أكّد الرئيس التونسيّ قيس سعيد، خلال إشرافه على اجتماع مجلس الأمن القوميّ في قصر الرئاسة بـ7 كانون الثاني/يناير من عام 2020، ضرورة الإعداد الجيّد لاستقبال عدد من اللاّجئين القادمين من التراب الليبيّ على الصعيدين الأمنيّ والإنسانيّ، في ظلّ تصاعد وتيرة القتال في هذا البلد الجار.
وشدّد في كلمة له، بحضور كلّ من رئيس حكومة تصريف الأعمال يوسف الشاهد ورئيس البرلمان راشد الغنّوشي ومجموعة من القيادات الأمنيّة والعسكريّة السامية، على ضرورة الإعداد الجيّد على المستويين الأمنيّ والإنسانيّ، تحسّباً لاستقبال عدد من اللاّجئين الليبيّين والأفارقة وإمكانيّة تسلّل مجموعات إرهابيّة بينهم.
وحثّ قيس سعيد الدول والمنظّمات المعنيّة بتردّي الأوضاع في ليبيا على غرار الاتحاد الأوروبيّ والمفوضيّة السامية لشؤون اللاّجئين، على ضرورة تقديم المساعدات الماليّة لتتمكّن تونس من مجابهة هذه الوضعيّة، مشدّداً على ضرورة مراقبة الحدود البريّة والبحريّة والجويّة، والاستعداد على المستوى الصحيّ لأيّ طارئ.
وتشنّ قوّات المشير الليبيّ خليفة حفتر المدعوم من قوى أجنبيّة على غرار الإمارات العربيّة المتّحدة ومصر وفرنسا هجمات، منذ شباط/فبراير من عام 2019، ضدّ قوّات حكومة الوفاق الوطنيّ المعترف بها دوليّاً برئاسة فايز السرّاج المدعومة أخيراً من تركيا بهدف السيطرة على العاصمة الليبيّة طرابلس.
وكانت الخارجيّة التونسيّة دانت، في 6 كانون الثاني/يناير من عام 2020، قصف قوّات خليفة حفتر الكليّة العسكريّة - جنوب العاصمة طرابلس، والذي أسفر عن سقوط 30 قتيلاً من التلاميذ الضبّاط الدارسين في هذه الكليّة.
ودعت تونس كلّ الأطراف الليبيّة والإقليميّة والدوليّة إلى العمل على الوقف الفوريّ للعمليّات العسكريّة واحترام الشرعيّة الدولية ومخرجات الاتفاق السياسيّ الليبيّ.
من جهتها، توقّعت مديرة الدفاع الاجتماعيّ في وزارة الشؤون الاجتماعيّة وممثّلتها في "اللجنة الوطنيّة للطوارئ" منية النعيمي، خلال ندوة صحافيّة بـ8 كانون الثاني/يناير من عام 2020، توافد نحو 25 ألف لاجئ، في حال تصاعدت العمليّات العسكريّة بليبيا، مشيرة إلى أنّ الوزارة ستقدّم الإحاطة الاجتماعيّة والنفسيّة إلى اللاّجئين القادمين عبر المعبرين الحدوديّين "رأس الجدير" و"الذهيبة" في الجنوب التونسيّ، بحسب ما نقله راديو "إي أف أم" التونسيّ.
وأشار رئيس منظّمة الهلال الأحمر التونسيّ في محافظة مدنين الحدوديّة مع ليبيا منجي سليم خلال تصريح لـ"المونيتور" إلى أنّ المنظّمة قامت بتفعيل خطّة الطوارئ الخاصّة بإغاثة اللاّجئين، بالتنسيق مع المفوضيّة السامية لشؤون اللاّجئين والمنظّمة الدوليّة للهجرة واللجنة الدوليّة للصليب الأحمر، تحسّباً لتدفّق المئات على الحدود مع ليبيا.
