كشفت أوساط اقتصادية فلسطينية يوم 31 أكتوبر أن "اللقاء الذي جمع الرئيس الفلسطيني محمود عباس مع السفير القطري محمد العمادي برام الله يوم 30 أكتوبر أسفر عن موافقة السلطة الفلسطينية على تشغيل محطة كهرباء غزة بالغاز الطبيعي لإسرائيل عبر شركة "ديلك" الإسرائيلية".
يأتي الحديث عن هذا المشروع في هذه المرحلة، رغم أنه سبق لإسرائيل أن اتفقت بشأنه مع قطر والسلطة الفلسطينية في 2015، ولذلك التقى العمادي عدة مرات في 2015 مع يوآف مردخاي المنسق السابق للأنشطة الإسرائيلية بالمناطق الفلسطينية.
لكن المشروع تم تأجيله عدة سنوات، حتى جاءت التفاهمات الإنسانية بين حماس وإسرائيل برعاية مصر وقطر في أكتوبر 2018، عقب اندلاع مسيرات العودة على حدود قطاع غزة منذ مارس 2018، وتضمنت التفاهمات تحسين التيار الكهربائي في غزة، حيث يعتبر انقطاع الكهرباء من أخطر المشاكل التي يعانيها الفلسطينيون منذ 13 عاما.
ورغم مرور عام على تفاهمات حماس وإسرائيل، فإن المشروع لم يخرج لحيز التنفيذ بسبب تلكؤ السلطة الفلسطينية بالموافقة عليه، حتى نجحت قطر باستصدار موافقة الرئيس الفلسطيني عليه قبل أيام، بعد أن تعهدت للسلطة وإسرائيل بدفع كل التكاليف المالية لإنجاز المشروع لوحدها.
تعود أزمة الكهرباء بغزة لمنتصف 2006، حين قصفت إسرائيل محطة التوليد الوحيدة بغزة ردا على خطف حماس للجندي الإسرائيلي غلعاد شاليط في يونيو 2006، مما أوقفها عن العمل بشكل كامل، ومنذ حينها أصبح القطاع يعاني بشكل مستمر من عجز كبير في الطاقة الكهربائية، بمعدل 8 ساعات يوميا فقط غير منتظمة، في أحسن الأحوال.
محمد أبو جياب، رئيس تحرير صحيفة الاقتصادية بغزة، الذي كشف الموافقة الفلسطينية من مصادره بالرئاسة الفلسطينية، أكد "للمونيتور" أن "قطر اتفقت مع السلطة وإسرائيل معاً على أن تدفع قطر وحدها الأموال اللازمة لهذا المشروع، الذي يشمل إنشاء مسار خط للغاز بطول 40 كم، وبناء 3 محطات لضخه على امتداد الحدود الشرقية للقطاع، وتصل تكلفته 88 مليون دولار، ويستغرق إنجازه بين عام ونصف لعامين، وسيبدأ أوائل 2020".
تعتبر المساهمة بحل مشكلة الكهرباء بغزة من أهم اهتمامات قطر، فقد وصل وفد قطري لغزة في 23 سبتمبر برئاسة خالد الحردان، نائب العمادي، لدراسة تشغيل خط كهربائي جديد يُغذي القطاع، وفي يونيو وصل وفد قطري إسرائيل لبحث المشروع في يونيو، وصل وفد قطري آخر إلى إسرائيل لمناقشة مشروع تشغيل خط كهرباء جديد يغذي قطاع غزة، والتقى بمسئولي شركة الكهرباء الحكومية الإسرائيلية، وهي جهود تضاف للمشروع الحالي بإمداد محطة كهرباء غزة بالغاز الإسرائيلي.
مسئول فلسطيني قريب من عباس، أخفى هويته، تابع لقاءه بالعمادي، أبلغ "المونيتور" أن "القيادة الفلسطينية ملتزمة بالتخفيف من معاناة غزة، لاسيما بقطاع الكهرباء التي تشكل مجالا حيويا، وتمس عصب الحياة اليومية. ننسق جهودنا مع قطر، ونأمل الشروع قريبا بالمشاريع الخاصة بهذه المشكلة، وكلفنا الجهات المختصة بالتعاون مع قطر للإسراع بتنفيذها".
