بيروت- أعلن المدير العام للدفاع المدنيّ العميد ريمون خطّار في رسالة، بعد اختتام عمليّات الإطفاء لحرائق الأحراج في لبنان، بـ17 تشرين الأوّل/أكتوبر، عن "اجتياز هذه الأزمة التي أسفرت عن كارثة بيئيّة محزنة جدّاً"، مثنياً على أداء عناصر الدفاع المدنيّ.
فقد اجتاحت لبنان، منذ فجر الإثنين في 14 تشرين الأوّل/أكتوبر من عام 2019، سلسلة حرائق، هي الأكثر قساوة على البلاد منذ عقود، قضت على آلاف الهكتارات من المساحات الخضراء، حيث طالت نيرانها مناطق لبنانيّة عدّة، وتنقّلت من الجنوب إلى الشمال، مروراً بمحافظة جبل لبنان، وكان أخطرها حريق منطقة المشرف (قضاء الشوف)، الذي امتدّ إلى مناطق مجاورة، تلاه حريق ضخم في أحراج مزرعة يشوع (قضاء المتن).
وأعلن ريمون خطّار، في 15 تشرين الأوّل/أكتوبر، أنّ "هناك حوالى 103 حرائق مندلعة على الأراضي اللبنانيّة، وتعمل حوالى 200 آليّة من الدفاع المدنيّ على إخمادها".
وتمدّدت الحرائق التي اشتعلت في الليل وأثناء النهار، ووصلت إلى المنازل والسيّارات والمعامل في أكثر من منطقة، مسبّبة أضراراً ماديّة جسيمة، وأخلت عائلات كثيرة بيوتها بالقرب من اشتعال النيران، وتوفي المواطن سليم أبو مجاهد اختناقاً خلال مساعدته في إطفاء الحرائق.
وتمّ عزل بعض خطوط التوتّر العالي (الكهرباء)، تسهيلاً لعمليّة إطفاء الحرائق وحفاظاً على السلامة العامّة، الأمر الذي تسبّب في انقطاع الكهرباء عن بعض المناطق. أمّا المشهد العام فكان مخيفاً للغاية بالنّسبة إلى اللبنانيّين: نيران مشتعلة ودخان وغابات وأشجار محترقة سوداء ورماد متطاير في كلّ مكان، حيث حصلت الحرائق.
وساهمت الأمطار، التي هطلت على لبنان مساء الثلثاء في 15 تشرين الأوّل/أكتوبر، في الحدّ من رقعة النيران، وقال أحد متطوّعي الدفاع المدنيّ يوسف الملاّح لـ"المونيتور": "إنّ الحرائق في لبنان قد همدت، لكنّنا في الدفاع المدنيّ نراقب في الوقت الراهن من أجل التدخّل لإخماد أيّ حريق قد ينشب من جديد".
ومنذ اندلاع الحرائق، عملت فرق الإطفاء التابعة للدفاع المدنيّ اللبنانيّ وطوّافات الجيش اللبنانيّ على إخماد النيران، وساهم في ذلك شباب المجتمع الأهليّ. وكانت لافتة مؤازرة شبّان من المخيّمات الفلسطينيّة وحدات الدفاع المدنيّ اللبنانيّ. كما وضع الصليب الأحمر اللبنانيّ فرقه في حال استنفار.
وعلى الفور، أعلنت وزيرة الداخليّة والبلديّات ريا الحسن عبر صفحتها على "تويتر" عن إنشاء غرفة عمليّات في السراي لمتابعة مسألة الحرائق.
وأوعز رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون في بيان الثلثاء بـ15 تشرين الأوّل/أكتوبر، إلى المعنيّين بوجوب مساعدة المواطنين الذين اضطرّوا إلى مغادرة منازلهم.
وترأس رئيس الحكومة سعد الحريري اجتماع الهيئة الوطنيّة لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث، معلناً أنّه "أجرى اتصالات عدّة مع دول الخارج لإرسال طوّافات لإطفاء الحرائق"، مؤكّداً فتح تحقيق ومحاسبة المرتكبين، رافضاً "توجيه اتّهامات لأيّ كان".
أمّا المشكلة الأكبر فكانت أنّ العناصر واجهت الحرائق بتجهيزات لوجستيّة ضئيلة، وساهمت في إنقاذ المدنيّين، علماً بأنّ هذه الحرائق اجتاحت لبنان تحت تأثير موجة حارّة، بدأت الأحد في 13 تشرين الأوّل/أكتوبر الحاليّ، إذ ارتفعت درجات الحرارة فوق معدّلاتها الموسميّة، الأمر الذي تسبّب بتفاقم الأزمة أكثر. وكذلك، لعبت الرياح دوراً كبيراً في امتداد النيران، وفق ما أكّدته المستشارة الوطنيّة لوحدة إدارة مخاطر الكوارث لدى رئاسة مجلس الوزراء سوسن بو فخر الدين لـ"المونيتور".
