يثير تشييد سوق مركزيّ للخضار والفاكهة بالـ"مفرّق" في منطقة طريق الجديدة ببيروت (عاصمة لبنان)، انقساماً حادّاً بين تجّار الـ"مفرّق" التقليديّين الذين يتواجدون بعرباتهم وبسطاتهم على أرصفة الطريق في شوارع بيروت بغالبيّتها وبين القيّمين على المشروع، الذين يجدون فيه مظاهر حداثة وتطوّر في المنطقة، كونه قد يحدث نقلة نوعيّة في عادات التسوّق هناك.
هذا السوق هو عبارة عن مجمّع تجاريّ (مول) يتمّ تشييده على أرض معروفة باسم "أرض جلّول" اشترتها بلديّة بيروت ومساحتها 10400 متر مربّع لبناء السوق. وبدأت بتنفيذه شركة "الجهاد للتجارة"، وهي شركة محليّة تلتزم مشاريع كثيرة لمرافق عامّة في لبنان، منذ شباط/فبراير من عام 2018، ويفترض تسليمه في كانون الثاني/يناير المقبل، وفق العقد الموقّع بين الشركة والبلديّة، وهو يتألّف من طوابق عدّة: طابقان سفليّان، وأرضي و3 طوابق عليا، وموقف للسيّارات. ويضمّ 168 محلاًّ و96 بسطة، وهو مجهّز بالتكييف والمصاعد الكهربائيّة، وفيه غرف تبريد ومختبر لفحص المنتجات.
وقال جاد أبو جراص، وهو صاحب بسطة خضار وفاكهة موجودة على الرصيف منذ تسعينيّات القرن الماضي، في الشارع نفسه مقابل مبنى السوق المركزيّ الذي يتمّ تشييده راهناً، لـ"المونيتور": "يمكن ما يكون فيّي إدفع إجار المحلّ بالمول، بس أنا سألت وقالولي ما فيك تستأجر لأنهن صاروا مأجرين المحلاّت كلّها":
أضاف: "أكيد، يمكن يضرّنا السوق أو يطلبوا إنو نفلّ من المنطقة، ناطرين نشوف شو حيصير بس يفتح السوق الجديد".
وفي الشارع المحاذي للمبنى الجديد، نظرة سريعة على سوق "صبرا"، حيث تمتدّ البسطات وتكثر محال بيع الخضار والفاكهة واللحوم والأسماك على أنواعها، ملبّية حاجات سكّان المنطقة وكلّ من يقصدها بأسعار زهيدة، وتكشف حجم التفاوت بين السوقين: الشعبيّ والجديد.
داخل هذا السوق باعة من جنسيّات مختلفة، لبنانيّة وفلسطينيّة وسوريّة، وإنّ البسطات والعربات بغالبيّتها هناك عشوائيّة وغير مرخّص لها من قبل البلديّة، وكلّها مهدّدة بالإزالة بعد افتتاح المبنى المركزيّ. ومن تحدّث إليهم "المونيتور" بغالبيّتهم، وفضّلوا عدم الإفصاح عن أسمائهم، أبدوا عدم رغبتهم في ذكر تفاصيل عن الموضوع، إذ قال أحدهم: "ما منعرف شو حيصير، ما حدا بلّغنا شي... أكيد بس يمشي السوق الجديد حيمنعونا نشتغل هون".
هذا التخوّف تقابله حماسة شديدة لدى المنتسبين إلى نقابة تجّار الخضار والفاكهة بالمفرّق، التي تأسّست في عام 1946، و"ستتولّى تشغيل السوق المركزيّ واستثماره بكلّ أقسامه ومنشآته لمدّة 25 سنة قابلة للتجديد، مقابل بدل سنويّ تدفعه إلى البلديّة (التي تملك مبنى السوق) يحدّد بموجب العقد الذي سيوقّع بينهما"، وفق ما أكّده لـ"المونيتور" عضو مجلس بلديّة بيروت مغير سنجابة، الذي قال أيضاً: "رغم الجدل، الذي رافق تنفيذ المشروع لجهة كلفته المرتفعة، التي بلغت حوالى 30 مليون دولار وامتعاض أهالي المنطقة المكتظّة سكانيّاً لأنّ حاجاتها مختلفة من وجهة نظر غالبيّتهم، إلاّ أنّ المشروع ضرورة لبيروت وأهلها والنقابة".
