قطاع غزّة- مدينة غزة: زار رئيس الوزراء الفلسطينيّ محمد اشتيّة العراق، في 15 تمّوز/يوليو، للبحث في سبل استيراد الوقود العراقيّ لصالح السلطة الفلسطينيّة، التي تسعى إلى الانفكاك التدريجيّ عن الاحتلال الإسرائيليّ، لم يكن رئيس الوزراء الفلسطيني محمد شتية وحده في زيارة العراق، إذ اصطحب معه وزير الاقتصاد شكري بشارة ووزير الخارجية والمغتربين رياض المالكي ووزير الاقتصاد الوطني خالد العسيلي ووزير الزراعة رياض عطاري بالإضافة إلى رئيس المخابرات ماجد فرج، حيث التقوا بالرئيس العراقي برهم صالح ورئيس وزراء العراقي عادل عبد المهدي ورئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري.
وأكّدت وسائل إعلام العراقية أنّ الزيارة بحثت في الملفّات الاقتصاديّة كاستيراد الوقود العراقيّ وافتتاح مشاريع استثمارية فلسطينيّة في العراق.
الزيارة، التي كانت ليوم واحد فقط، كانت عبارة عن تفاهمات مشتركة بين الجانبين للبحث في إمكانيّة تحقيق التعاون الاقتصاديّ الذي يمكّن السلطة الفلسطينيّة من الخروج من الأزمة الاقتصاديّة بشكل جزئي والتي نتجت من رفضها استلام أموال المقاصّة من الاحتلال الإسرائيليّ بعد اقتطاعه جزءاً منها.
وقال إبراهيم ملحم في اتّصال هاتفيّ مع "المونيتور": إنّ اللقاء لم يثمر عن توقيع أيّ اتفاقيّات، وكان فقط في إطار التفاهمات لرسم خارطة يمكن السير عليها في سبيل للانفكاك الاقتصاديّ عن إسرائيل، خصوصاً في استيراد النفط ومشتقّاته، لا سيّما أنّ السلطة الفلسطينيّة وجدت قبولاً من الأردنيّ في اللقاءات التي أجرتها مع الحكومة الأردنيّة في 7 تمّوز/يوليو للبحث في إمكانيّة تحويل الوقود العراقيّ إلى السلطة عبر خطوط استيراد من العراق عبر الأراضي الأردنيّة وتكراره في مصفاة البترول الأردنيّة، أو تحويله إلى مصاف في إسرائيل وتحويله إلى السلطة.
على هامش إجتماعات اللجنة الفلسطينية الأردنية العليا وقّع الجانبين الفلسطيني والأردني 3 مذكرات تفاهم في مجال الطاقة والصحة والنقل، بما في ذلك آلية تسمح لفلسطين بتكرير أي مواد نفطية قد تستوردها من العراق في الأردن.
وقرّر المجلس المركزيّ الفلسطينيّ في اختتام دورته الـ30، بـ29 تشرين الأوّل/أكتوبر من عام 2018، الانفكاك الاقتصاديّ عن إسرائيل في بيان منشور، إذ قال: "نظراً لاستمرار تنكّر إسرائيل للاتفاقات الموقّعة وما ترتّب عليها من التزامات، فإنّ المجلس المركزيّ الفلسطينيّ يقرّر الانفكاك الاقتصاديّ على اعتبار أنّ المرحلة الانتقاليّة وبما فيها اتفاقيّة باريس لم تعد قائمة، وعلى أساس تحديد ركائز وخطوات عمليّة للاستمرار في عمليّة الانتقال من مرحلة السلطة إلى تجسيد استقلال الدولة ذات السيادة".
هذه الخطوة الفلسطينيّة في اتّجاه إنهاء التبعيّة الاقتصاديّة لإسرائيل، رغم أنّها قانونيّة وفق البند 12 من اتفاقيّة باريس، إلاّ أنّها صعبة التحقّق، وفق الباحث الاقتصاديّ ودكتور الاقتصاد في الكليّة الجامعيّة أسامة نوفل، إذ قال لـ"المونيتور": إنّ اتفاقيّة باريس حتّى وإن أتاحت للسلطة استيراد الوقود، إلاّ أنّها تفرض شروطاً على نوع الوقود وسعره المباع في الأراضي الفلسطينيّة ومنافذ دخوله إلى أراضي السلطة".
أضاف: "لم تدخل إسرائيل أيّ سلعة من الوقود عن طريق الأردن إلى الأراضي الفلسطينيّة منذ التوقيع على بروتوكول باريس الاقتصاديّ، فلا أعرف كيف تراهن السلطة الفلسطينيّة على إدخال الوقود من الأردن إلى الضفّة من دون الأخذ في عين الحسبان رفض إسرائيل ذلك، رغم البند 13 من بروتوكول باريس الذي يقول إنّ الجانب الفلسطينيّ يحقّ له استخدام نقاط العبور والخروج من إسرائيل".
