في التاسع عشر من تموز/يوليو الجاري، خاضت حركة التحرير الوطنية في الصحراء الغربية المعروفة بجبهة البوليساريو، مواجهة جديدة مع الاتحاد الأوروبي في محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي. يعود الخلاف الأخير إلى كانون الأول/ديسمبر 2015، عندما أبطلت محكمة العدل جزئياً اتفاق تجارة المنتجات الزراعية الذي أُبرِم بين المغرب والاتحاد الأوروبي في العام 2012. فقد ارتأت المحكمة أن المجلس الأوروبي لم يدقّق جيداً في دور الاتفاق في استغلال الموارد الطبيعية في الصحراء الغربية. وطُلِب من المجلس التأكّد من أن صادرات المنتجات الزراعية والأسماك إلى الاتحاد الأوروبي لا تنتهك الحقوق الأساسية لأبناء الصحراء الغربية المعروفين بالصحراويين.
قرّر المجلس الأوروبي الطعن بقرار محكمة العدل، هذه المرة بدعم من خمس دول استعمارية سابقاً – فرنسا وإسبانيا والبرتغال وألمانيا وبلجيكا. في آذار/مارس الماضي، زادت الرباط الضغوط عبر تعليق الاتصالات مع الاتحاد الأوروبي، إلى أن توجّهت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغريني، إلى المغرب لتأكيد دعمها من جديد.
خلال جلسات الاستئناف في لكسمبورغ في 19 تموز/يوليو الجاري، اعتبر المجلس أن الاتحاد الأوروبي ليس ملزَماً أن يأخذ الحقوق الأساسية في الاعتبار عند إبرام اتفاقات تجارية دولية. وهذا ما عبّر عنه أيضاً الاتحاد المغربي للزراعة والتنمية الريفية بعد جلسات الاستماع. يتدخّل الاتحاد في الإجراءات للدفاع عن مصالح القطاعات الزراعية المختلفة في المغرب. ويدافع أيضاً، بصفة غير رسمية، عن مصالح المغرب في شكل عام، بحسب مصدر مقرّب من الحكومة المغربية. رداً على السؤال لماذا لم يتدخّل المغرب رسمياً في الإجراءات، قال المصدر لموقع "المونيتور" طالباً عدم الكشف عن هويته، إن بلدان الاتحاد الأوروبي التي تدخّلت منسجمة مع الموقف المغربي من الاتفاق التجاري.
قال كلاوس بوكنر، عضو اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان في البرلمان الأوروبي، لموقع "المونيتور" إنه فوجئ بغياب النقاش في محكمة العدل عن الانتهاكات الفعلية للحقوق الأساسية في الصحراء الغربية. وأشار متأسّفاً إلى أنه بالكاد طُرِحت أسئلة عن الانتهاكات المتكرّرة التي يعاني منها الصحرايون منذ ضم الصحراء الغربية إلى المغرب بحكم الأمر الواقع.
في العام 1975، تركت إسبانيا الصحراء الغربية للمغرب وموريتانيا. بعد أربعة أعوام، تخلّت موريتانيا عن حصّتها، وهي عبارة عن منطقة صحراوية خالية من الموارد، إلى جبهة البوليساريو. على الرغم من أن محكمة العدل الدولية تعترف بحق الصحراويين في تقرير المصير على كامل أراضي الصحراء الغربية منذ العام 1975، إلا أن المغرب يرفض تنظيم استفتاء. وهذا الواقع يجعل الصحراء الغربية آخر مستعمرة في أفريقيا، كما قال القاضي في المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، بن كيوكو، لموقع "المونيتور".
يزعم القوميون المغربيون أن الصحراء الغربية جزء من المغرب الكبير التاريخي الذي يضم أيضاً موريتانيا وأجزاء من الجزائر ومالي.
اليوم، يحدّ جدار ممتد على طول 2700 كلم (1678 ميلاً) أراضي الصحراء الغربية الخاضعة للحكم المغربي. إنها من المساحات المزروعة بالألغام الأشد خطورة في العالم. يتعرّض النشطاء السياسيون في الصحراء الغربية للسجن والتعذيب بصورة منتظمة. ويعيش نحو 165000 صحراوي في مخيمات اللاجئين في الصحراء الجزائرية ويعوّلون على المساعدات الإنسانية الشحيحة.
قال محمد خداد، وهو أحد المسؤولين الكبار في جبهة البوليساريو، لموقع "المونيتور" إن المصالح الأساسية للمغرب في ما يُسمّى "محافظاته الجنوبية"، اقتصادية الطابع. تحتوي الصحراء الغربية على أكثر من نصف احتياطيات الفوسفات في العالم، فضلاً عن النطاقات المائية الجوفية والمياه الغنية بالأسماك قبالة الساحل. الأعمال المربحة في الصحراء الغربية مملوكة من مواطنين مغاربة أو فرنسيين، وتستهدف الصادرات المغربية في شكل أساسي السوق الأوروبية.
