أعلن وزير الخارجيّة الماليزيّ سيف الدين عبد الله، في 28 كانون الأوّل/ديسمبر، تعيين قنصلين فخريّين لبلاده في غزّة ورام الله أوائل عام 2020، استكمالاً لما أعلنه رئيس الوزراء الماليزيّ مهاتير محمّد أمام قمّة عدم الانحياز بأذربيجان في 25 تشرين الأوّل/أكتوبر عزم بلاده افتتاح سفارة لفلسطين في الأردن.
وقال وزير الخارجية الماليزي سيف الدين عبدالله يوم 28 ديسمبر، أنه يتمنى أن يشهد عام 2020، فتح سفارة بلاده لدى فلسطين بالأردن، وأنه يستحيل أن يتم افتتاحها برام الله، لانه سيكون عليهم بهذه الحالة التعامل مع إسرائيل، وهو ما لا يريدونه، وماليزيا ستتفاوض مع الأردن حول ذلك، للحصول على موافقته.
السفراء لدى السلطة الفلسطينيّة انتقلوا جميعاً بعد سيطرة "حماس" على غزّة في عام 2007 إلى رام الله، يأتون إلى غزّة ساعات عدّة فقط، لكنّ قرار ماليزيا قد يحمل نهجاً جديداً، يلقى ترحيب "حماس"، واستغراب موقف السلطة.
سعى "المونيتور" إلى الحصول على تعقيب وزارة الخارجيّة الفلسطينيّة في رام الله، لكنّها رفضت، بانتظار توافر رأي القانون الديبلوماسيّ لفهم الخطوة.
وقال مسؤول فلسطينيّ رفيع المستوى في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، أخفى هويّته، لـ"المونيتور": "نخشى أن تكون الخطوة الماليزيّة مرتبطة باعتبار غزّة كياناً سياسيّاً غير خاضع للسلطة".
وقدّم وزير الخارجيّة الفلسطينيّ رياض المالكي تخوّفات مشابهة، بإعلانه لإذاعة صوت فلسطين برام الله في 28 تشرين الأوّل/أكتوبر أنّ "العرف الديبلوماسيّ والظروف لن يسمحا بافتتاح سفارة ماليزيّة لفلسطين في الأردن"، بحسب وكالة معا.
وقال عضو مكتب العلاقات الدوليّة في "حماس" ووزير الصحّة السابق باسم نعيم لـ"المونيتور": "إنّ قرار ماليزيا هو تعبير عن تعاظم علاقاتها القويّة مع الفلسطينيّين، وهي تعلن مواقف سياسيّة داعمة لحماس، تتوّجت بحضور وفد حماس قمّة كوالالمبور الإسلامية، التي استضافتها العاصمة الماليزية بين يومي 18-20 ديسمبر".
وأضاف نعيم أننا "نأمل في زيادة دعم ماليزيا الاقتصاديّ والماليّ لغزّة. وإن تعيين قنصل لها في غزّة سيوثّق علاقاتنا بها أكثر، ويسفر عن تقديم مزيد من المشاريع الاقتصاديّة لتحسين واقع غزّة الصعب. من حقّ ماليزيا لعب دور سياسيّ، وإنّ الفلسطينيّين يرحّبون به لما فيه مصلحتهم".
تطرح الخطوة الماليزيّة تساؤلات عدّة حول نظرة المجتمع الدولي القانونيّة والسياسيّة لقطاع غزّة الخاضع لسيطرة "حماس"، فعلاقته بتنامي علاقة ماليزيا بـ"حماس" وصلت إلى ذروتها بمشاركة الحركة بوفد قياديّ كبير في قمّة كوالالمبور الإسلاميّة بـ18 كانون الأوّل/ديسمبر، وغياب السلطة عنها، الأمر الذي يكشف عن دور سياسيّ لماليزيا تلعبه في الأراضي الفلسطينيّة، يكون مركزه غزّة، وليس الضفّة.
وشهدت علاقات "حماس" وماليزيا تنامياً تدريجيّاً عبر الزيارات المتبادلة، فقد زارها زعيم "حماس" السابق خالد مشعل بأيّار/مايو من عام 2019، وكانون الأوّل/ديسمبر من عام 2015، وكانون الأوّل/ديسمبر من عام 2013. وفي كانون الثاني/يناير من عام 2019، اتّصل زعيم الحركة إسماعيل هنيّة بمهاتير محمّد، فيما زار رئيس وزراء ماليزيا السابق محمّد نجيب عبد الرزّاق غزّة في كانون الثاني/يناير من عام 2013، وبحثت هذه الاتصالات والزيارات في توثيق علاقاتهما.
وقال عضو في البرلمان الماليزيّ، أخفى هويّته، لـ"المونيتور": "إنّ تعيين قنصلين ماليزيّين في غزّة ورام الله أمر طبيعيّ لتطبيق سياستنا بدعم الفلسطينيّين بكلّ أماكنهم. تعاوننا مع غزّة اقتصاديّاً أسهل من الضفّة لعدم اضطرارنا إلى التواصل مع إسرائيل المسيطرة على معابرها، ودعمنا للسلطة لم يتوقّف بالمواقف السياسيّة، وتدريب كوادرها الحكوميّة".
