شارك أكثر من 3 آلاف فلسطينيّ في أداء صلاة الفجر في الحرم الإبراهيميّ في مدينة الخليل في جنوب الضفّة الغربيّة في 31 كانون الثاني/يناير 2020، وكذلك في عدد من المساجد في مدن نابلس وجنين في شمال الضفّة الغربيّة.
وفي مدينة القدس، شارك آلاف الفلسطينيّين في صلاة الفجر في جمعة الغضب ضدّ ما يسمّى بـ"صفقة القرن"، حيث اقتحمت عناصر من الشرطة الإسرائيليّة المسجد الأقصى، عقب انتهاء الصلاة، وهاجمت المصلّين، ممّا أدّى إلى إصابة نحو 10 مصلّين بالرصاص المطّاطيّ، واعتقلت عدداً منهم.
وتشهد الأراضي الفلسطينيّة منذ أسابيع، حملة شعبيّة أطلق عليها اسم "الفجر العظيم"، لكن هذه المرة اكتسبت الحملة زخماً كبيراً، بعد إعلان الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب صفقة القرن في 28 كانون الثاني/يناير، التي منح بموجبها حقّ السيادة على مدينة القدس إلى إسرائيل، وسمح بتقسيم المسجد الأقصى زمانيّاً ومكانيّاً.
بدأت الحملة من الحرم الإبراهيميّ في البلدة القديمة في الخليل في تشرين الثاني/نوفمبر، بمبادرة من إحدى عائلات المدينة، ونشطاء شبّان، وسرعان ما لقيت دعماً من بقيّة العائلات والمواطنين، لمواجهة المخاطر المحدقة بالحرم وتهويده من خلال اقتحامه المتكرّر وأداء الصلوات التلموديّة فيه، وفق ما أكّده مدير الحرم الإبراهيميّ حفظي أبو سنينة لـ"المونيتور"، وسرعان ما انتشرت في مختلف مساجد الضفّة الغربيّة، من بينها المسجد الأقصى في القدس، وقطاع غزّة، حيث تعكس هذه الحملة مرحلة جديدة من الصراع مع إسرائيل، عنوانها الدفاع عن المقدّسات الإسلاميّة المستهدفة من إسرائيل، وخصوصاً الحرم الإبراهيميّ والمسجد الأقصى.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو اقتحم محيط الحرم الإبراهيميّ في أيلول/سبتمبر 2019، وفي 17 من الشهر نفسه، تعهّد بضمّ مستوطنة كريات أربع والمناطق اليهوديّة في الخليل، ومنها الحرم الإبراهيميّ.
وأضاف أبو سنينة: "الحرم الإبراهيميّ هو قلب مدينة الخليل، واستمرار استهدافه من الاحتلال استفزّ الأهالي والمواطنين الذين اندفعوا إلى المشاركة في صلاة الفجر، كونها أقلّ الصلوات التي يؤمّها المصلّون، على الرغم من البرد الشديد والأمطار والحواجز العسكريّة المنصوبة على مدخل الحرم ومضايقات التفتيش من قبل الجنود".
وأوضح أبو سنينة: "حملة الفجر العظيم استفزّت إسرائيل، ممّا جعلها تدفع بتعزيزات عسكريّة كبيرة حول الحرم"، لافتاً إلى أنّ "الجهود متواصلة لحثّ المواطنين على التواجد في الحرم الإبراهيميّ في كلّ الأوقات وإقامة الفعاليّات الدينيّة".
يذكر أنّ إسرائيل، وبعد مجرزة الحرم الإبراهيميّ التي ارتكبها أحد المستوطنين في عام 1994، وقتل خلالها 29 مصلّياً، قسّمت المسجد الإبراهيميّ إلى قسمين، أحدهما للمسلمين ويمتدّ على 45% من مساحة المسجد، وآخر لليهود على مساحة 55%.
وانتقلت حملة الفجر العظيم من الخليل إلى المسجد الأقصى في 10 كانون الثاني/يناير 2020 بدعوة من المصلّين والنشطاء المقدسيّين، كردّ فعل على اعتداء عناصر من الشرطة الإسرائيليّة في 2 كانون الثاني/يناير على المصلّين أمام مصلّى باب الرحمة، ورشّهم بالغاز المسيّل للدموع، واستمرار تسليم المصلّين قرارات الإبعاد عن الأقصى.
