رام الله – الضفّة الغربيّة: تعوّل السلطة الفلسطينيّة على موقف الاتحاد الأوروبيّ الملتزم بحلّ الدولتين، بعد إعلان الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب، في 28 كانون الثاني/يناير، "صفقة القرن"، إذ قال الرئيس محمود عبّاس في كلمته، عقب اجتماع للقيادة الفلسطينيّة، ضمّ الفصائل في مدينة رام الله بـ28 كانون الثاني/يناير: "إنّ الاتحاد الأوروبيّ حتّى اللحظة يقول حلّ الدولتين على أساس الشرعيّة الدوليّة، وهذا كلام جميل".
أضاف: "أوروبا بدأت تعي أنّها ظلمتنا كثيراً في الماضي، وأنّ عليها أن تصحّح بعض الأخطاء التي وقعت فيها عبر مئة عام من الزمن".
والتقى أمين سرّ اللجنة التنفيذيّة لمنظّمة التحرير صائب عريقات، في 29 كانون الثاني/يناير من عام 2020 برام الله، رؤساء البعثات الديبلوماسيّة لدول الاتحاد الأوروبيّ، حيث أكّد في تغريدة بعد اللقاء "على وجوب قيام دول الاتحاد باتخاذ إجراءات عملية ضد سلطة الاحتلال إسرائيل لأن الضم يعتبر اعتداءًا صارخا على النظام الدولي والقانون الدولي ." وأضاف: "إنها لحظة حقيقة لأوروبا . نريد سلام وليس ابرثايد."
وكانت السلطة كثّفت في الأيّام، التي سبقت إعلان "صفقة القرن"، ضغوطها على الاتحاد الأوروبيّ لاتّخاذ مواقف أكثر جرأة إزاء الممارسات الإسرائيليّة في الأراضي الفلسطينيّة وعمليّة السلام وحلّ الدولتين. ووجّهت إلى الاتحاد انتقادات مبطّنة عبر وزارة الخارجيّة والمغتربين، بسبب مواقفه التي وصفتها الوزارة بـ"الخجولة وغير كافية والمتأخّرة".
وقالت الخارجيّة في بيان صحافيّ في 21 كانون الثاني/يناير من عام 2020: "إنّ اكتفاء الاتحاد الأوروبيّ بصيغ الرفض لإجراءات الاحتلال يبقى خجولاً وضعيفاً ومتأخّراً، ولا يرتقي إلى مستوى الحدث والمسؤوليّة الملقاة على عاتق الاتحاد الأوروبيّ ودوله".
وأشارت إلى أنّ "الاتحاد مطالب بموقف أقوى لمواجهة المعركة المفتوحة على القدس".
واستغلّ رئيس الوزراء الفلسطينيّ محمّد اشتيّة مشاركته في الدورة الـ50 للاجتماع السنويّ للمنتدى الاقتصاديّ العالميّ في دافوس بسويسرا، الذي انطلقت أعماله في 21 كانون الثاني/يناير من عام 2020، للضغط على دول الاتحاد الأوروبيّ للاعتراف بالدولة الفلسطينيّة، إذ قال خلال اجتماعه مع وزيرة الخارجيّة السويديّة آن ليندي، في 21 كانون الثاني/يناير: إنّ الاعتراف الأوروبيّ بفلسطين ضرورة، في ظلّ التهديدات الإسرائيليّة بالضمّ.
واعتبر "أنّ السويد تمثل نموذجاً لدول الاتحاد الأوروبيّ باعترافها بفلسطين، وبتحويل قناعاتها السياسيّة إلى فعل"، في إشارة إلى اعتراف السويد بدولة فلسطين في 30 تشرين الأوّل/أكتوبر عام 2014.
كما دعا محمّد اشتيّة سويسرا وبلجيكا إلى الإسراع في الاعتراف بدولة فلسطين لمواجهة الضمّ الإسرائيليّ، وذلك خلال لقائه بشكل منفصل رئيسة وزراء بلجيكا صوفي وليامز ووزير خارجيّة سويسرا إجنازيو كاسيس، في 22 كانون الثاني/يناير.
وأوضح اشتيّة جملة المطالب التي تريد السلطة من الاتحاد الأوروبيّ اتّخاذها، قائلاً: "نريد من الاتحاد الأوروبيّ العمل بشكل جماعيّ على حماية حلّ الدولتين والقرارات الدوليّة التي تنتهكها إسرائيل يوميّاً بمحاولتها فرض أمر واقع قائم على سلب الأراضي الفلسطينيّة وقتل إمكانيّة إقامة الدولة".
