مدينة غزة، قطاع غزة: خطوات جديدة تخطوها الحكومة الفلسطينية في خطتها التي أقرتها في مايو 2019، للنهوض بالاقتصاد الفلسطيني، وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، إذ أعلن رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية في 3 سبتمبر الجاري، عن فتح الأراضي الوقفية في الضفة الغربية أمام المستثمرين.
وأراضي الوقف هي عبارة عن مساحات من الأرض لا يجوز لأحد استملاكها وفق الشرع الإسلامي، وإنما يتم تأجيرها ويذهب ريعها لوزارة الأوقاف الفلسطينية حصراً، وقد سجلت جميع تلك الأراضي باسم الوزارة وفقاً للمادة 57 من قانون الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الأردني رقم 26 لعام 1966، والمعمول به في الضفة الغربية حالياً.
إعلان اشتية جاء خلال افتتاحه أول عنقود زراعي فلسطيني في مدينة قلقيلية شمال الضفة الغربية، والتي خصصت لها الحكومة الفلسطينية 23 مليون دولار، بهدف استصلاح أراضيها الزراعية، وافتتاح آبار مياه جديدة، وزراعة كافة المساحات المخصصة للزراعة فيها.
رئيس سلطة الأراضي الفلسطينية موسى شكارنة ذكر لـ"المونيتور" أن الأراضي الوقفية تبلغ مساحتها من 7-9 بالمائة من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، مشيراً إلى أن كل مستثمر يريد الاستفادة من تلك الأراضي عليه التوجه لوزارة الأوقاف التي لها الصلاحية الكاملة على تلك الأراضي.
ويقدر البنك الدولي خسائر الاقتصاد الفلسطيني جراء عدم استغلال الأراضي الوقفية بنحو 3 مليارات دولار سنوياً. وهذه آخر إحصائية منشورة.
مسؤول فلسطيني في رئاسة الوزراء الفلسطينية فضل عدم الافصاح عن هويته كشف لـ"المونيتور" أن الهدف الأساسي من قرار فتح أراضي الوقف أمام المستثمرين جاء للاستفادة منها في المساهمة بالاقتصاد الفلسطيني، بالإضافة إلى حمايتها من المصادرة الإسرائيلية وتحديداً تلك الواقعة في المنطقة المصنفة C بالضفة الغربية والخاضعة للسيطرة الإسرائيلية وفق اتفاق أوسلو 1993.
وأقرت الحكومة الفلسطينية في 19 أغسطس الماضي، تقديم منحة مالية للخريجين الفلسطينيين الذين لديهم الاستعداد للسكن والعمل في مشاريع انتاجية بمنطقة الأغوار المهددة بالمصادرة من قبل إسرائيل.
واستبقت القرارات الحكومية الفلسطينية، إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 10 سبتمبر الجاري، نيته فرض السيادة الإسرائيلية على المستوطنات الإسرائيلية الكبرى في الضفة الغربية والمقامة على أراضي فلسطينية، وكذلك فرض السيادة الإسرائيلية على غور الأردن، في حال فوزه بالانتخابات البرلمانية المقبلة في 17 سبتمبر الجاري، وهو ما حذر منه رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية في 10 سبتمبر الجاري، واتهم نتنياهو بأنه المدمر الرئيسي لعملية السلام.
واستخدمت إسرائيل قانون أملاك الغائبين لسنة 1950، وقانون استملاك الأراضي لسنة 1953، في مصادرة الأراضي الفلسطينية داخل إسرائيل وبعض مناطق الضفة الغربية بهدف بناء الكتل الاستيطانية عليها أو استخدامها كمناطق عسكرية، وتسمح تلك القوانين لإسرائيل الاستيلاء على الأراضي والعقارات التي كانت مملوكة لفلسطينيين ولكنهم أجبروا على تركها بفعل الصراعات بين الفلسطينيين والإسرائيليين ووضعتها تحت مسمى "أراضي دولة".
وكيل وزارة الزراعة الفلسطينية عبد الله لحلوح أكد لـ"المونيتور" أن قرار فتح أراضي الوقف الفلسطينية أمام المستثمرين جاء كخطوة من قبل الحكومة الفلسطينية لتشجيع الاستثمار الداخلي الفلسطيني بهدف مساهمته في تعزيز الاقتصاد الفلسطيني وصولاً لخطوة الانفكاك الكامل عن الاقتصاد الإسرائيلي.
وبين لحلوح أن الحكومة أولت الزراعة أهمية كبيرة في خطتها الاقتصادية التي أقرتها في مايو الماضي، مشيراً إلى أن الهدف هو الوصول إلى حد الاكتفاء الذاتي من المنتوجات الزراعية وتصدير الفائض إلى الخارج.