وأوضح أنّ هذه الخطّة تعود إلى سنة 2011، إبان اندلاع الثورة الليبيّة في 15 شباط/فبراير من عام 2011، حيث استقبلت حينها تونس أكثر من مليون و200 ألف من الليبيّين والجنسيّات الإفريقيّة، الذين أقام بعض منهم في مخيّم "الشوشة" الواقع بمحافظة مدنين الحدوديّة مع ليبيا وأغلقته السلطات التونسيّة في سنة 2013.
ولفت منجي سليم إلى أنّ الخطّة تعتمد على توفير حدّ أدنى من المخزون الاستراتيجيّ من الموادّ الغذائيّة والطبيّة ومستلزمات الإقامة من حشايا وأغطية صوفيّة وملابس شتويّة، لا يقلّ عن حاجة ألفيّ لاجئ في مرحلة أولى، مشيراً إلى تحديد مكان في منطقة رمادة بالجنوب التونسيّ، وتحديداً "بير الفطناسيّة"، لإقامة مخيّم لجوء جديد سيتمّ فتحه، في حال كان هناك تدفّق من الجانب الليبيّ.
على صعيد آخر، وفي إطار استعداد تونس لاستقبال وفود من اللاّجئين المحتملين من ليبيا، عقد كاتب الدولة المكلّف بتسيير وزارة الشؤون الخارجيّة صبري باش طبجي، جلسة عمل في 8 كانون الثاني/يناير من عام 2020 مع منسّق الأمم المتّحدة في تونس دييغو زوريلاّ وممثّلين عن المفوضيّة السامية لشؤون اللاّجئين والمنظّمة الدوليّة للهجرة ومنظّمة الأمم المتّحدة للطفولة - اليونيسف ومنظّمة الصحّة العالميّة للبحث في الاستعدادات الميدانيّة المتعلّقة بخطّة الطوارئ المشتركة، تحسّباً لأيّ تدفّق بشريّ جماعيّ من ليبيا في حال تصاعدت وتيرة القتال.
وكانت الوحدات الأمنيّة والعسكريّة التونسيّة المتمركزة على امتداد الشريط الحدوديّ الفاصل بين تونس وليبيا رفعت من درجات تأهّبها القصوى، بحسب ما أكّده يوسف الشاهد، خلال لقائه بإطارات أمنيّة وعسكريّة في 7 كانون الثاني/يناير من عام 2020، مشيراً إلى أنّ القوّات كافّة جاهزة، تحسّباً لتدفّق أعداد من اللاّجئين عبر حدودها البريّة.
وفي السياق ذاته، أكّد الناطق الرسميّ باسم وزارة الداخليّة خالد الحيوني في تصريح لـ"المونيتور" وضع القوّات الأمنيّة في حالة استنفار دائم على طول الشريط الحدوديّ البريّ والبحريّ مع ليبيا، مشدّداً على تأمين المعابر الحدوديّة النظاميّة بشكل كامل، تحسّباً لتسلّل أشخاص أو سلاح بشكل غير قانونيّ، موضحاً أنّ وتيرة عبور الأشخاص من المعابر الحدوديّة البريّة من ليبيا باتّجاه تونس لم تشهد حتّى اللحظة مؤشّرات استثنائيّة، ويتمّ التعامل معها بشكل يقظ، تحسّباً لتسلّل أشخاص من ذوي الشبهات أو المسلّحين.
يشار إلى أنّ تونس كانت استقبلت، في 25 كانون الأوّل/ديسمبر، الرئيس التركيّ رجب طيّب أردوغان في زيارة غير معلنة، حيث تصدّر الملف الليبيّ وقضيّة تدفّق اللاّجئين محور لقاء الرئيسين، بحسب ما أعلنه سعيد ونظيره التركيّ خلال لقاء صحافيّ مشترك.
لا تخفي أوساط سياسيّة وحقوقيّة تونسيّة خشيتها من تداعيات تدهور الوضع الأمنيّ في ليبيا، بالتزامن مع اقتراب قوّات حفتر من العاصمة طرابلس، وتأثير ذلك بشكل مباشر على تونس أمنيّاً واقتصاديّاً واجتماعيّاً، وهي التي تعيش على وقع مخاض حكوميّ عسير ووضع اقتصاديّ هشّ.