أضاف: "يجب أن تقود أوروبا جهداً دوليّاً لمرحلة ما بعد مشروع ترامب".
وقال رئيس وحدة الشؤون الاستراتيجيّة في مكتب رئيس الوزراء أحمد جميل عزم لـ"المونيتور": "إنّ المطلب الفلسطينيّ من الاتحاد الأوروبيّ هو إذا كنت تؤمن بحلّ الدولتين، فيجب اتّخاذ خطوات عمليّة لتجسيد هذا الحلّ، وهذا يكون بأمور عدّة، أهمّها رفض أيّ مبادرات سياسيّة لا تتضمّن المرجعيّات الدوليّة والمواقف الأوروبيّة، والاعتراف بالدولة الفلسطينيّة".
وأشار إلى أنّ العلاقة بين السلطة والاتحاد الأوروبيّ ستستمرّ، وسيواصل الفلسطينيّون مطالبة الأوروبيّين وأطراف دوليّة أخرى مثل روسيا باتّخاذ خطوات عمليّة إزاء عمليّة السلام، لافتاً إلى أنّ السلطة تتوقّع من الاتحاد الأوروبيّ عقب إعلان صفقة القرن أن يتمسّك بقرارات الأمم المتّحدة والمواقف الأوروبيّة السابقة المتمثلة بدعمها حلّ الدولتين.
أسباب عدّة تقف أمام عدم إصدار الاتحاد الأوروبيّ موقفاً موحّداً للاعتراف بالدولة الفلسطينيّة، أبرزها وجود اختلافات عميقة بين دول الأعضاء حول ذلك وضرورة حصول هذا القرار على إجماع كلّ الدول حتّى يصبح نافذاً، إذ قال المتحدّث باسم الاتحاد الأوروبيّ شادي عثمان لـ"المونيتور": إنّ الاتحاد الأوروبيّ، في ظلّ الانقسام الحاصل بين دوله، فإنّ موقفه الرسميّ هو استمراره باتّخاذ خطوات للمساهمة في بقاء حلّ الدولتين على قيد الحياة، واستكمال العمل على الأرض بما يخدم ذلك.
أضاف: إنّ اعتراف الاتحاد الأوروبيّ بدولة فلسطين طرح كثيراً للنقاش، وبعض الدول الأعضاء طالب به، لكن أعتقد أنّه من الصعب أن يحدث في الوقت الراهن، لأنّه لا يوجد إجماع عام بين الدول على اتّخاذ هذا القرار.
وأكّد شادي عثمان أنّ الاتحاد الأوروبيّ سيحافظ في العام الحاليّ على الدعم الماليّ الذي قدّمه إلى السلطة، بوتيرة دعم العام الماضي ذاته، والذي بلغ 300 مليون يورو. كما سيحافظ على الدعم نفسه في العامين المقبلين، في حال لم تحدث تغيّرات كبيرة في الوضع السياسيّ.
أما عن الانتقادات الفلسطينيّة للاتحاد الأوروبيّ، فقال عثمان: "إنّ هذا الأمر يتفهمّه الاتحاد، فهناك واقعيّة في التعامل مع هذا الملف وهناك تغيّرات سياسيّة في المنطقة، لكنّ الاتحاد يتعامل كي لا تندثر رؤية حلّ الدولتين ولإبقائها على قيد الحياة".
ولفت إلى أنّ مستقبل العلاقة بين أوروبا وفلسطين سيبقى قويّاً ومنفتحاً، رغم التحدّيات الصعبة التي تجري على الأرض.
وبعد إعلان الإدارة الأميركيّة، التي رعت عمليّة السلام منذ عام 1993، صفقة القرن بشكل رسميّ، فإنّ السلطة الفلسطينيّة التي دخلت في حالة قطيعة سياسية تامّة مع الإدارة الأميركيّة ، تسعى إلى عدم خسارة المواقف الداعمة لها سياسيّاً من الاتحاد الأوروبيّ وروسيا على سبيل المثال، في حال كانت غير قادرة على التأثير على تلك الدول لاتّخاذ مواقف أكثر تقدّماً لصالح القضية الفلسطينية.