إذا احتفظ حيدر العبادي برئاسة الوزراء، فهو سيحقّق ذلك بمباركة من إيران. لقد حافظت إيران والعراق على علاقات جيدة طوال عهد العبادي. وهذا الأخير مَدينٌ لإيران ووحدات الحشد الشعبي، وبينها تلك المدعومة من طهران، لدورها الحاسم في الرد على الاستفتاء الكردي العراقي المشؤوم الذي أجري العام الماضي، وحمل معه نصراً هائلاً للعبادي.
قد لا يكون العبادي الخيار الأول بين القادة المفضَّلين في إيران، إنما تجمع بين الطرفَين علاقة عمل متينة. العبادي هو أيضاً رهن الموقف الأميركي، لكن غالب الظن أن طهران ستكون المحطّة الأخيرة في الطريق نحو تشكيل حكومة جديدة في العراق.
يُتوقَّع أن تطلب إيران إدخال بعض التعديلات على التصريحات العراقية إزاء الولايات المتحدة، فهذه ستكون بمثابة الضريبة التي ستفرضها من أجل التوصّل إلى صفقة نهائية. نظراً إلى المقاربة الأميركية التي تزداد عدوانية حيال سلوك إيران "الخبيث"، سوف تحرص طهران على دفع الحكومة العراقية المقبلة إلى التوضيح – بطريقة ما – أن بغداد لن تنحاز بالكامل إلى المعسكر الأميركي. وفي حين يسعى العبادي إلى الحفاظ على علاقات قوية مع الولايات المتحدة، صرّح أيضاً أن العراق لا يجوز أن يكون ساحة للنزاع الأميركي-الإيراني.
مما لا شك فيه أنّ الأداء المفاجئ الذي حقّقه التيار الصدري عبر فوزه بـ54 مقعداً، يحمل في طيّاته تقدّماً نحو هويّة عراقية مستقلّة، وربما أيضاً نحو تركيبة ديمغرافية أكثر شباباً. غير أن تحالف "الفتح"، وهو المجموعة المفضَّلة لدى إيران، حلّ في المرتبة الثانية مع 47 مقعداً. وجاء تحالف "النصر" بزعامة العبادي في المرتبة الثالثة مع 42 مقعداً.
قد يحقّق "الحزب الديمقراطي الكردستاني"، الذي نال 25 مقعداً، عودةً على الساحة العراقية، مع العلم بأن هذا الأمر يتوقّف على المساعي الحميدة الإيرانية، وعلى نوع من التسوية مع العبادي. وتجدر الإشارة إلى أنّ حكومة إقليم كردستان استضافت مؤتمراً عن العلاقات الاقتصادية مع إيران قبل أسبوع من الانتخابات العراقية.
تكشف الممارسات السياسية في العراق عن الجوانب الدقيقة في مواقف مقتدى الصدر من الولايات المتحدة وإيران على السواء. يشرح علي معموري أن المؤشّرات تدلّ على أنّ الصدر "رغم التأكيد على استقلاليّته، يريد أن يبعث رسائل للطرفَين الأميركيّ والإيراني بأنّه لن يتوجّه نحو اتّخاذ سياسة معادية لمصالحهما في العراق".
وكتب معموري: "يأتي ذلك ضمن تطوّرات مهمّة حصلت عبر السنوات الماضية في سلوك الصدر السياسي. لقد خفّت لهجته الانتقاديّة للولايات المتّحدة في خلال السنوات الماضية، ولم يقم بتهديد القوّة الأميركيّة الحاضرة في العراق ضمن التّحالف الدوليّ لمكافحة تنظيم الدولة الإسلاميّة، ولم يرسل إشارة لتشكيل قوّة عسكريّة خارج الحكومة العراقيّة لمقاومة الولايات المتحدة، كما فعل سابقاً خلال الأعوام 2004 إلى 2008، حيث تمّ حلّ جيش المهدي نهائيّاً".
وأضاف: "في مكالمة هاتفية مع أحد كبار أعضاء مكتب الصدر في النجف، علم المونيتور أنّ الصدر لا يرغب في تشكيل أو دعم أيّ قوّات ضدّ الوجود الأميركي، لكنه ربما يعمل عبر النظام التشريعي العراقي لطرد جميع القوات الأجنبية بما في ذلك الولايات المتحدة بشكل قانوني. وأصرّ المصدر الذي تحدث إلى المونيتور بشرط عدم الكشف عن هويته، على أن الصدر يرفض استخدام العنف ضد القوات الأميركية كما هي في العراق بناء على طلب من الحكومة العراقية".
