ولم تقتصر الاحتجاجات على الجانب الفلسطينيّ، إذ عبّر قسم من اللبنانيّين عن رفضهم هذه الإجراءات. وقد شارك لبنانيّون وفلسطينيّون في تظاهرة يوم الثلاثاء في 30 تمّوز/يوليو 2019، في مدينة صيدا في جنوب لبنان، رفضاً للخطّة، وسبقت التظاهرة وقفة احتجاجيّة نفّذها لبنانيّون وفلسطينيّون أمام مبنى الوزارة يوم الإثنين في 29 تمّوز/يوليو للغاية نفسها.
وكانت الوزارة قد منحت المؤسّسات التجاريّة التي لديها عمّال أجانب غير شرعيّين أو مخالفين للقانون في لبنان، مهلة شهر لتسوية أوضاعهم. وتشمل هذه التسوية منح أصحاب العمل العمّال الأجانب صورة عن عقد العمل، وتسجيلهم في الضمان الإجتماعي، كي يصبحوا عمالاً شرعيين.
على اختلاف جنسيّاتهم، ومن بينهم الفلسطينيّون. وبعد انتهاء المهلة في 9 تمّوز/يوليو الماضي، انطلق مفتّشو وزارة العمل في الأراضي اللبنانيّة بمؤازرة القوى الأمنيّة من أجل تطبيق الخطّة والتأكّد من امتلاك العمّال الأجانب إجازات عمل، وقد تمّ تسطير محاضر ضبط في حقّ عدد من العمّال الفلسطينيّين المخالفين وتم إقفال أحد المؤسسات التجارية التي يملكها فلسطيني، الأمر الذي اعتبره الفلسطينيّون بداية حملة ضدّهم.
تقول وجهة النظر المدافعة عن إجراءات الوزارة إنّه لا مبرّر لموقف الفلسطينيّين، طالما هم معفيّون من رسوم تسوية إجازات العمل، إذ لا يتكبدون دفع أموال مقابل حصولهم على إجازة العمل المفروضة على كل أجنبي، وهنا تم تمييز العامل الفلسطيني عن العامل الأجنبي، فيما يتعلق بالرسوم، ولكن بقي حصولهم على إجازة العمل شرطاً لممارسة عملهم في لبنان بطريقة شرعية.
إذ ينص القانون رقم 129 أنه "يتمتع الاجراء الاجانب عند صرفهم من الخدمة بالحقوق التي يتمتع بها العمال اللبنانيون شرط المعاملة بالمثل ويترتب عليهم الحصول من وزارة العمل على اجازة عمل. يستثنى حصرا الاجراء الفلسطينيون اللاجئون المسجلون وفقا للأصول في سجل وزارة الداخلية والبلديات – مديرية الشؤون السياسية واللاجئين – من شروط المعاملة بالمثل ورسم اجازة العمل الصادرة عن وزارة العمل". وبأنّ الأزمة هي عند ربّ العمل الذي سيترتّب عليه تكبّد أموال إضافيّة بعد تصحيح وضع العامل القانونيّ، أيّ أنّ العامل الفلسطيني لن يتكبد دفع أموال لأنه معفي من الرسوم، أما صاحب العمل اللبناني فهو الذي يفترض منه دفع رسوم تسجيل العامل في الضمان ودفع راتب شهري لا يقل عن الحد الأدنى للأجور للعامل الفلسطيني.
وتهدف الخطّة الى تنظيم اليد العاملة الأجنبيّة في لبنان (غالبيّتها من الجنسيّة السوريّة)، وتشجيع توظيف اليد العاملة اللبنانيّة وحمايتها، بحسب ما أعلن أبو سليمان مراراً منذ إطلاق الخطّة. وعن تقييمه لها، قال أبو سليمان لـ"المونيتور": "النتائج جيّدة وقد فاقت التوقّعات، أصبح هناك وعي لدى أصحاب المؤسّسات لأهمّيّة تشغيل يد عاملة لبنانيّة، وتسوية إجازات عمل الأجانب. وفي شهر واحد أمّنت تقريباً حوالى 1500 وظيفة لعمّال لبنانيّين".
