بيروت — في 28 تشرين الثاني/نوفمبر 2019، صدر العدد الأوّل من صحيفة "١٧ تشرين" الورقية، وهي صحيفة شهرية (مجانية) أسّسها عدد من الصحافيين والناشطين إجتماعياً في لبنان، تتألف من 16 صفحة، وتتضمن مقالات ورسومات ومسابقات تسلية نابعة من قلب الإحتجاجات الشعبية التي إنطلقت في مختلف المناطق اللبنانية في 17 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، على خلفية تردي الأوضاع الإقتصاديّة والإجتماعيّة في البلاد، وما تزال حتى اليوم.
من حيث الشكل، تلونت الصحيفة بالأبيض والأسود، وتوسطت أغنية أم كلثوم "أنا الشّعب لا أعرف المستحيل" المانشيت على الغلاف. وفي الإفتتاحية، التي حملت عنوان "شّارعنا حرّ... لغتنا حرّة" كتب المخرج بشير أبو زيد، "نكتب للناس بقلم الناس" وتحدث عن أصل التسمية "١٧ تشرين، هو تاريخ ميلاد لبنان الجديد"، قائلاً: "قررنا الكتابة تمجيداً لثورتنا وتوثيقاً لأهم أحداثها. فلبنان المنتفض، بعد هذا التاريخ، ليس كما كان قبله".
وداخل الصحيفة، تشارك في كتابة النصوص، مجموعة كتاب صحافيين وناشطين في الثورة، من بينهم، خالد صاغية الّذي كتب مقالة تحت عنوان "الشعب يستعيد البلد" وإبراهيم حلاوي ومقالة "هل نحن طائفيون؟" ولورد عز الدين ومقالة "لست فتاة داشرة". وكان لافتاً مساهمة كتاب من سوريا ومصر في نصوص العدد الأول في صفحة عنوانها "رسالة من تجارب الثورات العربية" مثل مقالة فرات حمّود السورية وعنوانها "المستثقفون".
وبين صفحات الجريدة، رسمان لشهيدي الثورة علاء أبو فخر وحسين العطار. وصفحة لتوثيق أهم أحداث الثورة يومياً، وفق تسلسل تاريخي، منذ اليوم الأول ولغاية اليوم 32 للتحركات الشعبية. وفيها أيضاً مساحة تسلية تتصل بالثورة، وفي الصفحة الأخيرة لعبة "هرّب ثائر"، تهدف لمساعدة الثائر في الوصول الى أصدقائه واجتياز الأسلاك الشائكة.
وقال أبو زيد، وهو أحد المؤسسين وكاتب الإفتتاحية لـ"المونيتور": "ناقشت فكرة الصحيفة، أنا وصديق لي، في إحدى ساحات الإعتصام في رابع أيام المظاهرات، لكن تأجل صدورها بسبب الإنشغال بالتحركات والأحداث التي حصلت. وعندما بدأنا العمل عليها، كانت لدينا نية في إصدارها في 17 تشرين الثاني الماضي، أيّ بعد مرور شهر على بدء التحركات الشعبية، ولكن لم نتمكن من ذلك، إذ احتاج صدورها وقت أطول".
وأضاف أبو زيد، إنّ الصحيفة "أسّسها 5 أصدقاء تواصلوا مع كتاب وناشطين للمساهمة في المحتوى الّذي استغرق تجميعه حوالي أسبوعين. وطبعت 3 آلاف نسخة من العدد الأول، وزعت مجاناً في مختلف ساحات الإعتصام، في العاصمة بيروت وطرابلس (شمال لبنان) والنبطية وصور (جنوب لبنان). وقد جمعت تبرعات مالية لأجل إصدارها من متظاهرين في ساحات الإعتصام، لاسيّما دوار كفررمان (النبطية) ومن خلال إتصالات مع أصدقاء وجرت طباعتها في مطبعة تجارية".
ويتمّ في الوقت الراهن العمل على إصدار نسخ جديدة من العدد الأول، بسبب الإقبال الكبير على طلبها، والّذي فاق توقعات القائمين على هذه الصحيفة، وبالتوازي يتمّ العمل على إنجاز محتوى العدد الثاني من الذي منها، وفق ما أكده أبو زيد، قائلاً: "إنّ المجال مفتوح لجميع الناس لأي شخص يريد الكتابة في الصحيفة، طالما المحتوى المقدم يتناسب مع المواضيع المطروحة في العدد الجديد".