وتراوحت تعليلات أسباب اندلاع الحرائق في اليومين الفائتين، بين العوامل المناخيّة أو افتعال أحدهم لها. وقد طلب وزير العدل ألبرت سرحان فتح تحقيق في ملابسات هذه الحرائق وأسبابها لمعرفة إذا كانت مفتعلة، وأشارت جريدة "الأخبار" اللبنانيّة إلى أنّ التحقيق الذي يجريه الجيش اللبنانيّ ينطلق من ثلاث ملاحظات: استبعاد فرضيّة العوامل الطبيعيّة في نشوب مثل هذه الحرائق (رغم مساهمتها حتماً)، انطلاق النيران من بقعة محدّدة، ووجود خطّ لانتشار النيران.
من جهتها، أكّدت سوسن بو فخر الدين لـ"المونيتور" أنّ هناك أسباباً غير مباشرة كثيرة ساهمت في انتشار بقعة الحرائق في لبنان، أهمّها، عدم صيانة الغابات قبل فصل الصيف وإهمال الغطاء الحرجيّ والنباتيّ، بمعنى أنّه لا يتمّ تنظيف الكتل العشبيّة اليابسة التي باتت متّصلة بالأشجار في الأحراج، ورافق ذلك انخفاض رطوبة الأرض في آخر أيّام فصل الصيف، سرعة الرياح التي وصلت إلى 50 كيلومتراً في الساعة، إلى جانب درجات الحرارة المرتفعة جدّاً، الأمر الذي تسبّب بهذه الحرائق الكبيرة، وذلك بمعزل عن السبب المباشر، الذي يمكن أن يكون بفعل إضرام المزارعين النار في الأعشاب اليابسة ومكبّات النفايات العشوائيّة، أو رمي السيجارة وإشعال النار خلال النزهات.
وأشارت بو فخر الدين إلى أنّ "الناس أدركوا من خلال الحرائق التي وقعت هذا العام، أنّها ممكن أنّ تصل إلى حدّ تهدّد سلامتهم وحياتهم"، وقالت: "إنّ الوقاية المسبقة هي أساس في التقليل من حدّة هذه الحرائق، إذ لا بدّ من تنظيف الأحراج من الكتل العشبيّة اليابسة قبل كلّ صيف، بدليل أنّ الأماكن التي تمّ تنظيفها العام الماضي لم تندلع فيها الحرائق هذا العام".
وتحدّثت عن عوامل أخرى ساهمت أيضاً في انتشار الحرائق وعدم انحصارها بسرعة، مثل مخلّفات الحرب من الألغام، التي منعت وصول عناصر الدفاع المدنيّ إلى أماكن مشتعلة، وعدم وجود طوّافات خاصّة لإطفاء الحرائق، لا سيّما أنّ الأودية لا يمكن إخماد الحرائق فيها إلاً بالطوّافات، لكنّ طوافات الجيش التي استخدمت دورها محدود، لأنّها لا تعمل أثناء الليل ولا في أماكن تواجد أسلاك الكهرباء وفي حال اشتداد سرعة الرياح، وبالتالي هناك أسباب تقنيّة جعلت تدخّل هذه الطوّافات محدوداً جدّاً".
وأشارت بو فخر الدين إلى أنّ "الكلفة البيئيّة ستكون مرتفعة حتماً، لا سيّما أنّ لبنان يشهد تراجعاً متسارعاً في مساحة الغابات والمناطق الخضراء، التي تحتاج إلى أعوام كثيرة من أجل عودتها، وتقدّر المساحات التي احترقت في يوم واحد عند اندلاع الحرائق بين 1200 و1500 هكتار، وهو يعادل معدّل الحرائق السنويّة في لبنان، وهذا يعدّ رقماً كبيراً للغاية. أمّا الكلفة الاقتصاديّة، فلا يمكن احتسابها حاليّاً لأنّ الأضرار كبيرة جدّاً، إذ دمّرت غابات وغطاء حرجيّ وأراض ومحاصيل زراعيّة خسرها المزارعون. وهناك أيضاً أملاك تضرّرت وسيّارات ومنازل، واستنفد الدفاع المدنيّ كامل تجهيزاته".
وأعطى ميشال عون توجيهاته إلى الهيئة العليا للإغاثة للتعويض على الأهالي وأصحاب المنشآت المتضرّرين من الحرائق وللبدء بحملة تشجير واسعة.
وقال وزير البيئة فادي جريصاتي، في وقت سابق: "لقد وضع قائد الجيش ثماني طوّافات لإطفاء الحرائق. وهناك وفد سيسافر إلى إسبانيا من أجل شراء طائرتين خاصّتين تختلفان عن سيكورسكي".
وكان وزير الداخليّة السابق زياد بارود أشار إلى أنّ الدولة "اشترت في عام 2009 ثلاث طوّافات لإخماد الحرائق من نوع سيكورسكي، بالتنسيق مع الجيش اللبنانيّ، استخدمت في عام 2013، وهي الآن غير صالحة للاستعمال بسبب عدم صيانتها".