رام الله – الضفّة الغربيّة: انقسمت مواقف الفلسطينيّين من حادثة اغتيال الولايات المتّحدة الأميركيّة لقائد فيلق القدس في الحرس الثوريّ الإيرانيّ قاسم سليماني بالعراق في 3 كانون الثاني/يناير.
في غزة، دانت معظم الفصائل الفلسطينيّة الاغتيال، وشارك بعض قادتها في تشييعه وتقديم العزاء به كقادة "حماس" و"الجهاد الإسلاميّ". وخلافاً للموقف الرسميّ برز الانقسام في صورة كبيرة بين الفلسطينيّين بشكل خاص على وسائل التواصل الاجتماعيّ، إذ عبّر بعض النشطاء عن رفضهم موقف قيادة الحركة من زيارة إيران والمشاركة في تشييع قاسم سليماني وتقديم العزاء به كما ورفضوا وصف رئيس المكتب السياسيّ لـ"حماس" إسماعيل هنيّة لسليماني بـ"شهيد القدس". وينطبق الأمر كذلك على الفلسطينيين المؤيّدين لما تسمّى بثورات الربيع العربيّ، وتحديداً الثورة السوريّة، الذين اعتبروا سليماني أكثر من ساهم في إفشالها، وأنّه متورّط بقتل السوريّين.
وكتب نائب رئيس الحركة الإسلاميّة في أراضي 48 الشيخ كمال الخطيب الذي يعد من المؤيدين لحركة حماس منشوراً على "فيسبوك"، في 8 كانون الثاني/يناير، قال فيه: "بعد أسبوع من التهديد والوعيد والجعجعة والعنتريّات والتصريحات الناريّة، وإذا بها مجموعة صواريخ باليستيّة إيرانيّة، ولعلّها بلاستيكيّة ليس لها أيّ تأثير سوى الفرقعة مثل فرقعة الألعاب الناريّة"، في إشارة إلى الردّ الإيرانيّ والصواريخ التي ضربت قاعدة عين الأسد في العراق.
في المقابل، كتب عضو مجلس نقابة الصحافيّين الفلسطينيّين عمر نزّال على "فيسبوك" في 8 كانون الثاني/يناير: "حتّى لو لم تكن هناك أيّ خسائر، حتّى لو كان الردّ متّفقاً عليه، حتّى لو كانت مسرحيّة، فهذا يعني أنّ أميركا تقرّ بهيبة إيران وكلّ دولة ذات سيادة. أمّا قراقوزات العربان، ودول الكاز، ومستدخلي الهزيمة الدونيّين، فلا سيادة ولا هيبة ولا ذرّة شرف".
وعلى الأرض، أقامت الفصائل الفلسطينيّة في غزّة بيت عزاء كبير بساحة الجنديّ المجهول في 4 كانون الثاني/يناير من عام 2020 رفعت فيه صوراً كبيرة كتب عليها "الشهيد قاسم سليماني"، وحضره مئات الفلسطينيّين، في مقدّمتهم قيادات الفصائل.
أمّا في الضفّة الغربيّة فتجاهلت حركة "فتح" والسلطة الفلسطينيّة حادثة الاغتيال ولم تعلّق عليها، باستثناء تصريح لعضو اللجنة المركزيّة للحركة عبّاس زكي لقناة "الميادين" الفضائيّة في 3 كانون الثاني/يناير وصف فيه سليماني بـ"تشي غيفارا الشرق الأوسط"، وإقامة بعض الشبّان بيت عزاء صغير لسليماني في مخيّم الدهيشة للاّجئين - جنوب شرقيّ بيت لحم بـ4 كانون الثاني/يناير، حضره رئيس أساقفة سبسطيّة والقدس للروم الأرثوذكس الأب عطا الله حنّا.
ولم تغب وسائل الإعلام الفلسطينية عن هذا السجال، إذ شنّ موقع "أمد للإعلام" المقرّب من القياديّ المفصول من "فتح" محمّد دحلان المقيم في الإمارات العربيّة المتّحدة وتربطه علاقات قويّة مع وليّ عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوّات المسلّحة الإماراتيّ محمّد بن زايد، هجوماً على الفصائل الفلسطينيّة التي ذهبت إلى تقديم العزاء بسليماني وأقامت بيت عزاء في غزّة.
وقال المشرف العام على الموقع حسن عصفور في مقال بـ7 كانون الثاني/يناير من عام 2020: إنّ وصف رئيس حركة "حماس" لسليماني "شهيد القدس" هو سقطة سياسيّة كبرى، بل نفاق سياسيّ غير مسبوق. سبقه مقال في 4 كانون الثاني/يناير اعتبر فيه أنّ العزاء الذي أقيم في غزّة خطأ كبير، ما كان له أن يكون أبداً، وقال: إنّ إيران تستخدم فلسطين راية لتمرير طائفيّتها السوداء.
