بعد توجيه انتقادات حادّة من قبل الشارع العراقيّ والمرجعيّة الدينيّة، دعا زعيم التيّار الصدريّ في العراق مقتدى الصدر، في 8 شباط/فبراير أصحاب القبّعات الزرقاء التابعين إلى التيّار الصدريّ إلى الانسحاب من ساحات الاحتجاجات، بعدما انتشروا في 6 شباط/فبراير في ساحة التحرير في وسط بغداد، التي تعدّ مركز التظاهرات في العاصمة.
وقد أدّى الاشتباك بين القبّعات الزرقاء والمتظاهرين إلى مقتل 7 أشخاص من المتظاهرين، في مواجهات أثناء اقتحام القبّعات الزرقاء في 5 شباط/فبراير ساحة الصدريّين، مركز الاحتجاج في النجف، ممّا دفع المتظاهرين إلى التصدّي لها. وبعد انسحاب القبّعات الزرقاء، حيث حلّت القوّات الأمنيّة محلّها، شهدت بغداد والمدن حالة من الهدوء والاستقرار، وسط ترحيب المتظاهرين.
القبّعات الزرقاء هي مجموعات من أنصار التيّار الصدريّ، أعلن زعيم التيّار عن تأسيسها في تشرين الأوّل/أكتوبر الماضي، عندما اندلع الحراك الشعبيّ ضدّ الحكومة. ومنذ 25 تشرين الأوّل/أكتوبر، يتواجد أصحاب القبّعات الزرقاء في ساحة التحرير في وسط بغداد. وبحسب تصريحات قادة التيّار الصدريّ، فإنّ واجبهم حماية التظاهرات.
لكنّ ناشطاً، فضّل عدم الكشف عن اسمه، يقول لـ"المونيتور" إنّ "أتباع التيّار الصدريّ من القبّعات الزرقاء ينكّلون بالمتظاهرين في ساحة التحرير، وقد تمكّنوا من طردهم من المطعم التركيّ الذي يمثّل منصّة الاعتصام الأولى في بغداد، كما أزالوا الكثير من الخيم، تحت حجّة أنّ أصحابها عناصر مخرّبة تسيء إلى التظاهرات وإلى زعيم التيّار الصدريّ".
وكان زعيم التيّار الصدريّ مقتدى الصدر قد دعا في 31 كانون الثاني/يناير، أنصاره إلى التظاهر في ساحات الاحتجاج بأعداد حاشدة، ومساعدة القوّات الأمنيّة، فيما ردّ المتظاهرون في 2 شباط/فبراير بالرفض على الدعوة، وردّدوا هتافات مناهضة للصدر.
وفي جنوب البلاد، دعت تنسيقيّات الحراك الطلّابيّ في 4 شباط/فبراير إلى تظاهرة حاشدة تتوجّه إلى بغداد، رفضاً لسلوك القبّعات الزرقاء.
يعتقد القياديّ في التيّار الصدريّ حاكم الزاملي، في حديثه إلى "المونيتور" أنّ "دخول القبّعات الزرقاء ساحة التظاهرات صاحبته حملة تشويه كبيرة للتيّار الصدريّ"، مفنّداً العمل ضدّ المتظاهرين بالقول إنّ "المتظاهرين الصدريّين هم أوّل من وقفوا ضدّ الحكومة"، معتبراً أنّ "متظاهري التيّار هم الذين عزّزوا التظاهرات، ولولاهم لانتهت الاحتجاجات منذ فترة طويلة".
يرفض الزاملي الرأي أنّ القبّعات الزرقاء هي ميليشيات مسلّحة وتمثّل نسخة مدنيّة عن الأذرع المسلّحة التابعة إلى التيّار الصدريّ، قائلاً إنّ "لا تحوّل في طريقة التيّار الصدريّ في التعبير عن توجّهاته القائمة على السلميّة، وأنّ مقاطع الفيديو التي تنشر مفبركة، ولا تنقل تفاصيل المشهد كاملاً وتجتزئه من سياقه".
ويروي الزاملي أنّ "القبّعات الزرقاء تصدّت بالفعل لعصابات مسلّحة تخريبيّة في ساحة التحرير، وفي منطقة السنك، وفي ساحة الخلّاني في بغداد، حاولت سرقة المتاجر، كما حاولت السطو على البنك المركزيّ العراقيّ".