تاريخيّاً، لطالما تميّز أبناء العاصمة بيروت بتجارة الخضار والفاكهة، بعكس ما نراه اليوم من عربات خضار تجول الشوارع وبسطات عشوائيّة تفترش الأرصفة. ويعود عمر الحديث عن هذا السوق إلى عهد رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، الذي كان اغتيل في عام 2005، لا سيّما بعد تدمير وسط بيروت خلال الحرب الأهليّة اللبنانيّة (1975-1990)، حيث أقفلت الأسواق في وسط بيروت وكانت 4، وهي: سوق الفرنج أو باب إدريس، النوريّة، المهندسين والأرجنتين، وخسر تجّار الخضار بالمفرّق أسواقهم آنذاك. وأعيد بعد انتهاء الحرب، أيّ في تسعينيّات القرن الماضي، إعمار بيروت لكن لم يتمكّن التجّار من تأمين سوق بديل.
وبعد سنوات من تعثّر بناء هذا السوق المركزيّ، تحقّق حلم هؤلاء التجّار. وفي هذا السياق، أشار رئيس نقابة تجّار الخضار والفاكهة بالـ"مفرّق" سهيل المعبّي في حديث مع "المونيتور" إلى أنّ هذا السوق مهمّ "كونه مشروعاً مميّزاً من ناحيتيّ العمارة والتنظيم، فهو حيويّ وضروريّ ليس فقط لإنهاء ظاهرة العربات العشوائيّة والمتنقّلة في شوارع بيروت، بل لإعادة جمع أبناء هذه المهنة في سوق منظّم وحديث تستفيد من العمل فيه حوالى 5 آلاف عائلة. وسيعمل فيه التجّار المنتسبون إلى النقابة، وعددهم 340".
وانسحب هذا الانقسام إلى أهالي المنطقة هناك، ففي حين رأى بعض الناس أنّ العربات والبسطات لا تشكّل بديلاً عن السوق المركزيّ كون الأخير لا يشبه المكان، رأى آخرون أنّه سيشكّل خياراً أسرع وأقلّ تعباً خلال التسوّق في الفترة المقبلة.
وكان لافتاً، اختلاف الآراء بين النساء والرجال عموماً في المنطقة، إذ عبّرت النسوة بغالبيّتهنّ ممّن قابلهنّ "المونيتور" عن رغبة لديهنّ بالتسوّق في السوق المركزيّ، فهو حتماً ستعرض فيه منتجات أكثر تنظيماً وأسهل في الاختيار وفيه تكييف يقيهنّ حرّ فصل الصيف أو مطر الشتاء، بشرط أنّ تكون الأسعار مقبولة ومتساوية مع أسعار العربات المتنقّلة، إلاّ أنّ إحدى سيّدات المنطقة (فضّلت عدم ذكر اسمها) قالت لـ"المونيتور": "هيدا المول ما بيشبهنا، كانوا يعملولنا شي مفيد".
كما قالت سيّدة أخرى (فضّلت عدم ذكر اسمها) لـ"المونيتور": "لا ما بشتري من مول... موقعه أصلاً غلط".
أمّا رأي الرجال في المنطقة بغالبيّتهم فهو أنّ السوق المركزيّ لن يدوم طويلاً، بسبب كثرة التكاليف المترتّبة على التجّار فيه، والتي ستنعكس على أسعار السلع حتماً.
وقال أبو محمّد (هكذا عرّف عن نفسه) وهو أحد السكان لـ"المونيتور": "أكيد بشتري من بسطة، بكونوا الخضار فيها طازجة وأرخص... ما فيه شي إسمو خضرة أنضف، كلّن من نفس المصدر، وكلّن بدنا ننضفهن بالبيت".
وقالت مسؤولة قسم مراقبة سلامة الغذاء في "جمعيّة المستهلك لبنان" ندى نعمة خلال حديث لـ"المونيتور": "إنّ شراء الخضار من المول لن يحدث اختلافاً في سلامة الغذاء، إذ أنّ مصدر النباتات في كلّ المتاجر وعلى العربات واحد. ولا تخضع المزروعات للتصنيف بحسب مكان وطريقة زراعتها. ولذا، نعتبر أنّ الأسواق الشعبيّة أفضل للمستهلك كون المنتجات أرخص بكثير".
بدوره، قال محافظ بيروت القاضي زياد شبيب لـ"المونيتور": "إنّ أهميّة السوق المركزيّ تكمن في كونه ينظّم عمل بيع الخضار والفاكهة في المدينة ويحدّ من ظاهرة العربات العشوائيّة غير المرخّصة ولا تخضع لأدنى معايير السلامة الصحيّة في عدد من شوارع المدينة وأحيائها، على عكس السوق المركزيّ الذي سيخضع للرقابة، وتحديداً الصحيّة منها".