ربما يُبالَغ أيضاً في تصوير العداوة المتكررة بين الصدر وإيران، على الرغم من مدّ الصدر يده إلى السعودية، فضلاً عن خلافاته مع طهران على خلفية المسألة السورية. في هذا الإطار، تابع المعموري: "كما أنّ الصدر، وإلى جانب عدم امتلاكه قوّة عسكريّة في سوريا، على خلاف معظم الفصائل العسكريّة العراقيّة الموالية لإيران، التي تمتلك حضوراً عسكريّاً بارزاً في سوريا منذ سنوات وتقاتل لصالح نظام بشّار الأسد، يعارض أيضاً حضور أيّ قوّة عراقيّة خارج البلد، وقد انتقد الدفاع عن نظام الأسد، مطالباً إيّاه بالتنحّي عن السلطة وفتح المجال للانتقال الديموقراطيّ في سوريا".
لقد التقى الصدر زعيم تحالف "فتح"، هادي العامري، ومن جهته، صرّح مسؤول مكتب الصدر السياسي، ضياء الأسدي، "في حوار تلفزيوني مع قناة الميادين، قائلاً ’بيننا وبين إيران علاقات ثابتة‘. وأكّد أنّ ’التيّار الصدريّ وشركاءه لن يخضعا لرغبات أميركيّة‘، موضحاً سبب عدم حضور السفير الإيرانيّ ايرج مسجدي لقاء سفراء دول الجوار مع الصدر الأسبوع الماضي، بأنّ مكتب الصدر قد وجّه دعوة إلى ايرج مسجدي لحضور الاجتماع، لكنّه اعتذر، وقال إنّه لا يمكنه الحضور. وفي المقابل، أكّد مسجدي أنّ ’علاقة المسؤولين في إيران مع السيّد مقتدى الصدر هي علاقات وديّة وأخويّة، وأنّ الكثير من هؤلاء المسؤولين بمن فيهم السيّد قاسم سليماني يكنّون كلّ الودّ للسيّد مقتدى الصدر‘".
تُراهن إيران على أداء دور الحكَم النهائي في تشكيل الحكومة، وممارسة تأثيرها في العراق ولبنان على السواء بغية إحباط الضغوط الأميركية. في لبنان، سيكون دور "حزب الله" موضع تدقيق أكبر، ليس فقط نتيجة العقوبات الأميركية، إنما أيضاً بسبب الشروط التي فرضها المانحون الدوليون الذين يشترطون القيام بإصلاحات من شأنها أن تتوقّف إلى حد كبير على دور "حزب الله" المدعوم من إيران، وسياساته.
ومن بين العوامل الأخرى التي يمكن أن تؤثّر في الضغوط الأميركية على إيران، هو ما إذا كانت الصين، التي تُعَدّ أكبر مستورِد للنفط في العالم، سوف تُصرّ على الدفع باليوان الصيني لتسديد قيمة مشترياتها النفطية، وذلك بهدف تقويض العقوبات الأميركية. قد يندرج ذلك في إطار المفاوضات الأوسع نطاقاً حول التبادل التجاري الأميركي- الصيني، أو في إطار تصدّع كبير محتمل في منظومة العقوبات الأميركية.
ومن المسائل الأخرى التي ربما تثير قلق إدارة ترامب هي الدعوة التي وجّهها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من أجل تحقيق "السيادة المالية الأوروبية" أثناء لقائه نظيره الروسي فلاديمير بوتين في المنتدى الاقتصادي الدولي في سانت بطرسبرغ في 25 أيار/مايو. ربما يسعى ماكرون إلى منح بركته لروسيا في دور الوسيط الذي يمكن الاعتماد عليه بين إسرائيل وإيران، وفق ما أشرنا إليه في هذا العمود قبل أسبوعَين، بغية إعادة فرض نوع من النفوذ من جانب الاتحاد الأوروبي على ضوء المقاربة الأميركية التي تزداد عدوانية تجاه إيران.