رام الله: يعيش حوالى 300 فلسطينيّ في "عين الحلوة" و"أمّ الجمال" في منطقة الأغوار الشماليّة، في غور الأردن، حالة من القلق على مصيرهم، بعد قرار السلطات الإسرائيليّة في 10 تشرين الثاني/نوفمبر الحاليّ بترحيلهم عنها.
وتشير صحيفة هآرتس العبرية في مقال نشر في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني أنّ الاحتلال تعامل، وللمرّة الأولى، بإصدار إخطارات الترحيل بـ"الأمر العسكري" الخاص بإخلاء البؤر الاستيطانيّة "غير الشرعيّة".
في 9 تشرين الثاني/ نوفمبر تم ترك الإخطار الصادر في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر بالقرب من البيوت البدائيّة التي يسكنها السكّان من قبل عام 1967 وحتّى الآن. ويقضي نص الإخطار بضرورة الإخلاء خلال أيّام، مع الإشارة إلى أحقيّة السكّان بالاعتراض في فترة لا تتعدّى الثمانية أيّام منذ صدور القرار، وهو ما سعت سلطات الاحتلال إلى سحبه منهم بتعليق القرار بعد تسعة أيّام من إصداره (صادر في الأوّل من تشرين الثاني/نوفمبر)، كما أشار المواطن نبيل الجمّال من سكّان أم الجمال، والذي قال أيضاً لـ"المونيتور": اقتحموا المنطقة في العاشر من الشهر الحاليّ، وقاموا بتصوير البيوت وحضائر الأغنام. وبعد انسحابهم، وجدنا إخطار مرفق بخريطة يتضمن مساحة منطقتي "أم الجمال" و" عين الحلوة" بالقرب من أحد البيوت. لقد مضى على إصداره كلّ الفترة المخصّصة للاعتراض، أيّ أنّنا أصبحنا مجبرين على تنفيذ القرار من دون أيّ استئناف قانونيّ ضدّه".
يسكن الجمّال وعائلته المكوّنة من 12 شخصاً في بيت من الصفيح، نظراً لعدم سماح سلطات الاحتلال للسكّان هناك بالبناء الإسمنتيّ بحجّة أنّها مناطق مصنّفة "جيم"، وهو يعاني، كما غيره، من الملاحقة اليوميّة خلال عمله على رعي المواشي والزراعة . كما يعاني من المضايقات كمنع مدّ أنابيب المياه، وحظر المراعي، وإغلاق الطرق وتخصيصها للمستوطنين فقط.
ولعلّ أكثر ما يؤلم الجمّال، والذي أكّد رفضه الرحيل وعائلته من منزله وأرضه مهما كانت إجراءات الاحتلال، أنّ القانون الذي صدر بموجبه قرار الترحيل مخصّص لإخلاء المستوطنات "غير الشرعيّة"، وقال: "أبي وأجدادي سكنوا هذه الأرض من قبل قيام دولة إسرائيل. والآن، أصبحنا نعامل معاملة المستوطنات غير القانونيّة بنظرهم، ولا يسمح لنا بالاعتراض على تهجيرنا منها".
هذا الأمر العسكريّ صيغ في عام 2003 للتصدّي لبناء المستوطنين البؤر الاستيطانيّة "غير الشرعيّة"، وتم تعديّله في 20 تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2015 بحيث يسري على الفلسطينيّين. وكانت صحيفة هآرتس أول من كشف عن التعديل في مقال في 18 نوفمبر" تشرين الثاني، أما فلسطينيا فلم ينشر في الصحافة الفلسطينية عن التعديل إلا بعد نشر تقرير هآرتس المترجم.