يوضح الزاملي طبيعة القبّعات الزرقاء وميولها وامتيازاتها، بالقول: "إنّهم أفراد متطوّعون يؤمنون بالمنهج السياسيّ والفكريّ للتيّار الصدريّ، ولا يتلقّون أيّ دعم أو راتب من أيّ جهة"، مشيراً إلى أنّ "عددهم في كلّ أنحاء العراق لا يتجاوز الألفي إلى الـ3 آلاف فرد، غير مسلّحين، ولم يدخلوا دورات عسكريّة أو أمنيّة حتّى يوصفوا بأنّهم ميليشيات".
يتحدّث رئيس المجموعة العراقيّة للدراسات الاستراتيجيّة واثق الجابري لـ"المونيتور" عن أنّ الدافع لنزول القبّعات الزرقاء إلى الساحات هو "عدم دعم ساحات التظاهر للمسيرة المليونيّة التي دعا إليها الصدر، ومحاولة قطع الطرق من قبل المتظاهرين لمنع وصول أنصار الصدر من المحافظات إلى بغداد، إضافة إلى انطلاق حملة إعلاميّة تستهدف الصدر، كلّ ذلك دعاه إلى الانسحاب من التظاهرات، ومن ثمّ تفعيل القبّعات الزرقاء في ساحات الاحتجاج".
وانتشرت مقاطع فيديو في 4 شباط/فبراير تتحدّث عن هجوم القبّعات الزرقاء على المتظاهرين، اذ يفسّر متظاهر في ساحة التحرير، يفضّل عدم الكشف عن اسمه، لـ"المونيتور" هذا الهجوم بأنّه "متزامن مع تكليف رئيس وزراء جديد، ممّا يعني أنّ هناك هدفاً سياسيّاً متّفقاً عليه بين الأحزاب والحكومة لقهر التظاهرات".
يردّ القياديّ في تحالف سائرون الذي يقوده التيّار الصدريّ رامي السكيني عبر "المونيتور" على هذه الاتّهامات بالقول إنّ "زعيم التيّار الصدريّ، ومنذ بداية الاحتجاجات، وظّف الجهود لإرادة الشارع والعمل على انتزاع الحقوق المسلوبة للمواطنين، والوقوف مع المحتجّين ضدّ الطبقة السياسيّة، حيث كان أنصاره متواجدين مع المحتجّين منذ بداية الاحتجاج، وهو أمر موثّق عبر الأفعال والتصريحات".
يكشف السكيني عن أنّ "الخشية من تسلّل المخرّبين إلى التظاهرات، وخلط الأوراق للإساءة إلى التيّار الصدريّ المتواجد في الاحتجاجات، دفعا إلى ضرورة تمييز أنصار التيّار بارتداء القبّعات الزرقاء، ومنع توجيه التظاهرات لصالح أحزاب وغايات معيّنة".
لا ينكر السكيني "حصول أخطاء في ساحة التظاهرات من قبل القبّعات الزرقاء، وهو أمر متوقّع في مثل هذه الحشود الكبيرة، لكنّها أخطاء غير مقصودة، ليس هدفها ترهيب المتظاهرين"، مدلّلاً على رأيه بالقول إنّ "التيّار صاحب شعبيّة
ومقبوليّة واسعة في الشارع في شكل عام وفي ساحات التظاهر، وهو ما يمنحه القوّة في المشهد السياسيّ".
يعتبر القاضي السابق والخبير التميمي علي التميمي، عبر "المونيتور"، أنّه "وبغضّ النظر عن الجهات والمسمّيات التي تمارس العنف، فإنّ هناك حقيقة ثابتة في حصول أعمال قتل للمتظاهرين، تتحمّل مسؤوليّتها الأجهزة الأمنيّة، باعتبارها الجهة الرسميّة الوحيدة المسؤولة عن توفير الحماية، وليس القبّعات الزرقاء أو أيّ جهة حزبيّة أخرى".
وفي حين يؤكّد عضو المفوّضيّة العليا لحقوق الإنسان في العراق علي البياتي لـ"المونيتور" أنّ "الانتهاكات موجودة داخل ساحات التظاهرات منذ 1 تشرين الأوّل/أكتوبر، وأنّ هناك حاجة لتأمين الحماية عن طريق المؤسّسات الرسميّة حصراً"، فإنّه من الواضح أنّ المواجهات تزداد بسبب ازدحام ساحة التظاهرات ليس بالمتظاهرين فقط، بل بالكثير من أنصار الأحزاب والكتل السياسيّة، ممّا يجعل من التظاهرات الحديقة الأماميّة للصراعات السياسيّة.