مدينة غزّة، قطاع غزّة — تواصل دولة فلسطين خطواتها الإجرائيّة والقانونيّة لترسيم الحدود البحريّة الفلسطينيّة، وجاءت آخر تلك الخطوات بتسليم وزير الخارجيّة الفلسطينيّة رياض المالكي في 8 تشرين الأوّل/أكتوبر الجاري، الأمين العامّ لجامعة الدول العربيّة أحمد أبو الغيط ملفّاً قانونيّاً أعدّته الحكومة الفلسطينيّة حول الترسيم.
جاءت الخطوة التي تهدف إلى ترسيخ الصفة القانونيّة، وتعزيز مكانة دولة فلسطين حول العالم، ضمن سلسلة خطوات قامت بها الحكومة الفلسطينيّة خلال السنوات الأخيرة، والتي كان من ضمنها تشكيل الفريق الوطنيّ لترسيم الحدود البحريّة الفلسطينيّة، في حزيران/يونيو 2017، وسبق ذلك انضمام فلسطين في عام 2015، إلى اتّفاقية الأمم المتّحدة الخاصّة بقانون البحار لعام 1982.
وشاركت فلسطين وللمرّة الأولى في اجتماع الدول الموقّعة على اتّفاقيّة قانون البحار في حزيران/يونيو 2015، والذي عقد في نيويورك، وأكّدت خلال الاجتماع أنّها ملتزمة بتحمّل مسؤوليّاتها بموجب الاتّفاقيّة، وضمان حقوق الأشخاص في الاستفادة من الموارد الطبيعيّة والحفاظ على البيئة.
أكّد وزير الخارجيّة الفلسطينيّ المالكي وفي مؤتمر صحافيّ عقده عقب تسليم الملفّ الفلسطينيّ إلى الجامعة العربيّة في 8 تشرين الأوّل/أكتوبر الجاري، أنّ وفداً رسميّاً فلسطينيّاً أودع في نهاية أيلول/سبتمبر الماضي، نسخة من الملفّ الذي تضمّن خرائط وإحداثيّات الحدود البحريّة الفلسطينيّة، لدى الأمم المتّحدة.
وأضاف المالكي: "طلبنا من الأمين العامّ للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيريش تعميم تلك الخرائط والإحداثيّات على الدول الأعضاء في الأمم المتّحدة، لكي تساعدنا في مساعينا لترسيم الحدود البحريّة، خصوصاً ما يتعلّق بالمنطقة الاقتصاديّة الخالصة، والتي من حقّ دولة فلسطين استغلالها واستثمارها والتنقيب فيها".
أكّد مسؤول في وزارة الخارجيّة الفلسطينيّة، فضّل عدم الكشف عن هويّته، في حديث إلى "المونيتور" أنّ الهدف من إيداع الخرائط والإحداثيّات لدى الأمم المتّحدة والجامعة العربيّة هو تعريف العالم بالمناطق البحريّة الفلسطينيّة، وتوفير دلائل تثبت أنّ إسرائيل تنتهك المناطق البحريّة الفلسطينيّة، وتحديداً أمام سواحل قطاع غزّة، وتقوم بسرقة الموارد الطبيعيّة الفلسطينيّة وفي مقدّمتها الغاز الطبيعيّ.
وشدّد المصدر على أنّ خطوة ترسيم الحدود البحريّة ستتبعها خطوات أخرى تتمثّل في اللجوء إلى محاكم دوليّة للتحكيم إذا استمرّت إسرائيل في عرقلة جهود الفلسطينيّين لاستخراج مواردهم الطبيعيّة من البحر واستغلالها، مشيراً إلى أنّ اتّفاقيّة قانون البحار التابعة إلى الأمم المتّحدة تعطي لكلّ دولة الحقّ في استكشاف الموارد الطبيعيّة في المنطقة الاقتصاديّة الخاصّة بها واستخراجها.
وبيّن أنّ العديد من حقول الغاز المكتشفة وغير المكتشفة في المنطقة الفلسطينيّة المقابلة لساحل قطاع غزّة تقوم إسرائيل بسرقة الغاز الموجود فيها منذ سنوات، فيما تضع عراقيل أمام الفلسطينيّين لاستخراج الغاز من حقل "غزّة مارين 1" المقابل لشواطئ قطاع غزّة والذي تمّ اكتشافه في عام 1998.
منحت السلطة الفلسطينيّة منذ عام 1998 عقداً حصريّاً لشركة "بريتش غاز" البريطانيّة، وكذللك شركة "CCC" الفلسطينيّة للتنقيب عن الغاز الطبيعيّ في البحر مقابل شواطئ قطاع غزّة، ونجحت الشركتان في اكتشاف حقلين أطلق عليها اسم "غزّة مارين 1" ويقع مقابل شواطئ قطاع غزّة مباشرة، و"غزّة مارين 2" والذي يقع على الحدود المشتركة مع إسرائيل، وتوقّعت الشركة البريطانيّة سعة ما يحتويه حقل "غزّة مارين 1" قرابة الـ1.4 ترليونات قدم مكعّب.
