لا يقتصر الصراع في ليبيا على الرصاص فقط، فهو امتدّ إلى سلاح آخر يستخدم كأداة ضغط، وهو النفط، حيث أعلنت المؤسّسة الوطنيّة للنفط ومقرّها طرابلس في 18 كانون الثاني/يناير 2020، القوّة القاهرة نتيجة إغلاق موانئ النفط في شرق ليبيا، وهي مناطق تخضع إلى سيطرة الجيش الوطنيّ الليبيّ.
واتّهمت المؤسّسة الوطنيّة للنفط الجيش الوطنيّ الليبيّ بقيادة المشير خليفة حفتر وجهاز حرس المنشآت النفطيّة التابع إليه، بإصدار تعليمات بإيقاف صادرات النفط من موانئ البريقة وراس لانوف والحريقة والزويتينة والسدرة في شرق ليبيا.
وتتيح حالة القوّة القاهرة إعفاء المؤسّسة الوطنيّة للنفط من مسؤوليّتها، في حال عدم الإيفاء بالالتزامات المترتّبة عليها بموجب عقود تسليم النفط في حال كان ذلك ناجماً عن ظروف استثنائيّة.
ورفضت المؤسّسة الوطنيّة للنفط في21 كانون الثاني/يناير 2020 استئناف عمليّات النفط في ليبيا إلّا بعد فتح الموانئ المغلقة في شرق ليبيا، وذلك ردّاً على دعوات السفارة الأميركيّة في ليبيا إلى عودة العمل مرّة أخرى.
وقال المتحدّث باسم الجيش الوطنيّ الليبيّ اللواء أحمد المسماري، في تصريحات له في 18 كانون الثاني/يناير 2020 إنّ "الشعب الليبيّ هو الذي أقفل الموانئ النفطيّة والحقول ومنع تصدير النفط". وأضاف: "نحن ما علينا إلّا حماية شعبنا (...)."
وأعلن شيخ قبيلة الزاوية العمدة السنوسي الحليق الزوي، في تصريحات إلى وكالة "فرانس برس" في 17 كانون الثاني/يناير 2020، إغلاق الموانئ النفطيّة وذلك "بهدف تجفيف منابع تمويل الإرهاب بعوائد النفط،" في إشارة إلى الحؤول دون استفادة حكومة الوفاق الوطنيّ من عائدات النفط لصرفها على مقاتلين من خارج ليبيا.
ويتولّى الجيش الوطنيّ الليبيّ مهمّة تأمين الموانئ النفطيّة متمثّلاً في جهاز حرس المنشآت النفطيّة، لكنّ عائدات إنتاج النفط تذهب إلى المؤسّسة الوطنيّة للنفط ومقرّها طرابلس والمعترف بها دوليّاً.
وتعاني صناعة النفط في ليبيا من الانقسام المؤسّسيّ، حيث توجد مؤسّستان للنفط في البلاد، الأولى في بنغازي وتابعة إلى الحكومة الليبيّة الموقّتة والثانية المؤسّسة الوطنيّة للنفط في طرابلس ومعترف بها دوليّاً كمؤسّسة رسميّة مخوّلة إبرام التعاقدات الدوليّة للنفط.
على الرغم من مطالبة الدول المشاركة في مؤتمر السلام حول ليبيا الذي عقد في برلين في 19 كانون الثاني/يناير 2020، كلّ الأطراف الليبيّة المتنازعة بالامتناع عن أيّ عمليّات عدائيّة في حقّ المواقع والبنية التحتيّة النفطيّة، إلّا أنّه عشيّة المؤتمر، أغلقت الموانئ النفطيّة.
ويطالب الجيش الوطنيّ الليبيّ بإعادة توزيع إيرادات النفط، لكنّ رئيس حكومة الوفاق الوطنيّ السراج أعلن رفض مطالب حفتر بربط إعادة فتح الموانئ المغلقة في شرق ليبيا بإعادة توزيع إيرادات النفط.
وفي 24 كانون الثاني/يناير 2020، أعلن ممثّلو أعيان قبائل ليبيا المؤيّدة للجيش الوطنيّ الليبيّ ومشايخها، خلال اجتماع لهم، رفض إعادة فتح الموانئ النفطيّة، إلّا بعد إسقاط حكومة الوفاق الوطنيّ وإعادة توزيع الثروة النفطيّة وتشكيل حكومة تسيير أعمال.
ونتيجة إغلاق الموانئ ووقف عمليّات النفط، انخفض الإنتاج النفطيّ بمعدّل نحو 75% ليهبط إلى نقطة الـ320 ألف برميل يوميّاً من مستوى 1.2 مليون برميل يوميّاً، وذلك بحسب بيان المؤسّسة الوطنيّة للنفط في طرابلس في 25 كانون الثاني/يناير 2020.
أكّد رئيس لجنة متابعة أداء المؤسّسة الوطنيّة للنفط في البرلمان الليبيّ يوسف العقوري، أنّ إغلاق بعض الموانئ في شرق ليبيا هو امتداد لحراك شعبيّ للمطالبة بالعدالة في توزيع عائدات النفط، وكذلك للمطالبة بمحاسبة حكومة الوفاق الوطنيّ على أوجه الإنفاق، خصوصاً بعد الاتّهامات الموجّهة إليها بإحضار مرتزقة للقتال إلى جانب قوّاتها بالتعاون مع تركيا.
وأكمل العقوري، خلال تصريحات إلى "المونيتور"، أنّ النفط بالفعل تحوّل إلى سلاح شعبيّ ضدّ حكومة الوفاق الوطنيّ، فالمناطق الخاضعة إلى سيطرة الجيش الوطنيّ الليبيّ تعيش أوضاعاً صعبة، نتيجة عدم إعطائها مخصّصاتها الماليّة.
وأضاف أنّ "جهود اللجنة لتوحيد مؤسّسة النفط باءت بالفشل بسبب تعنّت حكومة الوفاق الوطنيّ وإصرارها على الاستحواذ على ثروات النفط، لكنّنا نأمل في أن يؤدّي الحوار الاقتصاديّ الذي انطلق أخيراً برعاية الأمم المتّحدة إلى إيجاد آليّات تضمن توزيع العائدات بعدالة وشفافية بين مناطق ليبيا، لأنّنا نرى أنّ مؤسّسة النفط في طرابلس أصبحت رهينة للميليشيات ولا تؤدّي عملها في شكل نزيه" .
وفي 7 كانون الثاني/يناير، عقدت الأمم المتّحدة اجتماعاً في تونس بين الأطراف الليبيّة لبحث المسار الاقتصاديّ وأزمة النفط وكيفيّة توحيد المؤسّسات الاقتصاديّة والنفطيّة.
من جانبه، أكّد عضو مجلس النوّاب الليبيّ علي السعيدي أنّ إغلاق الموانئ النفطيّة يعكس غضباً شعبيّاً لممارسات حكومة الوفاق الوطنيّ واتّفاقها مع تركيا لاستجلاب مقاتلين مرتزقة ودفع رواتبهم من عائدات ثروة ليبيا النفطيّة.
وأكمل السعيدي، خلال تصريحات خاصّة إلى "المونيتور"، أنّ الشعب الليبيّ خصوصاً في شرق ليبيا وجنوبها يعاني من تهميش في إيرادات النفط، فحكومة الوفاق الوطنيّ تمارس سياسات عقابيّة بسبب دعم تلك المناطق للجيش الوطنيّ الليبيّ.