إسرائيل، وفق أسامة نوفل، لا تريد وصول الوقود المباع في الأراضي الفلسطينيّة إلى منطقة حكمها، ويجب أن يكون بمواصفات معيّنة من حيث اللون والرائحة في الأراضي الفلسطينية حسب اتفاقية باريس الاقتصادية، وبسعر لا يتجاوز الـ15 في المئة من السعر النهائيّ الرسميّ للمستهلك في إسرائيل.
إذا كان هدف السلطة الفلسطينيّة تحقيق انفكاك اقتصاديّ عن إسرائيل، فلماذا بدأت بالوقود؟ فقال نوفل: "تستورد السلطة الفلسطينيّة الوقود من إسرائيل بسعر مرتفع مقارنة مع الوقود التي تبيعه الدول العربيّة نتيجة الضرائب التي تفرضها كل من إسرائيل والحكومة الفلسطينيّة. تفرض أسرائيل ضريبة "البلو" تبلغ نسبتها 100 في المائة من سعر لتر الوقود، الذي يباع للمستهلك الفلسطينيّ بسعر (1.7 دولار). في ما تفرض الحكومة الفلسطينيّة ضريبة "القيمة المضافة" المقدّرة بـ16 في المائة. فلو استوردت فلسطين من العراق مباشرة سيكون سعر الوقود أقل وستستفيد السلطة من قيمة ضريبة البلو وضريبة القيمة المضافة مباشرة دونَ الحاجة إلى انتظار مخالصة المقاصة من الجانب الإسرائيلي."
أضاف: "هناك تداخل كبير بين الاقتصادين الفلسطينيّ والإسرائيليّ يجعل من عمليّة الانفكاك الاقتصاديّ صعبة وغير ممكنة في المدى القريب، فعلى سبيل المثال نستورد كفلسطينيّين 67 في المئة من وارداتنا من الجانب الإسرائيليّ والباقي من الاتّحاد الأوروبيّ والدول العربيّة، إضافة إلى عمل 131 ألف عامل فلسطينيّ في الأراضي المحتلّة، وهم يشكّلون ما نسبته 37 في المئة من الناتج القوميّ للضفّة الغربيّة، وسيشكّل توقّفهم عن العمل خسارة كبيرة للسلطة في ظلّ أزمتها الاقتصاديّة، هذا فضلاً عن الترابط الجغرافيّ بين الضفّة الغربيّة والاحتلال، واستهداف الاحتلال للفلسطينيّين اقتصاديّاً من خلال افتتاح تجمّعات استهلاكيّة للفلسطينيّين تبيع المنتجات بأقلّ من أسعار الضفّة".
وتابع: "إذا أرادت السلطة الفلسطينيّة أن تحقّق جزئيّة من هذا الانفكاك الاقتصاديّ، فعليها التوقّف عن شراء العديد من السلع الترفيهيّة من الجانب الإسرائيليّ، تشجيع المنتجات المحليّة التي من شأنها الإحلال محلّ الوارد الإسرائيليّ من البضائع، الاستفادة من اتفاقيّة باريس من القوائم السلعيّة A1,A2,B، وتخفيف الاعتماد على الاقتصاد الإسرائيليّ".
وقدّم "معهد أبحاث السياسات الاقتصاديّة الفلسطينيّ – ماس" ورقة عمل منشورة له في 2019 عن الانفكاك الاقتصاديّ التدريجيّ عن إسرائيل لفت فيها إلى أنّ بروتوكول باريس يشكّل عائقاً، وإحدى أهمّ العقبات التي يجب تذليلها نحو إنهاء التبعيّة الاقتصاديّة، ولكنّه بالتأكيد ليس كلّ المشكلة، فهناك هوامش يمكن استغلالها.
وأشار إلى الارتباط الكليّ بين الاقتصادين الفلسطينيّ والإسرائيليّ بحكم الهيمنة السياسيّة والاقتصاديّة التي تفرضها إسرائيل، مستعينة بقوّتها العسكريّة والسياسيّة.
وأشاد "ماس" ببعض الإجراءات الفلسطينيّة التي يمكنها على المدى البعيد تحقيق انفكاك جزئيّ من التبعيّة الماليّة الاقتصاديّة لإسرائيل، ومنها بحث السلطة الفلسطينيّة عن سبل للاستغناء عن التعامل بالشيقل الإسرائيليّ ومحاربة التهرّب التجاريّ في المناطق "ج"، التي تخضع لسيطرة الاحتلال الأمنيّة.
إن استمرار اقتطاع الاحتلال لأموال المقاصة دفع السلطة الفلسطينية للبحث عن بديلٍ عربي يمكنه أن يساعدها في تجاوز أزمتها المالية، بعيدا عن الابتزاز الإسرائيلي لها، ووجدت في العراق شريكًا اقتصاديًا يمكنها بمساعدته البدء بعملية الانفكاك الاقتصادي التدريجي عن إسرائيل، فهل تنجح في ذلك؟!.