وأظهر تقرير صادر عن مؤتمر الأمم المتّحدة للتجارة والتنمية "أونكتاد" في 10 أيلول/سبتمبر الماضي، أنّ احتلال إسرائيل المناطق الفلسطينيّة حرم الفلسطينيّين من استغلال مواردهم الطبيعيّة، وقدّر التقرير الخسائر بمليارات الدولارات، متوقّعاً ارتفاع الخسائر الاقتصاديّة واستمرارها في الفترة المقبلة.
من جانبه، ذكر مدير وحدة الموارد الطبيعيّة وحقول الغاز في شركة "مصادر لتطوير الموارد الطبيعيّة" الفلسطينيّة والتابعة إلى صندوق الاستثمار الفلسطينيّ محمّد عورتاني في حديث إلى "المونيتور" أنّ تقديم السلطة الفلسطينيّة ملفّ ترسيم الحدود البحريّة إلى الأمم المتّحدة وجامعة الدول العربيّة سيشجّع على جلب الاستثمارات إلى الأراضي الفلسطينيّة، وتحديداً في حقول الغاز المكتشفة قرب السواحل الفلسطينيّة.
وأوضح عورتاني أنّ تلك الخطوة ستسارع أيضاً في اتّجاه تطوير المشاريع الاستراتيجيّة الفلسطينيّة للمصادر الطبيعيّة، بما فيها حقول الغاز، والتي يمكن لها أن تساهم في شكل كبير وفعّال في توفير مصادر طاقة دائمة للفلسطينيّين في الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة.
وأجرت السلطة الفلسطينيّة مباحثات مع جمهوريّة مصر العربيّة في حزيران/يونيو 2016، كالدولة الأولى التي تشترك معها في الحدود البحريّة لترسيم الحدود بينهما، فيما يتوقّع أن تبحث في المستقبل القريب ترسيم الحدود مع قبرص، على أن تلجأ إلى أطراف دوليّة للتدخّل من أجل ترسيم الحدود مع إسرائيل، وذلك في ظلّ عدم انضمام الأخيرة إلى اتّفاقيّة قانون البحار.
اعتبر أستاذ القانون الدوليّ في جامعة القدس في الضفّة الغربيّة حنّا عيسى في حديث إلى "المونيتور" أنّ المعضلة الأبرز التي تواجه الفلسطينيّين هي عدم انضمام إسرائيل إلى قانون البحار التابع إلى الأمم المتّحدة، والتي تجبرها على ترسيم حدودها البحريّة مع الدول المجاورة لها، مشيراً إلى أنّ إسرائيل تنتهك قواعد القانون الدوليّ في السيطرة على الموارد الفلسطينيّة البحريّة، كون المنطقة الاقتصاديّة المقابلة لشواطئ قطاع غزّة هي ملك للفلسطينيّين.
وأوضح عيسى أنّ إسرائيل تعرقل أيّ خطوات فلسطينيّة منذ عام 1998، لاستخراج الغاز أو أيّ من المواد الطبيعيّة الفلسطينيّة المكتشفة في المنطقة البحريّة الاقتصاديّة الفلسطينيّة، ناهيك عن حرمانها الصيّادين الفلسطينيّين من الصيد في شكل حرّ في المنطقة التي وافقت عليها أيضاً في اتّفاق أوسلو 1993، والتي تمتدّ حتّى 20 ميلاً بحريّاً.
من جانبه، وصف أستاذ الاقتصاد في جامعة الأزهر في غزّة معين رجب لـ"المونيتور" خطوة السلطة الفلسطينيّة بترسيم حدودها البحريّة بـ"المتقدّمة"، لافتاً إلى أنّ الأهمّ هو التطبيق على أرض الواقع من خلال الضغط على الإسرائيليّين لترسيم الحدود البحريّة أو اللجوء إلى محاكم دوليّة للتحكيم في هذا الإطار، إن واصلت إسرائيل رفضها ترسيم الحدود.
ورأى رجب أنّ الموارد الطبيعيّة التي تحتويها المنطقة الاقتصاديّة البحريّة الفلسطينيّة من غاز وبترول كفيلة بسدّ حاجة الفلسطينيّين من إمدادات الطاقة، بل ومساعدتهم في التغلّب على الأزمات الماليّة التي تعصف بهم منذ إنشاء السلطة الفلسطينيّة وحتّى اليوم.
تبقى جهود الفلسطينيّين لترسيم حدودهم البحريّة أمام اختبار حقيقيّ خلال الفترة المقبلة، وتحديداً في المنطقة الحدوديّة المشتركة مع إسرائيل، لا سيّما في ظلّ فرض الأخيرة حصاراً بحريّاً على قطاع غزّة منذ 13 عاماً.