وأشار مسؤول ملف الأغوار في محافظة طوباس معتزّ بشارات أن هذا الأمر هو قرار عسكريّ يمنح قائد المنطقة الحقّ بتنفيذ قرار الإخلاء من دون مقدّمات ومتى شاء بالقوّة وهذا يشكّل خطورة على كلّ المناطق المصنّفة "جيم"، وليس فقط على منطقتيّ "أمّ الجمال" و"عين الحلوة"، كما قال أيضاً لـ"المونيتور": إنّ المحافظة، ومن خلال هيئة محامين قدّمت اعتراضاً باسم السكّان ضدّ القرار، استند على أنّ هذا الأمر العسكريّ يختصّ بالمستوطنين، ولا يشمل السكّان الأصليّين في المناطق الفلسطينيّة".
أضاف معتزّ بشارات: في حال تمّ تطبيق هذا القرار، فإنّه يعني ترحيل كامل سكّان الأغوار البالغ عددهم 6000 فلسطينيّ بالكامل والسيطرة الكاملة على منطقة الأغوار التي تشكّل 30 في المئة من مساحة الضفّة الغربيّة.
وتابع: "السلطات الإسرائيليّة استطاعت أن تقسّم مناطق الأغوار إلى مناطق عسكريّة ومستوطنات ومحميّات طبيعيّة، ولم تبق سوى المساحات التي يسكن فيها السكّان. وفي حال ترحيلهم، سيتمّ إطباق اليد بالكامل على الأغوار".
البيّنة التي استند عليها المحامون في استئناف القرار، يبدو أنّها لن تسعفهم في انتزاع قرار قضائيّ لصالح السكّان بعد الكشف عن تعديل القانون في عام 2015 بحيث يشمل الفلسطينيّين في المناطق "جيم".
من جهته، ربط الخبير في الشأن الإسرائيليّ أنطوان شلحت بين هذا الإخطارات والإعلان عنه في هذه الفترة، وبين النشاط الاستيطانيّ غير المسبوق لحكومة إسرائيل، وقال لـ"المونيتور": إنّ إسرائيل تحاول حسم مصير هذه المناطق لصالح البناء الاستيطانيّ، استباقاً لأيّ تحرّك سياسيّ في المنطقة يمكن أن يعيد المفاوضات المباشرة المتوقفة إلى طاولة الحوار مرّة أخرى..
وعن ظروف سَنّ هذا الأمر العسكريّ، قال أنطوان شلحت: "هذا القرار تمّ سنّه في عام 2003 لمواجهة ظاهرة بناء "البؤر الاستيطانيّة غير الشرعيّة" وبنائها من قبل غلاة المستوطنين في الأماكن التي تجري فيها عمليّات فدائية من قبل الفلسطينيّين ضدّ أهداف للمستوطنين، وإنّ قائد المنطقة "العسكري" في جيش الاحتلال مخوّل بإزالتها لمخالفتها القوانين المرعيّة من قبل الحكومة الإسرائيليّة في ما يتعلّق بالاستيطان في الضفّة الغربيّة.
وأشار إلى أنّ التعديل الجديد ينصّ على أن يشمل تجمّعات سكنيّة فلسطينيّة تعتبرها إسرائيل غير قانونيّة، وهي التجمّعات التي تتركّز في المناطق المصنّفة "جيم"، ومعظمها في مناطق الأغوار والجبال الشماليّة لمدينة القدس حيث التجمّعات البدويّة، وقال: إنّ خطورة هذا القانون أنّه يوفّر كلّ الآليّات القانونيّة للسيطرة على هذه المناطق، من خلال ترحيل التجمّعات السكانيّة كاملة، والتي تضمّ سكان الأرض الأصليّين، رغم وجود وثائق وصور جويّة تثبت إنهم السكان الأصليين ويملكون الأرض.
هذا التعديل على الأمر العسكريّ 2003 يضاف إلى قائمة القوانين الإسرائيليّة، التي سنّتها في السنوات القليلة السابقة للسيطرة على المزيد من الأراضي في الضفّة الغربيّة لصالح الاستيطان، ومحاولة فرض أمر واقع على الأرض، استباقاً لأيّ حلّ سياسيّ في الأفق.