على الصعيد الرسميّ، لم يطرأ أيّ تطوّر جدّيّ على المفاوضات التي ترعاها لجنة الحوار اللبنانيّ-الفلسطينيّ، وهي هيئة حكوميّة تأسّست في عام 2005 وتعنى بالسياسات العامّة التي تستهدف اللاجئين الفلسطينيّين في لبنان، بين أبو سليمان وممثّلي الفصائل الفلسطينيّة في لبنان منذ بدء الاحتجاجات، للتوصّل إلى مخرج لأزمة اشتراط حيازة الفلسطينيّ إجازة عمل، ولم يحدث تواصل منذ يوم الإثنين في 29 تمّوز/يوليو الماضي، حين اعتذر ممثّلو القوى الفلسطينيّة عن حضور اللقاء الذي كان مقرّراً مع اللجنة وأبو سليمان في الوزارة، وذلك احتجاجاً على تعثّر المفاوضات إذ "لم يحصلوا على أيّ وعود جدّيّة لمعالجة المسألة"، بحسب ما أعلن رئيس اللجنة وزير التربية السابق حسن منيمنة من مقرّ اللجنة في السراي الإثنين في 29 تموز/يوليو.
ويطالب الفلسطينيون بالعمل في لبنان من دون إجازات عمل، وأنّ لا يتم التعامل معهم كأجانب، لأنهم لاجئين وهناك صعوبة بعودتهم الى بلدهم في الوقت الراهن. لذلك طالبوا باستثنائهم من خطة وزارة العمل، التي رفضوها كونها تصعب مزاولة أعمالهم، فهناك بعض أصحاب العمل الذين يتهربون من تسجيل العمال الفلسطينيين في الضمان الإجتماعي، ويتهربون من توقيع عقود عمل معهم، ولهذه الأسباب باتوا يفضلون (أيّ أصحاب العمل) عدم تشغيل عامل فلسطيني، ما شأنه أنّ يؤثر سلباً على حياتهم المعيشية، إذ سيصبح جزء كبير منهم خارج سوق العمل ومن دون وظيفة تمكنه من تأمين قوت يومه.
ويعيش في لبنان حوالي 174 ألف لاجئ فلسطيني موزعين في 12 مخيماً للاجئين الفلسطينيين و156 تجمعاً بمحافظات لبنان الخمس، بحسب أحدث إحصاء جرى بإشراف لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني في العام 2017. يسمح لهم بالعمل في جميع الأعمال مثل البناء والزراعة وخدمة البيع والمطاعم وغيرها الكثير، ما عدا المهن المحصورة باللبنانيين، وهي التي يفترض لمزاولتها الإنتساب الى نقابة، مثل المحاماة والطب والهندسة، وهم بذلك يتمتعون بخصوصية لا يتمتع بها العامل الأجنبي في لبنان، نظراً لأنهم لاجئين إلى لبنان منذ عقود، ولا يمكنهم العودة الى فلسطين المحتلة في الوقت الراهن. علماً أنّ المهن المسموحة للفلسطينيين تحتاج من أجل مزاولتها الى إجازة عمل، لكن طوال الأعوام السابقة كان الفلسطينيون يعملون بدون إجازات عمل (أيّ بطريقة غير شرعية) ولكن لم يكن يتم ملاحقتهم، لأن وزراء العمل السابقين أخذوا في الإعتبار خصوصية اللاجئ الفلسطينين.
ويصرّ أبو سليمان على موقفه من الخطّة في ما يخصّ اللاجئين الفلسطينيّين، في مقابل تمسّك الفلسطينيّين برفض تطبيقها، ويقول لـ"المونيتور": "هناك لغط حيال ما يجري، فخطّة وزارة العمل لم تستهدف الأجراء الفلسطينيّين ولا علاقة لها بـ"صفقة القرن" والمؤامرة، كما يتمّ الترويج أخيراً". إذ هنلك تخوف لدى بعض الفلسطينيين من أن تكون إجراءات وزارة العمل، التي تتعاطى مع الفلسطيني كأجنبي وليس لاجئ، مدخلاً لحلحلة قضية اللاجئين الفلسطينيين، وهذا ما جاء في مضمون "صفقة القرن" التي تسعى لنفي حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وبالتالي فإن الفلسطينيون يعتبرون أنّ إسقاط صفة اللاجئ عنهم، تعني إسقاط حقهم في العودة الى فلسطين.
ونحن لم نصدر أيّ قرار في شأنهم بل نطبّق القانون اللبنانيّ رقم 129 الذي نصّ على وجوب استحصال أيّ أجير غير لبنانيّ على إجازة عمل، ولكنّه أعفى الفلسطينيّ من رسومها، ونحن لا يمكننا أن نستثني فئة دون أخرى، فذلك يحتاج إلى تعديل للقانون".
ويضيف أبو سليمان: "للّاجئين الفلسطينيّين خصوصيّة مشروعة مقارنة بالأجانب، مكرّسة بالقوانين اللبنانيّة وقرارات وزارة العمل، ونحن نطبّقها، منها إعفاؤهم من رسم إجازة العمل وبقول: "منذ أن بدأنا تطبيق الخطّة، قدّمت تسهيلات إضافيّة إليهم، منها إعفاؤهم من شرط إبراز إفادة ضمان، واكتفينا بإظهار إفادة عمل بدل عقد العمل"، وهنا استعاض أبو سليمان عن عقد العمل وهو اتفاقية بين طرفين يتضمن حقوق وواجبات، بإفادة هي بمثابة علم وخبر لإعلام طرف ثالث أنّ هذا الشخص يعمل لدى جهة معينة. و"أعفينا أصحاب العمل من شرط تحديد حصّتهم برأس مال الشركة ومن فرض نسب لعدد الأجراء الفلسطينيّين مقارنة باللبنانيّين"، ويضيف: "لا أفهم الرفض الحاصل، فالخطّة تصبّ في مصلحة العمّال الفلسطينيّين، لجهة منع طردهم تعسّفيّاً والتعويض عند نهاية الخدمة".
ويقول المسؤول السياسيّ لحركة حماس في لبنان أحمد عبد الهادي، وهو أحد ممثّلي القوى الفلسطينيّة التي شاركت في المفاوضات لـ"المونيتور" إنّ "التحرّكات الشعبيّة، وهي سلميّة، ستستمرّ في المخيّمات إلى حين تجميد الوزير قراره الذي تضمّن فرض حصول العامل الفلسطينيّ على إجازة عمل، وإحالة هذا الملفّ إلى مجلس الوزراء الذي يفترض أن يبتّ بالموضوع". وبأنّ "الوفد سيستمرّ في مقاطعة المفاوضات لأنّ الوزير ماضٍ في تطبيق القانون من دون أنّ يقدّم شيئاً إلى اللاجئين الفلسطينيّين"، وبأنّ "هناك مساعٍ لطرح الملفّ في أوّل جلسة للحكومة، والتفاهم على أنّ الفلسطينيّ لاجئ وليس أجنبيّاً".
ويضيف عبد الهادي: "موقفنا هذا ليس لأنّ الوزير يطبّق القانون، ولكنّ اعتراضنا أتى في سياق رفضنا التعاطي مع الفلسطينيّين كأجانب، فالقانون موجود قبل أعوام ولم يطبّقه أيّ وزير أو مسؤول سابق، وبسبب توقيت هذه الإجراءات التي تزامنت مع محاولات أميركيّة للضغط من أجل توطين الفلسطينيّين وإلغاء حقّ العودة".
من جهته، يقول منيمنة لـ"المونيتور": "الجميع مع تطبيق القانون. وقد لحظ قانون العمل اللبنانيّ الذي عدّل في عام 2010، خصوصيّة العامل الفلسطينيّ .إلّا أنّ عدم وضع مراسيم تطبيقية لهذا القانون، فتح المجال أمام وزراء العمل المتعاقبين لتطبيقه بمعايير مختلفة. فالقانون نافذ، ولكن لم تصدر لأجله مراسيم تطبيقية تحدد آلية عمل هذا القانون، مثل تحديد المستندات المطلوبة من أجل حيازة العامل الفلسطيني إجازة العمل، لتكون هذه الشروط ملزمة للجميع، ولا يمكن لأي وزير عمل التدخل وتعديلها.
وأضاف منيمنة: "النقطة الخلافيّة الحاصلة بين الطرفين، هي في موضوع عقد العمل بين العامل وربّ العمل كشرط من أجل الحصول على إجازة، وهي صعبة التحقّق، لأنّها ترتّب على أرباب العمل مجموعة مسؤوليّات ماليّة، كتسجيله في الضمان الاجتماعيّ وإعطائه الحدّ الأدنى للأجور، وهذا ما يجعل الفلسطينيّ حتماً خارج سوق العمل. وهذا هو مضمون التخوّف الذي أثاره الفلسطينيّون".
ويلفت منيمنة إلى أنّ "الحلّ يكون في اعتماد التوصية المتعلّقة بالعمالة الفلسطينيّة، والتي تضمنت "الاكتفاء باستدعاء موقّع من العامل من دون أيّ إفادة من صاحب العمل للحصول على إجازة"، وكانت قد وردت ضمن الوثيقة اللبنانيّة الموحّدة التي صدرت في عام 2015، بناء على دراسة للّجنة، ووقّعتها مختلف القوى السياسيّة اللبنانيّة الممثّلة في اللجنة، وإقرارها وتحويلها إلى مرسوم تطبيقيّ يصدر عن مجلس الوزراء يحفظ حقّ لبنان في تطبيق قانون العمل ويحفظ حقّ الفلسطينيّين في العمل".