وكشف أن الأراضي الفلسطينية تصدر منتوجاتها الزراعية والصناعية لـ 100 دولة حول العالم، مشيراً إلى أن مساحة الأراضي المزروعة في الضفة الغربية وقطاع غزة تبلغ مليون ونصف دونم، منها مليون وربع دونم في الضفة الغربية.
وكانت الحكومتان الفلسطينية والأردنية وقعتا اتفاقية شراكة في أغسطس 2018، لإنشاء شركة حكومية رأس مالها 18 مليون دولار بهدف تسويق المنتوجات الزراعية الفلسطينية حول العالم، ونوه لحلوح إلى أن كلا الحكومتين ساهمتا حتى اللحظة بـ 50 بالمائة من رأس المال.
وكيل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية حسام أبو الرب ذكر لـ"المونيتور" أن الأراضي الفلسطينية يتوفر بها مساحات كبيرة من أراضي الوقف الصالحة للزراعة، والتي يمكن الاستثمار بها بدل تركها مهملةً أو عرضةً للمصادرة من قبل إسرائيل.
وبين أبو الرب أن الوزارة تضع شروط عدة أمام المستثمرين، تتمثل في أن تستخدم تلك الأراضي في مشاريع تنموية كالزراعة والصناعة ولا تخالف الشرع الإسلامي كأن يستخدمها بعض المستثمرين في زراعة التبغ على سبيل المثال الذي يعتبر اسهلاكه مخالف للشريعة الإسلامية."
وأوضح أن المدة الزمنية التي تمنحها الوزارة أمام المستثمرين لاستئجار الأرض يصل سقفها إلى 25 عاماً، باستثناء الأراضي الزراعية التي ستستخدم في زراعة النخيل والتي يتم تأجيرها لمدة 40 عاماً، وتتواجد تلك الأراضي الزراعية في مدينة أريحا، منوهاً إلى أن سعر إيجار الدونم الواحد في العام يتراوح بين 50-400 دينار أردني وتحديداً للمشاريع الزراعية، أما المشاريع الصناعية فيتراوح سعر تأجير الأرض من 2000-3000 آلاف دينار أردني للدونم الواحد في العام.
ويشكو المزارعون الفلسطينيون من ضعف الدعم والخطط المنفذة من قبل وزارة الزراعة الفلسطينية تجاههم، وهو ما يبرره وزير الزراعة الفلسطيني رياض العطاري في مقابلة مع صحيفة القدس الفلسطينية بداية سبتمبر الجاري، بضعف الميزانية الممنوحة لهم من قبل الحكومة الفلسطينية. في عام 2018، خصصت الحكومة مبلغ 150 مليون شيكل (42 مليون دولار) كموازنة وزارة الزراعة الفلسطينية، منها 42 مليون شيكل (12 مليون دولار) لدعم المشاريع الزراعية.
أما العام الحالي وبسبب الأزمة المالية التي تعاني منها الحكومة الفلسطينية فلم يتم إقرار الموازنة العامة، وتعمل الحكومة منذ مارس الماضي، بموازنة طوارئ –لم يتم نشر تفاصيلها للإعلام-، ويقول وزير الزراعة رياض العطاري إن وزارته تقوم بوضع خطة عمل كل 3 أشهر وتحصل على الدعم المالي لتلك الخطة من قبل الحكومة الفلسطينية ومؤسسات المجتمع المدني بالتعاون مع مؤسسات دولية تنشط في مجال الزراعة.
أستاذ التسويق الزراعي في جامعة الخليل طلعت رجب اعتبر في حديث مع "المونيتور" فتح أراضي الوقف أمام المستثمرين خطوة جيدة، مستدركاً: إلا أنها بحاجة لتنظيم من قبل وزارة الزراعة المطالبة بتوجيه المزارعين لزراعة بعض أنواع النباتات التي يحتاجها السوق الفلسطيني كالباذنجان والبطاطس والثوم والجزر وغيرها، بدل أن تستخدم تلك الأراضي لزراعة أصناف نباتية يكتفي السوق منها.
ودعا رجب الحكومة الفلسطينية إلى تأهيل البنية التحتية في المناطق الزراعية الفلسطينية، وتوفير مصادر مياه مستمرة لضمان نجاح المشاريع الزراعية المتوقع انشاؤها، هذا بالإضافة إلى دعم وتشجيع الصناعات اللاحقة لما سيتم زراعته، وكذلك وضع خطط تسويقية مناسبة لتسويق المنتوجات الزراعية والصناعية الجديدة.
تأمل الحكومة الفلسطينية أن تنجح مع القطاع الخاص في بناء منظومة زراعية وصناعية فلسطينية تمكنها من تحقيق الاكتفاء الذاتي للمواطن الفلسطيني في احتياجاته الاستهلاكية، إلى جانب رفع مساهمة القطاعين الزراعي والصناعي في الناتج القومي الفلسطيني، إذ تساهم الزراعة حالياً بـ 4 في المائة فقط من الناتج القومي، فيما تساهم الصناعة بـ 14 بالمائة.