قال محامي جبهة البوليساريو، جيل ديفرز، لموقع "المونيتور" إن الاعتراض على الاتفاق التجاري بين الاتحاد الأوروبي والمغرب ليس وسيلة للحد من استغلال المغرب لموارد الصحراء الغربية وحسب، إنما أيضاً لتجفيف منابع القوى الاقتصادية التي تحرّك سياسات الضم المغربية.
يبقى وضع الصحراء الغربية معضلة ديبلوماسية دولية. في آذار/مارس الماضي، تحدّث أمين عام الأمم المتحدة، بان كي مون، عن "احتلال" الصحراء الغربية. فردّ المغرب بالطلب إلى الأمم المتحدة سحب العشرات من موظّفي المنظمة الذين يعملون في إطار بعثة حفظ السلام المعروفة ببعثة الأمم المتحدة لتنظيم استفتاء في الصحراء الغربية (مينورسو).
في غضون ذلك، لا يعترف أي بلد في العالم، ما عدا المغرب، رسمياً بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية. لكن في الممارسة، تشمل جميع الاتفاقات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والمغرب هذه الأراضي. في المقابل، تطلب بلدان مثل الولايات المتحدة وسويسرا، صراحةً استثناء الصحراء الغربية من اتفاقاتها التجارية مع المغرب.
من المسائل الأساسية التي كانت مطروحة خلال جلسة الاستماع في 19 تموز/يوليو الجاري السؤال إذا كان المجلس الأوروبي سيعترف ضمناً بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية عبر توقيع اتفاق حول تجارة المنتجات الزراعية يشمل هذه الأراضي المتنازَع عليها. يحدّد نص الاتفاق أنه ينطبق على المملكة المغربية. في الوقت نفسه، كان المجلس الأوروبي يعلم أنه يشمل الصحراء الغربية. قال ممثّل المجلس، هوبرت ليغال، لدى طرح السؤال مباشرةً عليه من القضاة، إن المجلس ليس في موقع يخوّله إبداء الرأي حول السيادة على الصحراء الغربية. وقد اعتبر خداد أنها كانت لحظة محرجة بالنسبة إلى المجلس.
نظر المستشار القانوني السابق لدى الأمم المتحدة، هانس كوريل، في قانونية استغلال الموارد الطبيعية في الصحراء الغربية، وذلك بناءً على طلب مجلس الأمن الدولي. وقد أشار إلى أن استغلال الموارد الطبيعية في أراضٍ غير خاضعة للحكم الذاتي، مثل الصحراء الغربية، قد يكون مسموحاً في حالة واحدة فقط: إذا كان يعود بالفائدة على السكان المحليين ويحصل بموافقتهم التامة.
قال خداد الذي حضر جلسات المحكمة، لموقع "المونيتور" إن جبهة البوليساريو لم تُسأل عن رأيها خلال المحادثات التي أسفرت عن توقيع اتفاق تجارة المنتجات الزراعية بين الاتحاد الأوروبي والمغرب.
واعتبر ديفرز أن اصطفاف الاتحاد الأوروبي إلى جانب المغرب بصورة قوية وواضحة متجذّر في الحاضر كما في الماضي، مشيراً إلى أنه خلال الحرب الباردة، كانت الجزائر المجاورة حليفة للاتحاد السوفياتي، في حين كان المغرب يُعتبَر شريكاً استراتيجياً للعالم الحر.
اليوم، المغرب هو أيضاً شريك رسمي للاتحاد الأوروبي في مكافحة الهجرة غير الشرعية إلى دول الاتحاد ومحاربة الإرهاب. المفاجئ هو أن الاتحاد المغربي للزراعة والتنمية الريفية هو الذي طرح هذا الاتفاق الأمني على محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي. إبان انهيار ليبيا وعلى ضوء التشنّجات المتعاظمة مع تركيا، الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى شريك مستقر للتعامل مع أزمة اللاجئين.
تُظهر سلسلة من البرقيات الديبلوماسية المسرَّبة الضغوط المكثّفة التي تمارسها الحكومة المغربية من أجل منع الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء في الاتحاد والأمم المتحدة من التدخّل في الإدارة المغربية للصحراء الغربية.
إذاً حتى لو ثبّتت محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي، بحلول نهاية العام الجاري، وجوب استثناء أراضي الصحراء الغربية من اتفاق تجارة المنتجات الزراعية بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، غالب الظن أن تطبيق الحكم سيشكّل تحدّياً جديداً لجبهة البوليساريو وأبناء الصحراء الغربية.