رام الله – الضفّة الغربيّة: شهد قطاع غزّة على مدار يومين مواجهة بدأت فجر 12 تشرين الثاني/نوفمبر بشنّ إسرائيل هجمات ضدّ قيادات "الجهاد الإسلاميّ"، فتمكّنت من اغتيال القياديّ في سرايا القدس - الجناح العسكريّ لحركة "الجهاد" في غزّة بهاء أبو العطا وزوجته، وفشلت في اغتيال عضو المكتب السياسيّ للحركة المقيم في دمشق أكرم العجوري وقتلت نجله معاذ.
وعلى مدار ساعات المواجهة، قادت سرايا القدس عمليّات قصف المدن والمستوطنات المحاذية للقطاع بعشرات الصواريخ في عمليّة أسمتها "صيحة الفجر"، وشاركتها أجنحة عسكريّة أخرى، ككتائب أبو علي مصطفى - الجناح العسكريّ للجبهة الشعبيّة، كتائب المجاهدين، كتائب شهداء الأقصى - لواء نضال العامودي التابعة لحركة "فتح"، من دون مشاركة كتائب القسّام - الجناح العسكريّ لحركة "حماس".
عدم مشاركة "حماس" في جولة القتال، تركت امتعاضاً لدى حركة "الجهاد"، ظهر في تلميحات أمينها العام زياد النخّالة، خلال مقابلة مع قناة "الميادين" في 13 تشرين الثاني/نوفمبر، قال فيها: "لمن يقول إنّ المعركة الحاليّة هي معركة سرايا القدس، نقول إنّها معركة الشعب الفلسطينيّ".
أضاف: عندما توافق "إسرائيل على إدخال أموال المساعدات هدفها ترويض المقاومة"، في إشارة إلى المساعدات القطريّة الشهريّة التي تسمح إسرائيل بإدخالها لـ"حماس"، والتي بدأت بـ 15 مليون دولار شهريا في تشرين ثاني/نوفمبر 2018 من اجل دفع رواتب موظفي حماس في غزة. وتبدو قطر مصممة على الإبقاء على دعمها المالي لقطاع غزة.
كما منعت عناصر في "الجهاد" من عائلة الشهيد أبو العطا، عضو المكتب السياسيّ لـ"حماس" محمود الزهّار من الحضور إلى بيت عزاء الشهيد في حيّ الشجاعيّة بـ15 تشرين الثاني/نوفمبر، لكن سرعان ما تمّ احتواء التوتّر بزيارة وفد من العائلة ومن حركة "الجهاد" منزل محمود الزهّار والاعتذار منه عما حدث في نفس اليوم.
أسباب عدّة تقف خلف عدم مشاركة "حماس" في جولة القتال إلى جانب "الجهاد"، أبرزها رغبتها في عدم وقوع مواجهة مفتوحة مع إسرائيل، إذ قال القياديّ في "حماس" عاطف عدوان لـ"المونيتور": "إذا كانت كتائب القسّام لم تتدخّل في المواجهة، فإنّ ذلك قد يكون شكلاً من أشكال التوافق داخل غرفة المقاومة المشتركة".
أضاف: "كانت فصيلة واحدة، وهي الجهاد الإسلاميّ قادرة على الردّ على الاغتيال، من دون أن يتحوّل الأمر إلى مواجهة مفتوحة".
وتابع: "إنّ حركة الجهاد عندما بادرت إلى الردّ على الاحتلال، كانت قادرة على تحقيق الهدف السياسيّ والعسكريّ والأمنيّ. ولو كانت في حاجة إلى دعم لما تردّدت في طلب ذلك من حماس، في ظلّ التنسيق العالي بينهما".
وأكّد عاطف عدوان أنّ العلاقة بين الحركتين، بعد المواجهة، أصبحت أقوى من خلال القناعة التي تولّدت لديهما بوجوب ضرورة أن تكون المواجهة المقبلة مع الاحتلال ذات طابع موحّد يلبّي الموقف الشعبيّ الفلسطينيّ ويفشل المساعي الإسرائيليّة لإحداث فرقة بينهما.
وأجرى رئيس المكتب السياسيّ لحركة "حماس" إسماعيل هنيّة، عقب توقّف إطلاق النار، اتصالاً هاتفيّاً بزياد النخّالة في 15 تشرين الثاني/نوفمبر، ركّزا في حديثهما على "تعميق التعاون المدنيّ والعسكريّ بين الحركتين"، في حين أكّد إسماعيل هنيّة في 17 تشرين الثاني/نوفمبر، خلال زيارة عائلة السواركة التي قتل 8 من أفرادها في قصف إسرائيليّ، عدم تخلّي "حماس" عن المقاومة وتعهّد بالرد، قائلاً: "شُلّت أيماننا إن لم ننتقم لهذه الدماء، فالجولة انتهت، لكن لم تنته المعركة، ولن تنتهي إلاّ بعد أن يطرد الاحتلال من أرضنا وأقصانا".
وقال عضو المكتب السياسيّ لـ"الجهاد الإسلاميّ" محمّد الهندي، في مقابلة تلفزيونيّة مع فضائيّة "الأقصى" التابعة لـ"حماس" بـ18 تشرين الثاني/نوفمبر: "إنّ سرايا القدس تكفّلت بالردّ على اغتيال القياديّ لديها بهاء أبو العطا، وأنجزت المهمّة".
وأشار إلى أنّ "الردّ على جريمة اغتيال أبو العطا ليس مطلوباً من الجميع"، وقال: "ليس من الحكمة دخول كتائب القسّام في الردّ، كي لا تتطوّر المواجهة إلى حرب كبيرة".
من جهته، لفت المحلّل السياسيّ المقرّب من "حماس" ورئيس تحرير صحيفة "فلسطين" اليوميّة سابقاً مصطفى الصوّاف خلال حديث لـ"المونيتور" إلى أنّ ردّ المقاومة على إسرائيل تمّ بتفاهم مع الفصائل الفلسطينيّة كافّة، وقال: "لأنّ الاستهداف طال قياديّاً في حركة الجهاد الإسلاميّ، فإنّ المجال كان مفتوحاً أمامها للردّ، الذي يمكن أن يحقّق ردع الاحتلال".
ووصف مصطفى الصوّاف التفاهمات بين كتائب القسّام وسرايا القدس بـ"العميقة"، وقال: "إنّ سرايا القدس كانت قادرة على الردّ بشكل منفرد على الاحتلال. كما أنّ إسرائيل كانت تسعى إلى إدخال حماس في المعركة، الأمر الذي يعطيها مساحة وفرصة لشنّ عدوان واسع على غزّة".
لا يقتصر نأي "حماس" بنفسها عن المشاركة في القتال، على رغبتها في تجنّب حرب واسعة مع إسرائيل، بل تضاف إلى ذلك أسباب عدّة، أبرزها: "المحافظة على تفاهمات التهدئة التي أبرمتها مع إسرائيل بواسطة مصريّة"، حسب ما أكّده لـ"المونيتور" المحلّل السياسيّ الكاتب في صحيفة "الأيّام" المحلّيّة طلال عوكل، الذي أشار أيضاً إلى أنّ السبب الآخر هو "أنّ الجهاد أخذت قرار الردّ على اغتيال أبو العطا مباشرة وبشكل منفرد بعد وقوع الاغتيال من دون التشاور مع أحد والعودة إلى غرفة العمليّات المشتركة أو حركة حماس، وهذا معناه أّنها تجاوزت قواعد العمل في القطاع بحكم أنّ حماس هي التي تحكمه، وهذا الأمر ربّما ترك بعض الحساسيّة لدى حماس. وبالتّالي، تركت الجهاد تقوم بالردّ بشكل منفرد".
وأكّد طلال عوكل أنّ دخول "حماس" على الخطّ كان سيؤدّي إلى تصعيد كبير، خصوصاً أنّ إسرائيل تسعى إلى ذلك، وقال: "إنّ حماس لا ترغب في التصعيد، بل هي مرتاحة لقواعد اللعبة كما هي الآن، في ظلّ التفاهمات مع إسرائيل، والأموال التي تدخلها قطر إلى غزّة بموافقة إسرائيليّة".
وتحدّث عن وجود عوامل أخرى أدّت إلى امتناع "حماس" عن المشاركة، كتدخّل الطرف المصريّ لإبرام وقف إطلاق النار منذ الساعات الأولى. وبالتّالي، حماس أدركت قدرة مصر على إنجاز ذلك، وهي لا تستطيع رفض الطلب المصريّ، نظراً للعلاقة الجيّدة بينهما.
ورغم ما أثاره عدم مشاركة "حماس" في جولة القتال الأخيرة من تساؤلات، إلاّ أنّ ذلك لم يؤثر على عمق علاقتها مع الجهاد الإسلاميّ. كما لم يبدّد الشعور بأنّ المواجهة المقبلة بين "حماس" وإسرائيل قريبة، بل إنّ حدوثها هو فقط مسألة وقت، خصوصاً أنّ إسرائيل اتّهمت "حماس" في 16 تشرين الثاني/نوفمبر، أيّ بعد وقف إطلاق النار، بقصف مدينة بئر السبع بصاروخين.