تمكّنت مادلين عيسى (27 عاماً)، وهي ناشطة من مدينة كفر قاسم، من أداء صلاة الفجر خارج أبواب المسجد الأقصى في 31 كانون الثاني/يناير للأسبوع الثاني على التوالي، لعدم تمكّنها من دخول المسجد، بسبب وجود قرار من الشرطة الإسرائيليّة بإبعادها عن المسجد الأقصى تسلّمته في 21 كانون الثاني/يناير لمدّة 3 أشهر.
وتقول عيسى لـ"المونيتور" إنّها تأتي أسبوعيّاً من كفر قاسم في حافلة كبيرة مع فلسطينيّين كلّ يوم جمعة للمشاركة في حملة الفجر العظيم وصلاة الجمعة، ولو على أبواب الأقصى الخارجيّة"، مضيفة أنّها "تشارك في الحملة نظراً إلى حجم الاستهداف في حقّ المسجد الأقصى".
تلجأ إسرائيل إلى الاعتقالات والإبعاد عن المسجد الأقصى، لترهيب الفلسطينيّين من المشاركة في الحملة، وأبرز المبعدين كان خطيب الأقصى عكرمة صبري الذي سلّمته الشرطة الإسرائيليّة قراراً بالإبعاد عن الأقصى لمدّة أسبوع في 19 كانون الثاني/يناير، لكنّه استطاع كسر القرار ودخل الأقصى على أكتاف المصلّين لأداء صلاة الجمعة في 24 كانون الثاني/يناير، ممّا دفع بالشرطة الإسرائيليّة إلى إبعاده لمدّة 4 أشهر.
وقال صبري لـ"المونيتور" إنّ "الحشد الكبير الذي نشهده في صلوات الفجر في المساجد هو الحالة العاديّة التي يجب أن تكون في كلّ الأوقات"، لافتاً إلى أنّانتشار حملة الفجر العظيم في العالم الإسلاميّ، تشير إلى أهمّيّة المسجد الأقصى لدى المسلمين، في إشارة إلى انتقال الحملة إلى العديد من الدول العربيّة والإسلاميّة.
وحول ما طرحه ترامب من بنود لتقسيم المسجد زمانيّاً ومكانيّاً، قال صبري: "كلّما زادت الأخطار حول الأقصى، ازداد التفاف الناس حوله للدفاع عنه"، مضيفاً: "صلاة الفجر في المسجد هي رسالة إلى الاحتلال والعالم بأهمّيّة الأقصى بالنسبة إلينا، وهذا الأمر يغيظ الاحتلال الذي لا تروق له رؤية هذه الحشود القادرة على مواجهة مخطّطات الاحتلال لبسط سيطرته وسيادته على الأقصى".
وحظيت الحملة التي يتوقّع أن تتّسع رقعتها في الأسابيع المقبلة بدعم سياسيّ سواء من السلطة الفلسطينيّة أم الفصائل، ومن بينها حركتا فتح وحماس، إذ قال النائب في المجلس التشريعيّ المنحلّ عن حركة حماس نايف الرجوب لـ"المونيتور": "حملة الفجر العظيم والإقبال على أماكن العبادة عملان نؤيّدهما وندعمهما، وهما جزء من الإعداد العقائديّ لمواجهة الاحتلال الذي يخشى إقبال الناس على المساجد تحديداً في صلاة الفجر".
وأضاف: "ندعو الفلسطينيّين من كلّ مكان إلى الإسراع في الرباط في الأقصى، كونه العامل الأهمّ لحمايته من المخطّطات التهويديّة المحدقة به، والتي تشبه إلى حدّ كبير ما حدث في الحرم الإبراهيميّ من تقسيمه وتحويله إلى كنيس يهوديّ".
أمّا محافظ القدس وعضو المجلس الثوريّ لحركة فتح عدنان غيث فأكّد لـ"المونيتور" أنّ صفقة القرن تحمل في طيّاتها تهديداً واضحاً للقدس ومقدّساتها، وهي بمثابة ضوء أخضر للمستوطنين لإقامة الصلوات التلموديّة في الأقصى وتقسيمه زمانيّاً ومكانيّاً.
وأوضح غيث: "حين يمسّ الأقصى، يثبت الفلسطينيّون أنّهم قادرون على الدفاع عنه، وما حملة الفجر العظيم سوى أحد أشكال الدفاع عنه، وهي نتاج الحرص على الأقصى الذي يراد الانقضاض عليه"، موضحاً أنّ الحملة هي رسالة للاحتلال مفادها أنّ المقدسيّين سيبذلون كلّ ما يمكن للدفاع عن القدس والأقصى، ونحن حذّرنا من أنّ المسجد الأقصى بمثابة برميل بارود، الاقتراب منه سيولّد تبعات لا أحد يمكن معرفة حدودها".