شهدت السنوات الأخيرة تزايداً في المواقف الماليزيّة لدعم الفلسطينيّين، فدانت وزارة خارجيّتها في 16 تشرين الثاني/نوفمبر عدوان إسرائيل على غزّة. وفي آب/أغسطس، أطلقت مؤسّسة القدس ماليزيا موسوعة "أقصى بيديا" المتعدّدة اللغات لتعريف المسجد الأقصى إلى مجتمعات جنوب شرق آسيا ضدّ الدعاية الإسرائيليّة. وفي 27 تمّوز/يوليو، اتّهم مهاتير محمّد إسرائيل بأنّها سبب الإرهاب في العالم. وفي 23 كانون الثاني/يناير، اعتبر أنّ الإسرائيليّين قادمون من دولة إجراميّة، وقال إن ماليزيا لا يمكن أن تستقبل الرياضيين الإسرائيليين ضمن بطولة العالم للسباحة في يوليو 2019 المقرر عقدها في كوتشينغ. وفي نيسان/إبريل من عام 2018، اتّهمت الخارجيّة الماليزيّة إسرائيل بتعمد استهداف الفلسطينيّين المشاركين في مسيرة العودة على حدود غزّة. وفي نيسان/إبريل من عام 2017، نظّمت الحملة العالميّة لكسر حصار غزّة، بولاية كلنتين Kelantan وقفة تضامنيّة مع غزّة. وفي أيّار/مايو من عام 2014، طالب وزير الخارجيّة الماليزيّ السابق حنيفة أمان إسرائيل برفع الحصار عن غزّة.
وقال رئيس مؤسّسة القدس ماليزيا شريف أبو شمالة لـ"المونيتور": "إنّ قرار ماليزيا نابع من مساعدة الفلسطينيّين وزيادة متابعة أوضاعهم وتعزيز علاقاتها الشعبيّة والرسميّة بهم. هناك رغبة كبيرة لماليزيّين في الالتحاق بجامعات غزّة، وهناك ماليزيّون متزوّجون من فلسطينيّات، ومجتمع ماليزي موجود في غزة، لا أظن أن السلطة الفلسطينية ستوافق على الخطوة الماليزية بتعيين قنصل لها في غزة، وأعتقد أنّها ستعرقلها".
على الصعيد الاقتصاديّ، تنامى الدور الماليزيّ للفلسطينيّين، لا سيّما في غزّة، عبر عدد من المؤسّسات الحكوميّة والأهليّة الماليزيّة، ومنها: أمان فلسطين، الأقصى الشريف، فيفا فلسطينا، أحبّاء غزّة، ومؤسّسة مابيم.
وفي 17 تمّوز/يوليو، زار وفد ماليزيّ رفيع المستوى غزّة، برئاسة السكرتير السياسيّ لوزير الخارجيّة محمّد نوح، لبحث دعم قطاع التعليم، وأفاد نوح بأن نقاشًا يجري في أروقة الحكومة الماليزية من أجل افتتاح قنصلية ماليزية في قطاع غزة لخدمة الماليزيين المقيمين فيها، وتعزيز التعاون بين الفلسطينيين والماليزيين.
افتتح الوفد الماليزي مكتب الجالية الماليزيّة في غزّة، بحضور مسؤولين حكوميّين فلسطينيّين، والذي ضمّ المقر الرئيسي لمركز الدراسات الاستراتيجيّة والمركز الثقافيّ الماليزيّ، ومقرّ المؤسّسات الماليزيّة التي تساعد الفلسطينيّين. وزار الوفد وزارة الداخليّة لمعرفة احتياجاتها.
وقال مساعد وزير الخارجيّة الفلسطينيّ السابق محمود العجرمي لـ"المونيتور": "إنّ القنصل الماليزيّ في غزّة سيرعى مصالح بلاده فيها، وإدارة مشاريعها عن قرب. وإنّ تعيينه هو سلوك سياسيّ يحمل اعترافاً بحماس كقوّة سياسيّة أساسيّة، وليست إرهابيّة، سيفتح لها أبواب آسيا، بحيث تستفيد حماس من علاقات ماليزيا الإقليميّة والدوليّة. المشكلة في السلطة التي قد ترفض الخطوة، وتعتذر عن استقبال القنصل الماليزيّ في رام الله، لأنّ تعيين آخر في غزّة من وجهة نظرها يشكّك بوحدانيّة تمثيلها الفلسطينيّين. وهنا، قد ندخل في أزمة ديبلوماسيّة فلسطينيّة - ماليزيّة".
وقال رئيس منظّمة الثقافة الفلسطينيّة بماليزيا وأحد قادة الجالية الفلسطينيّة في ماليزيا المقدّرة بـ4 آلاف فلسطينيّ مسلم عمران لـ"المونيتور": "إنّ قرار ماليزيا استمرار لسياستها في التواصل مع الأطراف الفلسطينيّة الفاعلة، ورغبة في متابعة الوضع الميدانيّ بغزّة مباشرة عبر قنصلها. ماليزيا انفتحت على حماس بعد فوزها في انتخابات 2006. وبعد أن وصل مهاتير محمّد إلى السلطة منذ عام 2018، شهدت علاقاتهما توسّعاً بزيارات متبادلة بين غزّة وكوالالمبور. ننظر بإيجابيّة إلى القرار، لأنّه سيساهم في تعزيز العلاقة القائمة أصلاً مع حماس، وفتح آفاق جديّة لدعم الشعب الفلسطينيّ".
ترى "حماس" في الخطوة الماليزيّة جهداً جديداً يضاف إلى كسر عزلتها السياسيّة، وإنعاشاً لوضع غزّة اقتصاديّاً، فيما تتوجّس منها السلطة الفلسطينيّة المعنيّة بمرور كلّ ما يتعلّق بغزّة عبر بوّابتها هي، وليس "حماس"، من دون أن تنجح كلّ مرة في ذلك.