من جهته، قال خبير الحركات الإسلاميّة في الضفّة ساري عرابي لـ"المونيتور": إنّ الانقسام بين الفلسطينيّين، إزاء اغتيال سليماني، أثارته مواقف حركتيّ "حماس" و"الجهاد"، وتحديداً خطاب هنيّة في طهران.
أضاف: "ظهر الانقسام بشكل كبير في صفوف عناصر حركة حماس، لأسباب عدّة، أهمّها موقف الحركة من الأزمة السوريّة وتدخّل إيران فيها".
وتابع: "منذ بدء الأزمة السوريّة، كان هناك خطاب لدى حماس مناصراً للشعب السوريّ، ورافضًا للتدخّل الإيرانيّ بسوريا، ولحركات المقاومة، التي أصبحت ترتبط بالمشروع الإيرانيّ في المنطقة"، في إشارة إلى "حزب الله".
وأردف: "منذ ذلك الوقت حتّى اليوم، هناك سجال داخل حماس حول إيران، زاد حدّته تحسّن علاقة الحركة معها. وهذا السجال من قبل اعضاء حماس يظهر للعلن في كلّ لقاء يجمع بين قادة حماس وايران أو تصريح صحفي لاحد قادة حماس يشيد بإيران".
وعن أسباب الاختلاف بين موقف عناصر "حماس" وقادتها من إيران، قال ساري عرابي: "إنّ حماس حركة موجودة ولديها عناصر منتسبون في الضفّة وغزّة والخارج. ولذلك، تعيش ظروفاً متباينة، فعناصر حماس خارج فلسطين، ولا سيما اللاجئين الذين عاشوا في المخيمات الفلسطينية في سوريا كمخيم اليرموك، هي الأكثر تشدّداً في الموقف المعادي لإيران. أمّا في الضفّة فلا يوجد تنظيم مركزيّ لحماس قادر على التواصل مع كوادره وعناصره. وبالتّالي، لا توجد تعبئة داخليّة وتثقيف سياسيّ. ولذلك، فإنّ الكوادر تتّخذ مواقف فرديّة قد تخالف مواقف الحركة وقادتها، بينما في غزّة ونظراً لوجود تنظيم متماسك قادر على ضبط عناصره والتواصل معها، فتتمّ تغذيتها بتطوّرات مواقف قيادة الحركة".
وبات الانقسام الفلسطينيّ الداخليّ وصراع المحاور في الإقليم سببين في تشكيل مواقف الفلسطينيّين، الذين وجدوا مواقع التواصل الاجتماعيّ مساحة للتعبير عنها، فقد شن الإعلام الرسمي للسلطة الفلسطينية هجوما على حركة حماس بسبب مشاركة قادتها في تشييع سليماني وتقديم العزاء بها، فنشرت وكالة (وفا) الرسمية تقريرا في 13 كانون ثاني/يناير هاجمت فيه حركة حماس واتهمها بأنها ترهن نفسها للقوى الخارجية وتبعث برسائل ايجابية لاسرائيل وامريكا من جهة، والى ايران من جهة أخرى ، بينما بث تلفزيون فلسطين (رسمي) تقريرًا مصورًا بعنوان (حماس تواصل نفاقها السياسي لتحقيق مكاسب حزبية) اتهم قادة الحركة أنهم ارتموا في حضن طهران.
و قال مدير "مركز العالم العربيّ للبحوث والتنمية – أوراد" نادر سعيد لـ"المونيتور": إنّ الانقسام السياسيّ بين الفلسطينيّين موجود منذ سنوات، بين من يدعم السلطة الفلسطينية وخياراتها وتحالفاتها السياسيّة، وبين من يدعم المقاومة وفصائلها وتحالفاتها. وهذا الانقسام يتّسع، في ظلّ الخلافات بين المحاور العربيّة والإقليميّة التي تنعكس على الفلسطينيّين وتبلور مواقفهم.
أضاف: "إنّ الفصائل الإسلاميّة واليساريّة المقاومة ترى نفسها حليفة مع إيران، في ظلّ ما تقدّمه من دعم ماليّ وعسكريّ إليها. أمّا السلطة والفصائل المؤيّدة لخطّها السياسيّ فترى نفسها في الحلف العربيّ المعتدل السنيّ، وتحديداً السعوديّة ومن خلفها الأنظمة الخليجيّة".