أبو جياب أبلغ "المونيتور" استنادا لمصادره في الرئاسة الفلسطينية أن "السلطة ليست مستفيدة مالياً من المشروع، بقدر ما هو مكسب سياسي لها، ترسخ من خلاله سيطرتها على غزة، رغم سيطرة حماس عليها منذ 2007، وإن إسرائيل اشترطت الشروع بتنفيذ المشروع بانتظار تحصيل قطر لموافقة السلطة، نظرا لعدم اعتراف إسرائيل بسيطرة حماس على غزة، وقد حصلت الموافقة بفضل العلاقات الشخصية الوثيقة التي تربط العمادي بعباس".
مهندس كهربائي بسلطة الطاقة الفلسطينية، أخفى هويته، أبلغ "المونيتور" أن "المشروع القطري استراتيجي، شجعناه دائما، وكنا بانتظار موافقة القيادة الفلسطينية، لأنه سيحل تدريجيا انقطاع الكهرباء، وانعكاساته الإيجابية تتمثل بانخفاض ثمن إنتاج كيلو الواط من الكهرباء من شيكل واحد إلى 0,40 أغورة".
في 5 ديسمبر 2018 أعلن زئيف بيليسكي رئيس المجلس الوطني الإسرائيلي للتخطيط والبناء نيته ربط محطة توليد كهرباء غزة، بخط نقل الغاز الطبيعي الإسرائيلي، ويشمل المشروع تركيب وتجهيز مواقع خاصة بالبنية التحتية، وتركيب أنظمة وقود تحافظ على البيئة، وتحد من المخاطر على المياه الجوفية.
عاطف عدوان، رئيس اللجنة الاقتصادية بالمجلس التشريعي عن حماس، قال "للمونيتور" إن "تشغيل محطة الكهرباء بالغاز يعطي كفاءة أعلى، وإنتاجا أكثر، لكن المشكلة بالالتزام الإسرائيلي بتنفيذ المشروع، نحن لا نثق بالوعود الإسرائيلية. المشروع، الذي لم ينفذ بعد، أتى نتيجة لمسيرات العودة، وخشية إسرائيل من انفجار الوضع بغزة. نجاح قطر بالمشروع سيزيد علاقتنا بها، فهي تستضيف قيادة حماس، وتدعم الفلسطينيين، مما يمنحها احترامهم، ويزيد نفوذها بينهم".
فيما أعلن يحيى السنوار زعيم حماس في غزة يوم 4 نوفمبر في خطاب جماهيري بغزة، أن حركته عززت علاقتها مع قطر، التي تبرعت خلال السنوات الماضية بمليار دولار لقطاع غزة عبر عدة منح ومشاريع.
سمير عبد الله، وزير التخطيط الفلسطيني السابق برام الله، وكبير باحثي معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني-ماس، قال "للمونيتور" إن "المشروع يجسد تبعية الفلسطينيين لإسرائيل، فتشغيل محطة الكهرباء بالغاز الإسرائيلي يبقي غزة تحت رحمة إسرائيل، متى ما رضيت استمر تدفق الغاز للمحطة، وإن حصل توتر أمني أوقفت ضخه، ولأن السلطة تدعو باستمرار للانفكاك عن الاقتصاد الإسرائيلي، فإن ذلك يجعله مشروعا عديم الجدوى".
يأتي الجهد القطري الحالي لتحسين وتطوير إمدادات غزة بالكهرباء، استكمالا لإعلان قطر في نوفمبر 2018، عن تبرعها بـ60 مليون دولار لشراء وقود محطة الكهرباء غزة لـ6 أشهر، بواقع 10 ملايين دولار شهريا، ثم قررت تمديد دعمها حتى نهاية 2019.
محمد ثابت، مدير الإعلام بشركة الكهرباء الفلسطينية، قال "للمونيتور" إن "المشروع سيزيد ساعات إمداد الكهرباء للقطاع، بحيث نوصله 12 ساعة، واستخدام الغاز لتشغيل المحطة بدل السولار سينعكس إيجابا على الواقع البيئي، ويدفعنا لتشغيل المولدات الأربعة بالمحطة بوقت واحد".
من المتوقع أن يزيد مشروع دعم محطة كهرباء غزة بالغاز الإسرائيلي النفوذ القطري بالأراضي الفلسطينية عموما، وغزة خصوصا، وسط معاناة الفلسطينيين في غزة من أزمة كهرباء حادة. كما سيمنح ذلك الدوحة تأثيرًا استثنائيًا على حماس، مما يعزز مكانتها كوسيط ناجح يثق به الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي.