أجرى وزير الخارجيّة الإيرانيّ محمّد جواد ظريف في 4 شباط/ فبراير، اتّصالاً هاتفيّاً بالرئيس الفلسطينيّ محمود عبّاس، لدعم تحقيق المصالحة الفلسطينيّة، ومعارضة صفقة القرن، وكان هذا تطوراً تاريخياً غير مسبوق في العلاقات الإيرانية الفلسطينية.
وفي 5 شباط/فبراير، اتّصل ظريف برئيس المكتب السياسيّ لحماس اسماعيل هنيّة، لتجديد رفض إيران للصفقة، وأكّد وقوف بلاده إلى جانب الفلسطينيّين، واستعدادها للمساهمة في التحرّك الدبلوماسيّ والسياسيّ لدعمهم.
ومع أنّ اتّصال ظريف بهنيّة كان طبيعيّاً ومتكرّراً، في ظلّ العلاقة القويّة القائمة بين حماس وإيران، إلّا أنّ اتصال ظريف بعبّاس هي الأولى من نوعها منذ سنوات طويلة، فعلاقات السلطة الفلسطينيّة مع إيران لا تعيش أحسن أحوالها، لأنّها تشهد حالات من التوتّر والقطيعة أكثر من أوضاع الانسجام والتوافق.
قال عبّاس زكي وهو عضو اللجنة المركزيّة لفتح ويقود تيّاراً داخل السلطة الفلسطينيّة للتقارب مع إيران لـ"المونيتور": "إنّ اتّصال ظريف بعبّاس يعبّر عن شعور إيرانيّ بالخطر من الصفقة، التي تستهدف كلّ من هو غير تابع إلى إسرائيل وأميركا في المنطقة. إعلان الصفقة فرصة لأصدقاء القضيّة الفلسطينيّة للتوحّد ضدّ الوصاية الأميركيّة، كي يقفوا في خندق واحد لمواجهة الصفقة. على صعيد الدور الإيرانيّ لتحقيق المصالحة الفلسطينيّة، ربّما لا يكون مناسباً للفلسطينيّين أن ينتظروا أحداً يحثّهم على إنهاء الانقسام. لا أظنّ أنّ الدول العربيّة تنزعج من التواصل الفلسطينيّ-الإيرانيّ، فنحن في حاجة إلى العرب والإيرانيّين لأن يكونوا بجانبنا، وقد يكون الرئيس عبّاس المقبول إيرانيّاً مناسباً لتبادل الرسائل الإيرانيّة-العربيّة لتخفيف توتّر المنطقة".
بدا حجم المعارضة الإيرانيّة للصفقة كبيراً، فقبل اتّصالات ظريف بعبّاس وهنيّة، أجرى قائد فيلق القدس اسماعيل قاآني في 2 شباط/فبراير اتّصالين بزعيم حماس هنيّة، وزعيم الجهاد الإسلاميّ زياد النخالة، رفضاً للصفقة، وأعرب قاآني عن جاهزيّة إيران للعمل على إفشال الصفقة.
وبعد ساعات قليلة من إعلان صفقة القرن في 28 كانون الثاني/يناير، وصف ظريف على "تويتر" الصفقة بأنّها كابوس للمنطقة والعالم، ومشروع وهميّ لمطوّر عقاريّ مفلس.
وفيما أكّد المرشد الأعلى للثورة الإسلاميّة علي خامنئي في 5 شباط/فبراير خلال خطاب جماهيريّ أنّ الصفقة ستموت قبل أن يموت دونالد ترامب، قال المتحدّث باسم وزارة الخارجيّة الإيرانيّة عبّاس موسوي في مؤتمر صحافيّ في 3 شباط/فبراير، إنّ الصفقة خيانة للشعب الفلسطينيّ.
أبلغ عضو في مجلس الشورى الإيرانيّ قريب من المرشد الإيرانيّ، أخفى هويّته، "المونيتور" بأنّ "الاتّصالات الإيرانيّة بجميع الفلسطينيّين، عبّاس والفصائل، دليل على حجم الخطر الذي تشعر به إيران من الصفقة، واعتقاداً منها أنّ هدفها المعلن تصفية القضيّة الفلسطينيّة، لكنّ الأهداف الضمنيّة محاصرة إيران، وعزلها عن المنطقة، ولذلك تستشعر إيران هذا الخطر، ممّا دفعها إلى الاتصال بالسلطة الفلسطينيّة، والقفز عن أيّ خلافات سابقة معها، فاللحظة الراهنة لا تسمح باستمرار التباينات الثنائيّة".
وأعلن المتحدّث باسم وزارة الخارجيّة الإيرانيّة موسوي يوم 2 فبراير أنّ السعوديّة منعت وفد بلاده من المشاركة في اجتماع منظّمة التعاون الإسلاميّ في جدّة لبحث الصفقة، وأوضح موسوي أن السعودية امتنعت حتى الساعات الأخيرة قبل اجتماع جدة، عن إصدار التأشيرات للوفد الإيراني برئاسة حسين أنصاري مساعد وزير الخارجية الإيراني، ولم تصدر السعودية أي تعقيب أمام هذا الاتهام الإيراني، لا نفياً ولا تأكيداً، كما لم تصدر السعودية أي موقف مؤيد أو معارض للاتصالات الإيرانية الفلسطينية الأخيرة.
قال ممثّل حماس في طهران خالد القدّومي لـ"المونيتور": "إنّ اتّصال ظريف بعبّاس جاء بمبادرة من إيران وليس من السلطة الفلسطينيّة، إيران تدرك أنّ القضيّة الفلسطينيّة تمرّ في مرحلة تاريخيّة حاسمة، وتسعى إلى إلغاء التباينات الفكريّة والسياسيّة والأيديولوجيّة، فعدوّنا واحد مشترك وهو إسرائيل، ولعلّ خطورة الصفقة علينا جميعاً تجبر جميع الأطراف الفلسطينيّة والعربيّة والإسلاميّة إلى التوحّد لمواجهة العدوّ المشترك".
صرّح وزير الخارجيّة الفلسطينيّ رياض المالكي لـ"المونيتور" في شباط/فبراير 2014 بأنّ السلطة الفلسطينيّة تقيم علاقات طبيعيّة مع إيران"، وأضاف: "لدينا سفارة في طهران، وحضرنا اجتماعات رسميّة مع إيرانيّين خارج المنطقة، وأرى وزير الخارجيّة ظريف في مناسبات كثيرة".
قال الكاتب السياسيّ الإيرانيّ صابر كل عنبري لـ"المونيتور" إنّ "اتّصال ظريف بعبّاس يبدو لافتاً لأنّه الأوّل منذ سنوات عدّة، بعد تباعد مواقفهما من القضيّة الفلسطينيّة"، وأضاف: "إيران ترفض عمليّة السلام، فيما تتّخذها السلطة الفلسطينيّة مساراً سياسيّاً لها، وعلى الرغم من تباين وجهات النظر بينهما، إلّا أنّ إعلان الصفقة، والموقف منها، دفعا إيران إلى إجراء اتّصالاتها مع الجهات الفلسطينيّة، السلطة والفصائل، للخروج بموقف موحّد ضدّ الصفقة".
في كانون الثاني/يناير 2014، قام عضو اللجنة المركزيّة لفتح جبريل الرجوب بزيارة طهران، في زيارة هي الأولى لمسؤول فتحاويّ منذ عشرات السنين، وبين الزيارة واتّصال ظريف بعبّاس، تخلّلت علاقات السلطة الفلسطينيّة بإيران مراحل من التوتّر، فدأبت السلطة الفلسطينيّة على اتّهام إيران بلعب دور تخريبيّ في الساحة الفلسطينيّة.
قال أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة النجاح في نابلس عبد الستّار قاسم لـ"المونيتور" إنّ "إيران تريد البقاء داخل القضيّة الفلسطينيّة، وتفضّل حلّها على أساس المقاومة المسلّحة"، وأضاف: "لا أتوقّع أنّ ظريف تحدّث مع عبّاس عن المقاومة، ولا يبدو أنّ عبّاس في صدد إجراء استدارة في تحالفاته الإقليميّة، فأيّ تغيير قد يؤثّر سلباً على مستقبله السياسيّ. لن يتسبّب الاتّصال الإيرانيّ بعبّاس بانزعاج السعوديّة ومصر، فعبّاس مرتبط بسياستهما".
أكّدت إيران في السنوات الماضية رغبتها في رؤية الصفّ الفلسطينيّ موحّداً، لأنّ التلاحم الفلسطينيّ يعزّز الموقف الرافض للصفقة، كما تكرّر في الاتّصالات الإيرانيّة الأخيرة خاصة إتصالات ظريف مع عباس وهنية.
وتسعى إيران إلى تحصيل مواقف إقليميّة ودوليّة رافضة للصفقة، لأنّها تعتقد أنّها لا تستهدف فقط القضيّة الفلسطينيّة وحدها، بل تؤسّس لنظام إقليميّ جديد تقيم فيه إسرائيل علاقات طبيعيّة مع الدول العربيّة في المنطقة، خصوصاً دول الخليج، فيما تسعى دول الخليج ذاتها إلى تحصيل موقف فلسطينيّ قابل للصفقة.