وأشار أبو زيد الى أنّ الهدف الأساسي من إصدار هذه الصحيفة، هو "إيجاد منصة بديلة عن الإعلام الذي ينطلق من مصالح سياسية بدل مصالح الناس. يتمّ من خلالها توثيق أهم إنجازات الثورة، نروي من خلالها تجاربنا ومطالب الناس، وحاجاتهم، وأسباب خروجهم الى الشارع. وفي الوقت نفسه، خلق مساحات نقاش ونقد بناء، لاسيّما أنّنا نسعى لإصدار هذه الصحيفة شهرياً، حتى لو توقفت التحركات الشعبية".
وفي حديث مع "المونيتور" قال خضر سلامة، وهو أحد المساهمين من كتاب الصحيفة، إنّ "قيمة هذه الصحيفة تكمن في أنّها أوّل نافذة "محتوى" تفتح بين ساحات الاعتصام على تنوعها وبين مجموعات العمل على اختلاف معارفها ورسالتها، وبين الانتفاضة الشعبية ككتلة غضب، والجمهور اللبناني عموما"، وأضاف "عندما تواصل معي الفريق الذي بادر للعمل على صحيفة "١٧تشرين" تحمست للمشاركة مباشرة، لإيماني منذ الأيام الأولى، بضرورة وجود منصة يتصل بها الجميع مع أفكار الجميع".
وعن المشاركة في هذه التجربة، قال سلامة " إنّها مهمة جدا، ونتمنى أن تكمل الصحيفة مسيرتها وتحجز مكانا متقدما في عملية التغيير التي نطمح إليها، وأن تكون ضمانة التواصل والاتصال بين جميع ممثلي هذه الكتلة الغاضبة اليوم، والتي عبر صحيفة تشرين، أثبتت أنّ لديها الكثير لتقوله في المرحلة المقبلة".
ويوم إصدار صحيفة "١٧ تشرين"، باتت حديث ساحات المظاهرات. فالجميع يود الإحتفاظ بنسخة منها، لأنّ الموقع الخاص بالصحيفة لا يزال قيد الإنشاء. علماً أنّ للنسخة الورقية وقع خاص على قلوب اللبنانيين، الّذين يثورون للمرة الأولى منذ إنتهاء الحرب الأهلية في العام 1990، بهذا الزخم على واقعهم الإقتصادي والإجتماعي، بعد أنّ أصبحوا مهددين بلقمة عيشهم في الآونة الماضية.
وقالت زينب يونس، وهي إحدى المتظاهرات في ساحة الشهداء لـ"المونيتور": إنّ "فكرة الصحيفة مبتكرة، إذ لا أعتقد أنه كان لها مثيل سابقاً في لبنان، فهي توثق الأحداث بطريقة موضوعية وحتى شعارات الثورة وشهدائها. وسيكون لها وقع على الأجيال المقبلة. فيما كان لافتاً مشاركة كتاب وناشطين لا يمتهنون العمل الصحافي".
وعبر علي الزين، وهو أحد المتظاهرين، لـ"المونيتور" عن فرحه في صدور العدد الأول من الصحيفة، قائلاً: "لقد أفرحنا كثيراً إصدار جريدة تمثلنا نحن الثوار. وأهمية هذه الجريدة، تكمن في أنّها منبر حر لتغطية الثورة، ومنبر ورقي، له رمزية كبيرة، إذ أعادت الثورة التذكير بدور الجريدة الورقية الذي تراجع إصدارها بشكل كبير في لبنان في الأعوام القليلة الماضية".
إلى جانب سرد أهم مجريات الثورة منذ بدايتها، قالت بيسان مكة، وهي إحدى متظاهرات ساحات وسط بيروت، لـ"المونيتور" إنّ "ما يميز صحيفة "١٧ تشرين" أنها ليست جريدة نمطية، بل إنّ كتابتها سهلة وسلسة، تشعرنا بأنّها من الشعب والى الشعب، بعكس الصحف الورقية، التي تخدم مصالح فئات معينة. والأهم من ذلك أنّها تروي قصصنا، نحن الثائرون والثائرات، وتوثق ذلك بصور حقيقية".